بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(193)
متمِّم الكشف لغوٌ
وبعبارة أخرى: ان متمِّم الكشف لغو إذ لا حاجة إليه مع كفاية نفس المصلحة الغالبة في الطريق للبعث ولإيجاب الإتباع وللانبعاث من غير حاجة إلى توسيط جعلٍ وإيجاد حكم وضعي ([1]) أو اعتباري بمتمم الكشف.
وبعبارة ثالثة: العقلاء يجرون عملياً على طبق خبر الثقة وينبعثون عنه بما احرزوه فيه من كونه غالب الايصال للواقع ولا يجدون حاجة لتتميم الكشف واعتبار الظن كالعلم أو اعتبار احتمال الخلاف كالعدم ولا يرون توقف انبعاثهم عنه وكونه مقتضى الحكمة على جعلٍ متوسطٍ منهم للحجية أو تتميمها؛ فانه وإن امكنهم ذلك إلا انه لا حاجة إليه، فدعوى توسيطهم متمم الكشف بلا وجه.
والدليل الوجدان
ويدل على ذلك الوجدان؛ ألا ترى ان الثقة لو اخبرك بخبر كمجيء والدك من السفر فانك وإن احتملت فيه كأي خبر آخر الخطأ لكنك تنبعث عن نفس الظن بمطابقة الخبر للواقع من دون ان ترى حاجة لأن تتمم الكشف وتقول (ولو في قرارة نفسك) ان هذا الخبر يحتمل فيه 10% مخالفة الواقع فيجب عليَّ إلغاء هذا الاحتمال كي يمكنني الانبعاث (أو كي انبعث)! أو يجب عليَّ أن ألاحظ هل تمم العقلاء الكشف أو لا حتى انبعث! بل الانبعاث عنه فطري كما سبق، أو تقول: ان هذا الخبر ظني فيجب علىَّ أن أنزّله منزلة العلم أولاً كي يمكنني الانبعاث (أو كي انبعث) أو على العقلاء ذلك وانه لو لم يُتمَّم الكشف لما امكنني الانبعاث أو لقبح عليَّ!
وباعثية الاحتمال دليل آخر
ومما يؤكد ذلك بل يدل عليه: باعثية (الاحتمال) في العديد من الصور التي أشرنا إلى مجموعة منها سابقاً ([2]) فانه لو احتمل 20% كون هذه التجارة مربحة ربحاً بالغاً (من غير ضرر كي لا يدخل في باب التزاحم أو معه إذا غلبه احتمال الربح احتمالاً أو محتملاً) فانه لا شك في ان هذا الاحتمال باعث (وإن كانت حيثية كون متعلّقه شأناً خطيراً مثلاً حيثية تقييدية) لكن لا شك في انه لم يُتمَّم كشفه بإلغاء احتمال الخلاف أي الـ80% أو انه نزّل الـ20% منزلة الـ100%.
والحاصل: ان عدم كون العلم علة تامة للانبعاث رغم تمامية كاشفيته من جهة وكون الاحتمال علة معدة للانبعاث بدون تتميم لكاشفيته بل والاكتفاء به فيه ([3]) من جهة أخرى، يدلّان على ان تتميم الكشف وعدمه أجنبي عن الباعثية بل انها ([4]) قد لا تكون رغم تمامية الكاشفية وقد تكون رغم ضعفها. فتدبر وتأمل.
ثم انه لا فرق في متمم الكشف بين الجاعل لحجية أمارة وبين المنبعث عنها الملاحظ لكونها ظنية فانه لا يحتاج أي منهما إلى المتمم.
إشكال: الحاجة لمتمِّم الكشف ليكونَ الفارقَ بين الظن المطلق والخاص
لا يقال: إذا كان ترجيح الراجح حسناً بل واجباً ([5]) وترجيح المرجوح قبيحاً بل محظوراً فيلزم القول بحجية مطلق الظنون، مما لا يمكننا الالتزام به، فلا مناص لدفع حجيتها إلا بالقول بالحاجة لمتمم الكشف وان الفارق بين الظن الخاص والمطلق هو ان (الخاص) حظي بمتمم الكشف فلزم إتباعه دون الظن المطلق.
الجواب: الظن المطلق راجح بالنسبة للوهم ومرجوح بالنسبة للظن الخاص فلا حاجة لمتمِّم الكشف
إذ يقال: كلا؛ إذ الظن المطلق راجح إتباعه في ظرف الانسداد لا في ظرف انفتاح باب العلم والعلمي فانه على هذا التقدير يكون مرجوحاً لا راجحاً فلا يُتَّبع لأنه مرجوح، اما الظن الخاص فيُتَّبع لأنه راجح من غير حاجة لمتمم الكشف.
توضيحه: انه لا شك في ظرف انسداد باب العلم والعلمي ان الظن المطلق وإن كان ضعيفاً (ولنفرضه 70%) يرجح إتباعه وإلا لاتبع مقابله المرجوح وهو الوهم وهو الـ30% ولا شك في قبح ترجيح المرجوح، أما في ظرف انفتاح باب العلم والعلمي فان إتباع الظن المطلق مع توفر الظن الخاص هو من مصاديق ترجيح المرجوح فان الظن المطلق لو فرض انه مطابق للواقع 70% كان الظن الخاص مطابقاً للواقع 90% (ولذا اعتبره العقلاء حجة بخصوصه وبنوا عليه وإلا لما كان وجه لان يبنوا على هذا دون الظن المطلق) والرجوع إلى الظن الأضعف مع وجود الأقوى ترجيح للمرجوح.
وبعبارة أخرى: الظن الأضعف بالقياس إلى الوهم راجح فلو دار الأمر بينهما وجب ترجيحه والعمل به، لكنه بالقياس إلى الظن الأقوى مرجوح فلو دار الأمر بينهما (أو بين الثلاثة) كان الراجح بلا شك هو العمل بالظن الأقوى المسمى بالظن الخاص من غير حاجة إلى متمم الكشف فتدبر جيداً.
كلام المحقق النائيني في المقام
وبذلك كله اتضح عدم تمامية قول المحقق النائيني: (ومن هنا اعتبرنا في كون الشيء أمارة من أن يكون له في حد ذاته جهة كشف، والشارع في مقام الشارعية تمم كشفه وجعله محرزا للواقع ووسطا لاثباته، فكأن الشارع في عالم التشريع جعل الظن علما من حيث الكاشفية والمحرِزية بلا تصرف في الواقع ولا في المؤدى، بل المؤدى بعد باق على ما هو عليه من الحكم الواقعي صادفت الأمارة للواقع أو خالفت، لأنه يكون من مصادفة الطريق أو مخالفة الطريق لذي الطريق من دون توسعة في الواقع وتنزيل شيء آخر منزلة الواقع، فان كل ذلك لم يكن، بل المجعول هو نفس الطريقية والكاشفية والمحرزية التي كان القطع واجدا لها بذاته والظن يكون واجدا لها بالتعبد والجعل الشرعي، فهذا هو المجعول في باب الطرق والأمارات) ([6]).
إذ ظهر انه لا جعل في الأمارات ولا تتميم للكشف ولا ان الشارع جعل الظن علماً ([7]) إذ انه لغو لا حاجة إليه وان الموجود في الطرق إنما إمضاء الشارع بمعنى الإرشاد إليها لا إنشاء أمر كالكاشفية والمحرزية، على اننا لا نحتاج حتى إلى الإمضاء ولو بعدم الردع كما سبق.
كما اتضح بذلك عدم تمامية قوله: (إذا تبين ذلك، فنقول : إن المجعول في باب الطرق والامارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية في الاثبات، بمعنى: أن الشارع جعل الامارة محرزة للمؤدى وطريقا إليه ومثبتة له، بناء على ما هو التحقيق عندنا: من أن الطريقية بنفسها تنالها يد الجعل كسائر الأحكام الوضعية، بل الطريقية أيضا كالملكية والزوجية من الأمور الاعتبارية العرفية التي أمضاها الشارع، فان الظاهر أنه ليس فيما بأيدينا من الطرق والامارات ما يكون مخترعا شرعيا بل جميع الطرق والامارات مما يتعاطاها يد العرف في إثبات مقاصدهم كالأخذ بالظواهر والعمل بالخبر الواحد ونحو ذلك من الطرق والامارات، فهي عندهم محرزة للمؤدى وكاشفة عنه وواسطة لاثبات مقاصدهم كالعلم، والشارع قد أبقاها على حالها وأمضى ما عليه العرف، فالأمارات تكون كالعلم من حيث الاحراز والكاشفية وإثبات المؤدى) ([8]). فان الطريقية وإن أمكن ان تجعل لكنه لا حاجة في الطرق العقلائية للجعل بل هو لغو وغاية الأمر ان من الشارع الإرشاد. فتدبر. وللبحث صلة بإذن الله تعالى. وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الباقر (عليه السلام): "يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ دُعَاؤُهُ فِي الرَّخَاءِ نَحْواً مِنْ دُعَائِهِ فِي الشِّدَّةِ لَيْسَ إِذَا أُعْطِيَ فَتَرَ، فَلَا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ بِمَكَانٍ" الكافي: ج2 ص488.
...............................................
|