• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 195- أدلة اخرى على ان حجية الطرق العقلائية تنجيزية غير معلقة على عدم الردع .

195- أدلة اخرى على ان حجية الطرق العقلائية تنجيزية غير معلقة على عدم الردع

 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(195)
 
عدم سؤال أي راوٍ  عن حجية خبر الثقة، دليل بداهتها لديهم
 
ومما يدل على الحجية التنجيزية للطرق العقلائية التي يستند إليها العقلاء بما هم عقلاء، اننا لم نجد أحداً من أصحاب المعصومين (عليهم السلام) طوال أكثر من مائتين وخمسين عاماً يسألهم عن حجية خبر الثقة وعدمها مع ان أغلب مسائل الشريعة وأحكامها ابتنت([1]) على أخبار الثقات، فكيف يكون الدين بمعظمه مبنياً على طريقٍ ولا يسأل أحدٌ من الرواة، وفيهم الأعاظم، من أحد من الأئمة (عليهم السلام) عن مدى حجية الطرق العقلائية المعهودة، لديهم (عليهم السلام) وانه هل لكم طريقة خاصة في البلاغ والإبلاغ والنبأ والأنباء والإخبار والإعلام غير طرق العقلاء المبنية على خبر الثقة وشبهه([2]) أو لا بل اعتمدتم على ما اعتمد عليه العقلاء؟
وذلك يدل على كون خبر الثقة لديهم حجية تنجيزية بالبداهة عندهم وكونها عقلية أو فطرية، والحجة التنجيزية لا تتوقف على أمر كعدم الردع وإلا لكانت تعليقية، هذا خلف. سلمنا لكنها سيرة متشرعية وهي غير متوقفة على الإمضاء إذ انها بنفسها كاشفة عن الإمضاء([3]).
 
وإعراض الأئمة (عليهم السلام) عن الإلفات لحجيته أو عدمها، دليل أقوى
 
بل نقول: ان الأئمة (عليهم السلام) لم يبادروا أحداً من الأصحاب ولم يقولوا لأحد بان خبر الثقة حجة أو انه ليس بحجة ولا قالوا – مثلاً – اعلموا: اننا أمضينا طريقة العقلاء، مما يدل على ان حجية خبر الثقة هي، بنظرهم أيضاً، تنجيزية غير متوقفة على شيء فتأمل([4]).
بل إن ظاهر جملة من الروايات أن الأصحاب بنوا على حجيته ككبرى ارتكازية لا ريب فيها كما فيما "عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُهْتَدِي قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام) فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَلْقَاكَ كُلَّ وَقْتٍ فَعَمَّنْ آخُذُ مَعَالِمَ دِينِي قَالَ: خُذْ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ"([5]) لظهور (عمن) في كونه سؤالاً عن ثقة يرجع إليه. فتأمل بل ان الظاهر ان الإمام بنى على ارتكازيتها ففرع عليها في قوله مثلاً "الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي"([6]) حيث ان كلام الإمام ظاهر في حاجة الصغرى إلى البيان فأبان (عليه السلام) ان العمري ثقتي معتمداً في الكبرى على ارتكازيتها.
 
الإشكال بروايات "فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ"
 
نعم وردت روايات مثل "وَإِذَا جَاءَكُمْ عَنَّا حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِهَذَا الْأَمْرِ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ الْقَائِم‏..."([7])
 
الجواب: انها خاصة بمسائل أصول الدين
 
لكن أجاب الأعلام بان هذه الروايات خاصة بأصول الدين إذ هي المحتاجة إلى وجود شاهد عليها لكثرة وخطورة الانحرافات في المسائل العقدية وعموم البلوى بها من جهة ولتطرق الكتاب العزيز لكافة المسائل العقدية الأساسية كالجبر والتفويض وغيرهما من جهة أخرى، ولا يعقل تعميمها للأحكام الفرعية والمسائل الفقهية وذلك لبداهة ان كافة الأحكام الفرعية والمسائل الجزئية وهي بالألوف بل عشرات الألوف لا يوجد عليها، فيما نستطيع استنباطه، شاهد أو شاهدان من كتاب الله، نعم علمه لديهم (عليهم السلام) إذ (وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)([8]) لكن الإمام (عليه السلام) علق الأمر علينا "فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ..." فهو قرينة قطعية على أن المراد مسائل العقائد خاصة، بل لو أريد العموم للمسائل الفقهية للزم طرح كافة أخبار الثقات التي يقوم عليها معظم الدين مما لا يمكن ان يلتزم به فقيه أصولي ولا إخباري ولا عالم ولا جاهل.
والحاصل: ان الالتزام بعموم هذه الروايات لمسائل الفقه يستلزم إسقاط الأعم الأغلب من الأحكام الشرعية وإهمالها، فلا شك انها خاصة بأصول الدين وما يتعلق بها. هذا. إضافة إلى اشكال معارضتها باخبار الحجية، وإلى ظهور انها خاصة بزمن يمكن فيه الرجوع إليهم (عليهم السلام) أي في ظرف انفتاح باب العلم نفسه فلاحظ قوله (عليه السلام) "وَإِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ، ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَكُمْ"
 
دعوى المرتضى تواتر أكثر أخبارنا، غير مجدية في المقام
 
لا يقال: ذهب السيد المرتضى إلى أن أغلب أخبارنا متواترة؟.
إذ يقال: أولاً: ان كانت متواترة في زمنه فهي ليست متواترة في الأزمنة اللاحقة، ولا يعقل أيضاً ردع([9]) الإمام عن العمل بها فيما لو لم نجد عليها شاهداً من كتاب الله، لاستلزامه إهمال أغلب أحكام الدين في هذا الزمن وأشباهه مع انه معظم الأزمنة.
ثانياً: بل ان الأخبار حتى وإن كانت لدى مثل السيد المرتضى متواترة لاجتماع الأصول لديه وتتبُّعه، لكنه لا شك في انها لم تكن متواترة لغالب من يسمع الأحكام من الرواة وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) بل من البديهي ان غالب الشيعة كانوا إذا سمعوا رواية من أحد الثقات كزرارة وحمران ويونس وحمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى وغيرهم، كانوا يعتمدون عليها ولا يُعلِّقون العمل عليها على التواتر ولا على الاستفاضة بل ولا على ضم رواية راوٍ آخر إلى الأول لتدخل في باب الشهادة. هذا.
لكن ما سبق كله وإن أفاد الحجية التنجيزية إلا انه لا يشكل جواباً عن إشكال ان الردع ممكن وهو مانع فعدمه شرط فليست من هذه الجهة تنجيزية وإن كانت من سائر الجهات تنجيزية، إلا بضميمة الجواب السابق أو الجواب اللاحق الآتي. فتأمل
 
وزان الحجج العقلية وزان حجية حاصل مجموع كلماتهم غير المحتاجة لإمضاء خاتمهم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
 
وهنا جواب آخر نقضي وحلي، وهو ان وِزان الحجج العقلية والفطرية وِزان كلام الرسول والأئمة في الحجية فكما أن كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (لولا قرينة الدأب السابقة) حجة تنجيزية غير معلقة على الإمضاء ولو بعدم الردع فكذا الحجج العقلية. وقد سبق ذلك ولكن أعدناه مقدمة للإضافة الآتية وهي:
انه يدل عليه انه لا شك ان كلمات المعصومين بعد الإحاطة بعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها... الخ حجة تنجيزية (فان الحجة التعليقية بسبب قرينة الدأب العامة هي خصوص كلام أحدهم (عليه السلام) قبل ملاحظة كلمات سائرهم حيث جرت عادتهم على تفكيك الإرادتين الجدية والاستعمالية) وحينئذٍ نقول: لا شك في ان للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) الردع عن حاصل كلماتهم حتى بعد ضم بعضها إلى بعض، والمراد بالردع: التخصيص والتقييد أو بيان النسخ أو كون بعضها قضية خارجية أو شبه ذلك فالمراد الردع عن إتباع ظاهر كلام الأئمة السابقين وعن دعوى تطابق ارادتيهم الجدية والاستعمالية، فإذا صح الاستدلال السابق على حاجة الحجج العقلية إلى الإمضاء ولو بعدم الردع بان للمعصوم الردع فالردع مانع فعدمه شرط، لزم أن يقال بانه حيث صح للإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) الردع فردعه مانع فعدمه شرط، وحيث لا يمكننا إحراز عدم ردعه إذ لا طريق لنا إليه فلا تكون كلمات المعصومين وأحاديثهم حجة مطلقاً (إذ لم يحرز شرطها لتكون حججاً تنجيزية) وهو مما لا يمكن الالتزام به أبداً.
ووجه دعوى انه لا طريق لنا إلى إحراز عدم ردعه بسكوته، هو اننا في زمن الغيبة و(عدمه منّا) فـ(اللطف) بهذا المعنى لا يعلم لزومه عليه إذ نحن السبب فلا يكتشف من سكوته الرضا والإمضاء، إلا أن يقال ان هذا متوقف على عدم قبول (اللطف) الذي عدّوه مدركاً لحجية الإجماع وإلا فإن المقام أولى منه أو مثله فمن لم يقبله فله ان لا يقبله ههنا دون من اذعن به هناك.
اما الحدس فلا طريق لنا إليه إذ يحتمل ان تكون هناك أحكام مخصصة أو مقيدة مودعة لديه كما يحتمل أن يكون المراد بـ(دين جديد) ذلك ونحن وإن لم نبنِ عليه لكن مجرد احتماله ينفي إيراث هذا الحدس القطع. فتأمل والله العالم، وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
 
قال الإمام علي (عليه السلام): "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"
الكافي: ج5 ص56.
.............................................
 
 

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2682
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23