• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 190- كلام الميرزا النائيني عن فطرية الطرق العقلائية وانها تحتاج الى عدم الردع ومناقشتة .

190- كلام الميرزا النائيني عن فطرية الطرق العقلائية وانها تحتاج الى عدم الردع ومناقشتة

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(190)
 
ويدل على ما ذكرناه من (ثالثاً: وقد يقال بأن منشأ حجية الطرق العقلائية، كخبر الثقة وقول الخبير، هو الفطرة أو العقل، فإذا صح ذلك وأمكنت برهنته فلا حاجة إلى إمضاء الشارع ولو بعدم الردع؛ وذلك لأن (العقل) حجة من باطن كما ان (الشرع) حجة من ظاهر وهو حجة مستقلة فانه في عرض الشرع من حيث الحجية فلا يحتاج إلى إمضاء منه؛ ولذا كانت المستقلات العقلية حجة من غير توقف على إمضاء الشارع) و(دليل الأول: اننا نجد ان الناس من جميع الملل والنحل في مختلف البلاد قديماً وحديثاً رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، يعتمدون على خبر الثقة وقول الخبير في مختلف أمورهم، فلا يكون ذلك إلا لكونهم مفطورين على ذلك وإلا لاستحال ذلك عادة)([1]) ما التزم به الميرزا النائيني في الفوائد إلا انه – وخلافاً للقاعدة حسبما نرى – سار إلى منتصف الطريق وذكر المقدم مرتِّباً عليه نقيض تاليه الذي يجب ترتيبه عليه، فقد ناقض نفسه – فيما نتصور – بترتيب نقيض اللازم على ما يستلزمه([2]).
 
كلام النائيني عن نشوء سيرة العقلاء بما هم عقلاء، عن الفطرة
 
قال: (وأمّا طريقة العقلاء: فهي عبارة عن استمرار عمل العقلاء بما هم عقلاء على شيء سواء انتحلوا إلى ملة ودين أو لم ينتحلوا، ومنهم المسلمون، وسواء كان ما استمرت عليه طريقتهم من المسائل الأصولية أو من المسائل الفقهية، وقد يعبر عن الطريقة العقلائية ببناء العرف، والمراد منه العرف العام، كما يقال: إن بناء العرف في المعاملة الكذائية على كذا، وليس بناء العرف شيئا يقابل الطريقة العقلائية.
ولا إشكال أيضا في اعتبار الطريقة العقلائية وصحة التمسك بها، فان مبدأ الطريقة العقلائية لا يخلو: إما أن يكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت إلى أن صارت من مرتكزاتهم، وإما أن يكون مبدؤها أمر نبي من الأنبياء بها في عصر حتى استمرت، وإما أن تكون ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام.
ولا يخفى بُعد الوجه الأول بل استحالته عادة، وكذا الوجه الثاني، فالمتعين هو الوجه الثالث، ولكن على جميع الوجوه الثلاث يصح الاعتماد عليها والإتكال بها، فإنها إذا كانت مستمرة إلى زمان الشارع وكانت بمنظر منه ومسمع وكان متمكنا من ردعهم، ومع هذا لم يردع عنها فلا محالة يكشف كشفا قطعيا عن رضاء صاحب الشرع بالطريقة، وإلا لردع عنها كما ردع عن كثير من بناءات الجاهلية، ولو كان قد ردع عنها لنقل إلينا لتوفر الدواعي إلى نقله.
ومن ذلك يظهر: أنه لا يحتاج في اعتبار الطريقة العقلائية إلى إمضاء صاحب الشرع لها والتصريح باعتبارها، بل يكفي عدم الردع عنها، فان عدم الردع عنها مع التمكن منه يلازم الرضاء بها وإن لم يصرح بالإمضاء)([3]).
 
إيضاحات لكلامه مع مقتضى التحقيق في المقام
 
أقول: وبيان المطلب ونقده في ضمن نقاط:
 
التعبير بـ(بما هم عقلاء) يستبطن النشوء من العقل
 
الأولى: ان نفس التعبير بـ(عمل العقلاء بما هم عقلاء) يستبطن صدوره منهم ناشئاً من العقل وإلا لما صدر منهم بما هم عقلاء بل بما هم مجبورون على أمر أو بما هم مخدوعون أو بما هم شهوانيون أو شبه ذلك؛ ولذا سبق: (ومتى اتفق العقلاء بما هم عقلاء على أمر كَشَفَ ذلك عن كون منشأه العقل؛ وإلا لما كان اتفاقهم عليه بما هم عقلاء، هذا خلف، فإذا كان منشؤه العقل كان حجة ذاتية)([4]).
 
حكم العقلاء يرجع اما للعقل أو للفطرة
 
الثانية: ان مرجع حكم العقلاء بما هم عقلاء إلى العقل أولاً وبالذات وقد يرجع إلى الفطرة لأن العقل يهدي إليها أيضاً إن لم نقل انه منها فلا يصح حصر مرجعية حكم العقلاء بما هم عقلاء برجوعه إلى الفطرة كما هو ظاهر عبارة الميرزا إلا أن يرى وحدتهما أو كون العقل أخص من الفطرة مطلقاً أو يقصد من الذهن([5]) العقل. فتأمل، وحيث بنينا على التعدد – كما لعله ظاهر الآيات والأخبار أيضاً – استدللنا بوجهين سبقا وهما (الدليل على فطرية الطرق العقلائية) و(الدليل على أن الطرق العقلائية مرجعها العقل)([6]).
 
أمثلة للطريقة العقلائية في الفقه والأصول
 
الثالثة: ان قوله (ما استمرت عليه طريقتهم من المسائل الأصولية أو من المسائل الفقهية) يراد (بالمسائل الأصولية) مثل: حجية خبر الثقة أو قول الخبير أو حجية الظواهر – بناء على جريان سيرة العقلاء بما هم عقلاء عليها – وبالمسائل الفقهية مثل: كون الحيازة مملّكة أو موجبة لحق الاختصاص فان سيرة العقلاء بما هم عقلاء من كل الملل والنحل عليها، ولا يراد غيرها مما لا طريق إليها إلا الشرع، أو ما اختلفوا فيه.
 
الدليل على أن الطريقة العقلائية لم تنشأ من كلام نبي أو جبر ظالم
 
الرابعة: ان استبعاده للوجه الأول والثاني بل اعتباره مستحيلاً عادة صحيح بل انه قطعي، ويدل عليه: ان الطرق العقلائية كالاعتماد على خبر الثقة وقول الخبير يجري عليها الأطفال أيضاً ولا شك انهم لم يقسرهم قاسر ولا حاكم جائر وان فرضت هيمنة أحدهم على كل البسيطة، ولا انهم اطلعوا على أمر نبي أو أدركوه.
كما يدل عليه: ان هذه الطرق العقلائية يجري عليها حتى من وُلد في معزل عن الناس فانه لو صادف خبيراً بطرق الجزيرة، وأذعن انه خبير، فان عقله وفطرته تقودانه إلى اتباعه واعتبار قوله حجة، كما يدل على ذلك عمل مطلق الجاهل بكلام الأنبياء والبعيد عن قسر الجبابرة.
 
رد كلامه بان السيرة إذا كان منشؤها الفطرة فلا تحتاج لإمضاء
 
الرابعة: ان اختياره للوجه الثالث هو الصحيح كما سبق تفصيله، ولكنه رتب عليه نقيض لازمه إذ إذا كانت الطريقة العقلائية بما هم عقلاء (ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام) كما هو صريح كلامه، فهي حجة ذاتية إذ الفطرة حجة ذاتاً خاصة مع تصريحه بانها (أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام) فلا تحتاج إلى إمضاء ولو بعدم الردع أبداً، وكيف تحتاج إلى إمضاء ولو بعدم الردع وقد اودعها الله تعالى بمقتضى حكمته البالغة حفظاً للنظام؟ والحاصل: ان حجية العقل والفطرة في عرض حجية النقل كما مضى وكما هو من البديهيات ولاستلزام دعوى استناد حجية الفطرة أو العقل إلى الشرع، الدور كما مضى.
وهل قوله هذا إلا كقول من يقول ان المستقلات العقلية أو الأمور الفطرية (كهداية فطرتنا لنا إلى وجود الله ووحدانيته وعدله وحكمته) بحاجة إلى إمضاء من الشرع؟
 
الدفاع عن الميرزا
 
ولكن قد يورد على ما ذكرناه بأمور؛ دفاعاً عن الميرزا النائيني وعن مسلك المشهور حيث أوقفوا حجية سيرة العقلاء بما هم عقلاء (وبناءهم بما هم عقلاء – أيضاً بناء على أن سيرتهم أمر وبناءهم أمر آخر كما نقحناه في بحث سابق) على إمضاء الشرع ولو بعدم الردع.
 
1- حاجة الفطريات إلى منبِّه أحياناً
 
الدفاع الأول: ان الأمور الفطرية والمستقلات العقلية قد تحتاج إلى منبه ولذا جاء في الحديث "وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول‏"([7]) فقد احتاجت الفطريات والعقليات إلى الإمضاء ولو بعدم الردع.
 
الجواب: المنبِّه يحتاجه غير المتنبِّه
 
الجواب: المنبّه إنما يحتاجه غير المتنبِّه، وكلامنا في المتنبِّه والميرزا بصريح كلامه متنبه إلى (ان الطريقة العقلائية ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام).
وبعبارة أخرى: التنبيه إلى البرهان أو إلى ما لا يحتاج إلى البرهان لضروريته، غير حاجة البرهان في حد ذاته أو البديهي في حد ذاته إلى إمضاء ولو بعدم الردع، والحاصل: ان التنبيه غير الإمضاء فتدبر. وللحديث تتمات فانتظر.
 
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "مِنَ التَّوَاضُعِ أَنْ تَرْضَى بِالْمَجْلِسِ دُونَ الْمَجْلِسِ، وَأَنْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ تَلْقَى وَأَنْ تَتْرُكَ‏ الْمِرَاءَ وَإِنْ كُنْتَ مُحِقّاً وَأَنْ لَا تُحِبَّ أَنْ تُحْمَدَ عَلَى التَّقْوَى" الكافي: ج2 ص123.
..................................................
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2666
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 4 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23