• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 198- تتمة البحث السابق ـ اشكال وجواب: احتياج الحدّ في العقود وشبهها الى الامضاء لا الاصل، بل بعض الحدود غير محتاجة ايضاً .

198- تتمة البحث السابق ـ اشكال وجواب: احتياج الحدّ في العقود وشبهها الى الامضاء لا الاصل، بل بعض الحدود غير محتاجة ايضاً

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(198)


الجواب: فطرية الأصل يغنيه عن الحاجة للإمضاء والقيود هي المحتاجة


والجواب: ان كون أصلها ([1]) فطرياً دون حدها وشروطها وموانعها وكون أصلها من المستقلات العقلية دون حدها وشروطها وموانعها، وإن صحّ، لكنه يؤكد المدّعى ولا ينفيه؛ وذلك لأن المدّعى هو ان العقود ومنها العقود المستحدثة كعقد السرقفلية وكذا الحقوق إذا بنى عليها العقلاء بما هم عقلاء حيث كان منشؤها العقل أو الفطرة، لم تحتج إلى إمضاء من الشارع ولو بعدم الردع، فهذا هو مورد الكلام ومحل النقض والإبرام أما القيود والشروط والموانع فهي التي يلزم الرجوع إلى الشارع فيها لإحراز إمضائه لاشتراط أو عدمه ولو بعدم الردع.

بل بعض الشروط والقيود فطرية فلا تحتاج له


بل نقول: ان بعض الشروط والموانع هي أيضاً مما يبني العقلاء على كونها كذلك بما هم عقلاء فتعود للعقل أو الفطرة فلا تحتاج إلى إمضاء أيضاً، فيبقى ما لم يبنِ العقلاء عليه بما هم عقلاء سواء أسكتوا للحيرة في شأنه ام اختلفوا، فهذه خاصة هي التي تحتاج إلى الإمضاء.
 

أمثلة للشروط والموانع الفطرية


ويمكن التمثيل للشروط والقيود الفطرية والعقلية باشتراط كون البيع في ملك قالوا: (لا بيع إلا في ملك) وورد "لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ" ([2]) و(نهى النبي عن بيع ما ليس لك) سواء أكان المراد بـ(الملك) و(تملك) المملوك لك أم المراد ما تملك أمره الأعم مما لك سلطة على بيعه وإن لم تكن مالكاً له كمتولي الوقف المفوّض إليه بيع ثمراته (ثمرات البستان الموقوف مثلاً) لينفقه على الموقوف عليهم.
والحاصل: ان عدم صحة بيع الغاصب أو الفضولي في حد ذاته مما يبني عليه العقلاء بما هم عقلاء مما يعود مآلاً للفطرة أو العقل، فلا يحتاج مثل هذا القيد إلى السؤال من الشارع ولو بالتعويل على عدم الردع لكشف إمضائه، وأما صحته بالإجازة اللاحقة فبدليل خاص سواء أقلنا بالنقل أم بالكشف، على انه لو فرض كونه دخيلاً ولو بنحو العلة المعدة فلأنه بالإجازة ملكه بهذا الحدّ والمقدار فتدبر.
وكذلك اشتراط ان يكون البيع مثلاً لغاية عقلائية وفائدة فلو تجرد عنهما بالمرة كان باطلاً كما لو أراد بيع ما هو في غاية الخسة أو القلة كحبة رمل من أرضه أو دودة صغيرة أو ورقة شجرة يابسة ساقطة مع فرض عدم وجود غاية ومنفعة شخصية أو نوعية أبداً، فانه باطل بالفطرة والعقل بمعنى انه لا يعد بيعاً لدى العقلاء بما هم عقلاء.
 

نظائر المقام: فطرية الأصل دون الحد: خبر الثقة


ويتضح الجواب أكثر بملاحظة النظائر فان (خبر الثقة) حجة لبناء العقلاء عليه بما هم عقلاء والراجع إلى العقل والفطرة كما سبق وكما مر من تصريح الميرزا النائيني به، لكن فطرية أصله لا تستلزم فطرية حدّه وفطرية كافة أنواعه وشروطه فان بعض أنواعه لا تشهد به الفطرة أو العقل كحجية خبر الثقة في شؤون العقائد أو فيما لو كان الظن الشخصي على الخلاف أو لو عارضه خبر آخر  ([3]) لكن عدم فطرية الحد وبعض الأنواع يُحوِجها هي إلى الإمضاء دون الأصل الفطري حسب الفرض فأصل حجيته وبعض أنواعه بل بعض شروطه الفطرية غير محتاجة إلى الإمضاء.
 

واللطف والعدل والظلم


مثال آخر: (اللطف) فان أصله واجب مما يستقل به العقل ومما لا يحتاج إلى النقل، أما بعض حدوده وأنواعه فحيث لم تكن فطرية عقلية فانها بحاجة للنقل فلو دل عليها ثبتت وإلا فلا، وذلك كاللطف بكون الرسول بشراً لا ملائكة أو مخلوقاً آخر فان العقل لا يستقل به، وكذا اللطف بكونه رجلاً لا امرأة مثلاً، أو اللطف بالفترة بين الرسل وعدمها، أو اللطف بالهداية بمعنى الإيصال المطلوب لا إراءة الطريق؛ فان الأخير مما يستقل العقل بكونه لطفاً واجباً ولا يستقل بوجوب ما قبله.
والحاصل: ان اللطف بمعنى المقرِّب للطاعة، أصله واجب ولا يحتاج الإذعان به أو صحته إلى ضميمة النقل، اما بعض أنواعه وحدوده فمحتاجة.

 

بل وكذلك العدل والظلم فان وجوب العدل وحرمة الظلم من المستقلات العقلية دون كثير من المصاديق إذ يجري البحث فيها انها ظلم أو عدل أو لا شيء منهما بناء على انهما ضدان لهما ثالث، مما يحتاج إلى استرشاد من الشارع  ([4]) وللبحث تتمة تأتي غداً بإذن الله تعالى.

بناء العقلاء الفعلي وبناؤهم التقديري


ثم ان بناء العقلاء على قسمين:
الأول: البناء الفعلي، وهذا هو المعهود بين الأعلام المبحوث عنه في الأصول وهو الذي سبق انه إذا كان من العقلاء بما هم عقلاء كشف عن كون منشئه العقل أو الفطرة.
الثاني: البناء التقديري، وذلك فيما لو لم تجرِ سيرتهم على أمر ولم يبنوا عليه للغفلة عنه لا للبناء منهم على العدم، ولكنه كان بحيث لو أُلفتوا إليه لالتفتوا فلو فرض كذلك، أي انهم لو الفتوا إليه لبنوا عليه بما هم عقلاء، كان حجة كذلك من غير حاجة إلى إمضاء لنفس النكتة في حجية البناء الفعلي وهي عودته لحكم العقل أو شهادة الفطرة والوجدان، ولعل السرقفلية منه؛ إذ السرقفلية لم تكن موجودة سابقاً في القرون الماضية بالمرة أو كانت موجودة نادراً أو قليلاً كما ان أكثر العقلاء في الأرياف والبراري والصحاري والغابات بل والمدن قد لا يعرفوها فكيف يدعى بناء العقلاء عليها؟ فالمصحح هو دعوى البناء التقديري، فلو تم ذلك كان ذلك دليلاً آخر على حجيتها دون حاجة إلى إمضاء، نعم قد يكون إثباته  ([5]) في بعض الصغريات مما دونه خرط القتاد، فتأمل وتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

======================


قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأُمِرَتْ جَوَارِحُهُ أَنْ تَسْتُرَ عَلَيْهِ وَبِقَاعُ الْأَرْضِ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيْهِ وَنَسِيَتِ الْحَفَظَةُ مَا كَانَتْ كَتَبَتْ عَلَيْهِ" وسائل الشيعة: ج16 ص74.

.............................................................................

 

([1]) الحيازة والاستصناع والعقود والحقوق والشروط مطلقاً أو ما ثبت كونه منها كذلك.
([2]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام) - قم، 1405هـ، ج2 ص247.
([3]) للخلاف في التخيير بينهما أو التساقط فليست حجية حينئذٍ فطرية.
([4]) كعدم كون الزلزلة ظلماً ولا خلق الجنين مشوهاً أو شبه ذلك؛ إذ لا يستقل العقل بحال الصغرى بما هي هي، نعم حيث علم بان الله عادل حتماً علم بان فعله لا بد أن يكون لحكمة تخرجه عن كونه ظلماً وان توهمناه في بادئ النظر ظلماً ككون تشوهه من أفعال أحد الأبوين (كأكل الحرام أو شرب الحرام أو غير ذلك) أو ككونه لدفع بلية أعظم كانت ستنزل عليه، على ان التعويض في الآخرة أو الدنيا بما يرجح عليه بما لا حساب له، يخرجه إلى العدل، وعلى أي فبحثه موكل لمظانه.
([5]) البناء التقديري.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2696
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 19 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19