• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 5- الاستدلال باية ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) وجه الاستدلال أ) الفحوى ب)التعليل في (ليضل) .

5- الاستدلال باية ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ) وجه الاستدلال أ) الفحوى ب)التعليل في (ليضل)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كان البحث حول مسألة حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد وكل باب يضعف ويوهن الحق, او كان فيه وجه من وجوه الفساد فيشمل جميع انواع التقلب فيها أي: التقلب في مسببات الفساد , هذا هو العنوان العام الذي ينبغي ان يدور البحث حوله لنرى مدى دلالة الادلة عليه..
الادلة على حرمة حفظ كتب الضلال :بعد ان تم الكلام في تنقيح الموضوع , نذكر الان الادلة التي يمكن ان يستدل بها على حرمة حفظ كتب الضلال ,
ونذكر اولا ادلة الشيخ الانصاري ثم نضيف اليها ادلة صاحب الجواهر وغيرها, ونبدأ بالايات كريمة :
الآية الاولى : وهي قوله تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً)
والشيخ الانصاري استدل بالذم المستفاد من الاية على الحرمة
وايضا فانه قد استدل بآية ثانية على الحرمة وهي:)َاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(
كما أن كلا من الشيخ وصاحب الجواهر سار سريعا في استدلاله بالأدلة الدالة على حرمة حفظ كتب الضلال فلم يتوقفا عند فقه الآية الشريفة، وقد اعتمد كلاهما على الآيتين المزبورتين,
تحقيق الحال في الدليلين والآيتين :ونقول في مقام تحقيق الحال للاستدلال بهذه الآيتين: ان ذلك يتوقف على بيان مطالب ومباحث اربعة :
المبحث الاول:هل ان الذم هو دليل الحرمة ام انه يدل على الاعم من ذلك فيشمل الكراهة ؟فان فعل المكروه يوجب الذم كذلك , بل في بعض الاحيا ن يستحق فاعله اللعن ,وما الدليل على أن الذم هو ذم بالمعنى الاخص ؟ ولتحصيل المراد لابد من اثبات ان الذم في المقام هو الذم بالمعنى الاخص والدال على الحرمة .
المبحث الثاني والثالث :وهنا وفي هذين المبحثين نتوقف عند عدة كلمات :واولها انا نتوقف عند كلمة( يشتري) ونحللها- وهو المبحث الثاني - ثم نتوقف عند كلمة (لهو الحديث) – وهو المبحث الثالث- ونحللها كذلك .
توضيح ذلك:ولتوضيح ذلك نقول : هل ان المراد من يشتري هو ظاهر اللفظ ؟ ولو كان الامر كذلك فان الاية لا تكون دليلا على حرمة حفظ كتب الضلال -والذي هو مقصود الشيخ من ايرادها- لانها تتحدث الاشتراء لا الحفظ.
اذن : في البحث الثاني نسأل :ماهو الدليل على تعميم (يشتري) للحفظ وغيره من انواع التقلبات كالهبة والصلح والاجارة وكإيجاد كتب الضلال , فان الاية تتحدث عن الاشتراء فقط .فاذا لم نجد دليلاً على التعميم فان الاية ستبقى ضيقة الدلالة لتدل على حرمة الشراء فقط.
واما المبحث الثالث : ( لهو الحديث ) فانه لابد من تحليل كلمة ( لهو) و كلمة (الحديث) ونرى هل هي عامة - كما يدعون وندعي - اولا ؟
توضيحه : ان اللهو المذكور في الاية الشريفة لو اريد منه المعنى العرفي فانه لايشمل الكتب الالحادية الضالة والمضلة الجادة في مقالتها , ولذا ينبغي ان نقيم الدليل على ان كلمة (لهو الحديث )يراد منها الاعم من المعنى العرفي ,أي : يراد منها كل ما يلهي عن ذكر الله ويصد عن سبيله,
كما انه لابد لنا من البحث عن دليل تعميم (الحديث) وان المراد منه هو الاعم من اللفظ والكتابة وغيرهما.
المبحث الرابع :وهذا المبحث هو في كلمة ( ليضل ) فهل اللام فيها هي لام العاقبة او لام التعليل ؟ وهل الكلمة تقرا بالضم من باب الافعال، كما هي القراءة المشهورة او الكسر بالنسبة لحرف الياء من الثلاثي المجرد، كما عليه عدد من القراء؟ هذا هو تقديم اجمالي للبحوث التي لابد من السير فيها لتحصيل المطلوب واليك البحوث تفصيلا : المبحث الاول : ان هذا البحث امره هين , وكان من الاولى في تصورنا على الشيخ في مقام استدلاله ان لايعتمد على (الذم المستفاد من الاية) ,لان ذلك يحتاج الى مقدمة استدلالية لابد منها وهي إثبات ان الذم الوارد في الاية هوالذم الدال على الحرمة لا الاعم بل كان الاولى الاستدلال بالدليل القطعي الموجود في الاية والدال على الحرمة وهو ترتيب العذاب المهين على اشتراء لهو الحديث فان الاية صريحة في هذا الترتب المفيد للحرمة قطعاً بل هي دالة على كون ذلك أي: اشتراء لهو الحديث، كبيرة من الكبائر وذلك ان احدى المقاييس التي ذكرت في روايات اهل البيت ع لتحديد الكبيرة هو ما اوعد الله عليه النار والمقام صغرى لذلك .
المبحث الثاني: وهو البحث في كلمة( اشتراء) وفي كيفية التعميم إذ قد يُسأل عن أنه: كيف ان الشيخ وصاحب الجواهر وصاحب العروة في حاشيته على المكاسب عمموا الاستدلال بالآية لتشمل حفظ كتب الضلال مع أن الآية خاصة بـاشتراء كتب الضلال فقط ؟ وجوابه:ان المتتبع لكتب الاعلام يجد ثلاث وجوه لذلك التعميم :الوجه الاول :وهو ماذكره المحقق اليزدي في حاشيته على المكاسب فانه يقول :ان الوجه في التعميم هو الفحوى أي تنقيح المناط وإن ترقى بعد ذلكقال: (الظاهر ان غرضه (أي الشيخ) الاستدلال بفحوى الآيتين) من خلال الملاك المساوي او الاولوي.
اشكال فقه الصادق ع على التعميم :وقد اشكل صاحب فقه الصادق(ع) على الاستدلال يالفحوى والتعميم حيث يقول :
(انه لا ملازمة بين حرمة الحدوث وحرمة البقاء) أي: انه لا ملازمة بين حرمة ايجاد شيئ وبين حرمة ابقائه فاشتراء كتب الضلال حرام بحسب الاية ولكن ابقاؤها أمر آخر لا دليل على حرمته. توضيح كلامه :ومما يوضح كلامه ما افتى به بعض الاعلام من حرمة الترياك ابتداء وحدوثا لابقاءا وفي مقام تعليقنا على ذلك نقول :الظاهر تمامية ما قاله صاحب فقه الصادق (ع) فان تنقيح المناط في المقام ظني لان ملاكات الشارع ليست بايدينا, فما ادرانا بملاك تحريم الاشتراء لنعممه إلى الحفظ والإبقاء؟إن نظن بذلك إلا ظناً ولا نعلم الملاك لنخرج بالعلم عند (القياس).
والمتصوَّر ان كثيرا من تنقيحات المناط ما هي الا قياس وهو لايجوز عندنا, نعم لو قطع الفقيه بالمناط فلا نقاش معه الا ان نزحزح قطعه .
اضافة توضيحية : ونذكر الان اضافة توضيحية لكلام المحقق اليزدي ,فان تنقيح المناط لو سلمنا به فانه سيفيدنا في تعميم الاشتراء لسائر المعامات من الصلح والاجارة والشركة وغيرها وكذلك سيفيدنا في التعميم للحفظ والايجاد . الوجه الثاني :واما الوجه الثاني للتعميم :فهو ماذكره صاحب ايصال الطالب تعليلا لكلام الشيخ : حيث انه استند الى عموم التعليل في الاية وليس الى خصوص لفظ (اشترى) قال (فإن الذم إنما هو لأجل انتهاء الاشتراء الى الاضلال، وهذه العلة موجودة في حفظ كتب الضلال) توضيحه: إن اللام في ( ليضل ) هي لام التعليل فقد حرم اشتراء لهو الحديث لأنه يضل الناس عن سبيل الله فيكون مطلق الاضلال عن سبيل الله حرام سواءً كان اشتراءً أم ايجادا أم حفظا أو غيره ,ولو تم هذا الوجه لاصبحت الدائرة وسيعة فان الدليل سيشمل الضلال والاضلال بالكتاب والقرص الليزري ومسجد الضرار والمدرسة والمقبرة إذا كانت للاضلال وغيرها.
تعليقنا على كلام صاحب الايصال :وتحقيق المقام يستدعي البحث عن:وجوه الأحكام التي ذكرتها الايات والروايات مثل )لِيُضِلَّ( و)وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي( إذ يوجد مسلكان : المسلك الاول :وهو ما ذهب اليه قوم من أن الاصل في الوجوه التي ذكرت هو التعليل وانها علة تدور الاحكام مدارها وجوداً وعدما وماخرج من ذلك فهو بالدليل وعلى ذلك بناء العقلاء – كتوضيح لكلام القوم – فان بناؤهم هو على انه لو ذكر وجه التشريع من قبل المولى او الحكومة فهو العلة لذلك التشريع, ولو قلنا بذلك فان استدلال صاحب الايصال تام من غير حاجة لمؤونة
ولكن لو لم نقل بذلك – وهو كذلك –حيث اننا نتصور ان الاصل الثانوي في كل التعليلات الواردة من الشارع الا النادر هي انها حكم وان كان الاصل في التعليلات العقلائية هي انها علل والذي يدلنا على الاصل الثانوي المذكور هو الاستقراء شبه التام لدينا حول ذلك ,فكل ماذكر من علة مدعاة- الا النادر - هي حكمة ولذلك لا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما ,وهذا بحث موضوعي يترك لمحله، لكن نشير للمعنى إشارة إليه فإن (العدة) استبراءاً للرحم مثال على ذلك، كما أن (لا تشرب الخمر لانه مسكر) فان الاسكار ليست علة , فان هناك روايات تحرم الخمر بعنوانه وروايات اخرى تحرم المسكر بعنوانه, ولذا فان قطرة الخمر يحرم شربها وان لم تؤدي الى الاسكار وذلك لانطباق عنوان الخمرية عليها لا لأنها مسكرة.
وكذلك ) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ( فان الحج لا يسقط عن من لم يشهد هذه المنافع الاجتماعية او الاقتصادية او الروحية
وكذلك )وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي( فان الصلاة لو لم تكن مذكرة بالله اطلاقا وكان المصلي شارد الذهن ابدا مثلاً فان وجوب الصلاة لا يسقط عنه البتة، وفي هذه الموارد وغيرها وجدنا ان الاحكام لا تدور مدار التعليلات، ولو قلنا بذلك فان التمسك عندئذ بهذه الاية الشريفة للتعميم استناداً إلى عموم التعليل، سيكون مشكلاً.
المخرج من ذلك:فلا بد من البحث عن مخرج لذلك وسيأتي بإذن الله وسنوضح أن حال هذه الاية هو حال النبأ في التعميم، ببيان آخر.
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين...


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=27
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 28 شوال 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23