• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التعارض - التعادل والترجيح (1437-1438هـ) .
              • الموضوع : 248- حكومة (جعلته حاكماً) للناظرية او للتنزيل او للزوم اللغوية لولا المحكوم؟ ـ نسبة ادلة الولاية بناء على صانعيتها للواقع، الى ادلة السلطنة ـ بحث عن ان باب التزاحم اجنبي عن التخصيص والحكومة وغيرها .

248- حكومة (جعلته حاكماً) للناظرية او للتنزيل او للزوم اللغوية لولا المحكوم؟ ـ نسبة ادلة الولاية بناء على صانعيتها للواقع، الى ادلة السلطنة ـ بحث عن ان باب التزاحم اجنبي عن التخصيص والحكومة وغيرها

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التعارض: (التعادل والترجيح وغيرهما)
(
248)


2- الحكومة ومحتملاتها


سبق (وفيه: ان مقتضى القاعدة التفصيل بين ما لو كانت السلطنة شرعية أي مكتسبة من الشارع بجعله لها بما هو مشرِّع، وبين ما لو كانت غير مجعولة للشارع بان كانت عقلائية أو فطرية أو عرفية، فعلى الأول فالورود؛ إذ انه بقوله (جعلته حاكماً) أزال حقيقةً السلطنة التي منحها للناس تشريعاً، وعلى الثاني فالحكومة؛ إذ انه لم يُزِلها حقيقةً حيث لم يكن الجاعل لها بل انه نزّلها منزلة العدم أو لأنه ناظر وإن لم نقل بالتنزيل فهو حاكم إذاً، وللبحث صلة)([1]).
 

تطبيق ملاكات الحكومة على المقام([2])


والتحقيق: ان الحكومة اما بملاك النظر والشرح الفعلي أو الأعم، واما بملاك التنزيل، واما بملاك لزوم اللغوية لولا المحكوم([3]).
 

الحكومة بملاك النظر


والأول كما مضى؛ فان الظاهر ان النظر فعلي إلى المرتكز في النفوس من سلطة الناس على أنفسهم وأما بالنسبة إلى خصوص "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" فقد يقال بانه شأني، فتدبر.
 

الحكومة التنزيلية


واما الثاني([4]) فالظاهر انه لا تنزيل في مثل "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً"([5]) بل هو مجرد جعلٍ لحكومته وسلطنته وذلك كجعل الوصي أو المتولي على الوقف، غاية الأمر انه قد([6]) يستلزمه.
والحاصل: أنّ الجعل أعم من التنزيل وأنّ التنزيل بحاجة إلى لحاظٍ خاص وعنايةٍ مخصوصة وليس كل جعلٍ كذلك، وذلك لأن التنزيل يستدعي منزّلاً ومنزّلاً عليه كتنزيل الطواف منزلة الصلاة، وفي الحكومة جعله حاكماً لا انه نزّله منزلة أمرٍ أو شخصٍ آخر، نعم يمكن ان يجعل كذلك بان يقول (نزّلته منزلتي) لكن لسان "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" ليس كذلك.
وبعبارة أخرى: يفيد "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" جعل حكومته مهيمنة على حكومة الناس على أنفسهم والهيمنة غير التنزيل، ويوضحه ان الخاص متقدم على العام بالاظهرية لا بالتنزيل إذ لا ينزل ظهور هذا منزلة ذاك ولا انه ينزِّل ظهوره منزلة العدم فانه في المنفصل يكون الظهور في الإرادة الاستعمالية قد انعقد فيفيد بأصالة التطابق بين الإرادتين انه مراد واقعاً فيأتي الخاص ليحكم على هذا الظهور فيفيد انه غير مراد، فهنا ظهوران: أحدهما أضعف والآخر أقوى وقد حكم الأقوى على الأضعف وتغلّب عليه لا انه أعدمه كما([7]) في المطلق والمقيد حيث يتوقف الظهور في مرحلة المقتضي على عدم وجود قرينة على الخلاف، بل على فرض انه اعدمه – كما في المطلق – فانه اعدام حقيقي لا تنزيلي. واما في المتصل فانه لا ينعقد للعام ظهور في مرحلة العلة المحدثة فيكون من قبيل ضيّق فم الركية، لا انه كان موجوداً فنزله منزلة العدم فهو إعدام حقيقي ويدخل في باب (التخريج). فتأمل
 

الحكومة بملاك لزوم اللغوية لولا المحكوم


واما الثالث([8]) فانها لو عُدت ملاك الحكومة أو قيدها كما لعله ظاهر بعض كلمات الشيخ، فان الحكومة غير منطبقة على المقام لعدم لزوم لغوية "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" مع فرض عدم وجود "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" فانه حتى لو فرض عدم صدور قاعدة السلطنة فان لتشريع حاكمية الفقيه أو الولي وجعلها وجهاً وجيهاً وهو انه حيث لا ولاية لأحد على أحد فتحتاج ولايته على الناس أو الطفل إلى دليل كرواية (حاكماً).
والحاصل: انه لو لم يوجد دليل على سلطنة الناس على أنفسهم فلا يلغو جعلُ حاكمٍ عليهم إذ ان الأصل هو عدم حكومة غيرهم عليهم أيضاً.
 

تقدم دليل الولاية على دليل السلطنة بالتخريج


واما (التخريج): وهو (ان يزيل أحد الدليلين موضوع الدليل الآخر حقيقة، تكويناً) أي لا تعبداً فانه لا مجال له في نسبة "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" إلى "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ"([9]) إذ انه حتى لو فرض انه أزاله حقيقة – بناء على ان السلطنة شرعية كما سبق – فانها([10]) ليست تكويناً بل بعناية التعبد وهو أدلة حجية خبر الثقة الراوي لرواية "فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" وأدلة حجية الظواهر وغيرها.
 

نسبة أدلة الولاية إلى دليل السلطنة، بناء على ان حكم الفقيه صانع للواقع


هذا كله على مبنى ان حكم الفقيه يجب استناده إلى مصالح ومفاسد واقعية في المتعلَّقات وانه لو علم خطؤه أو خطأ مستنده لَمَا نفذ، واما على المبنى الآخر من تقسيم الحكم إلى الحكم الكاشف وإلى الحكم الصانع للواقع بل وكذلك على تصوير أمر مقاربٍ له وهو ما لو لم تشترط في ولاية الأب أو الحاكم المصلحة والغبطة بل قلنا بكفاية عدم المفسدة، فان حكمه وإن لم يكن لأجل مصلحةٍ نافذٌ، وعليه: فلو علم المكلف أو المولَّى عليه انه لا مصلحة في حكم وليه (شرط ان لا يعلم بالمفسدة) فانه نافذ عليه إذ لم يستمد ولايته من المصلحة الواقعية في المتعلق ولم تكن مشروطة به، فنقول:
 

هل أدلة الولاية خارجة تخصصاً عن أدلة السلطنة؟


قد يقال بان الولاية، بناء على الحكم الصانع للواقع، خارجة عن أدلة "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" بالتخصّص؛ وذلك لأن ملاكها ليس الكشف عن الواقع بل هي صانعة للواقع فهي واقع إلى جوار واقع فهي خارجة تخصصاً.
لكن الحق: ان الخروج بالتخصيص أو الحكومة أو التخصص – القسيم لهما، لا الثبوتي منه – تابع للسان الأدلة، وليس مرتهناً بالملاك والواقع.
 

خروج باب التزاحم موضوعاً عن أبواب الحكومة والتخصيص وغيرها


ويتضح ذلك ببيان حال باب التزاحم وتقدم الأهم على المهم وان تقدمه عليه هل بالتخصيص أو الحكومة أو قسائمها أو لا بشيء منها، فنقول:
 

فرق عالم الملاكات عن عالم الأدلة


هنالك عالمان: عالم الملاكات وعالم الأدلة، ومباحث التخصيص والحكومة وأخواتها خاصة بعالم الأدلة دون عالم الملاكات؛ إذ في عالم الأدلة يبحث عن إزالة أحد الدليلين موضوع الدليل الآخر حقيقةً بعناية التعبد فهو ورود، أو عن خروج موضوع أحد الدليلين عن الآخر فهو تخصص، أو عن تقدم الأظهر على الظاهر فهو جمع عرفي أو تخصيص أو حكومة([11]) حيث دل الأقوى على عدم تطابق الإرادتين الجدية والاستعمالية في الأضعف.
أما في عالم الملاكات فلو تساوت فالتخيير أو كان احدهما أقوى فهو المتقدم (إذا كان الملاك علة لا حكمة) ولا معنى للحكومة المصطلحة أو التخصيص أو غيرهما حينئذٍ فانها من عالم الإثبات، والملاكات وتزاحمها من عالم الثبوت.
وبعبارة أخرى: الأهم يتقدم على المهم لكونه أهم لا لكونه أخص أو حاكماً أو وارداً، نعم إذا ترقّى من عالم الثبوت إلى صياغته بلسان الأدلة كان الدليل المشتمل على الأهم مخصصاً إن كان أخص مطلقاً أو حاكماً إن كان ناظراً وإن كانت النسبة بينهما من وجه.. وهكذا.
بعبارة أخرى: الأهم مقيد لموضوع المهم ثبوتاً ففي تزاحم مثل اكرام العالم وإهانة الفاسق لو فرض ان ملاك الفاسق أهم، كان الواقع هو ان موضوع الإكرام هو العالم العادل فقط فانه لا إطلاق في عالم الثبوت والملاكات، نعم لو صاغه المولى بقالب لفظ عام فقال (أكرم العلماء) وقال (لا تكرم فساق العلماء) كان (فساقهم) أخص مطلقاً ولو قال (لا تكرم الفساق) كان معه من وجه فإذا أريد تقديمه كان لابد من النظر والحكومة وإلا فيتعارضان، والحاصل: ان كل ملاكٍ بقيوده هو تمام الموضوع للحكم الثابت له واقعاً، فلو فَقَد قيداً لما عمّه كي يكون الملاك الآخر مخصصاً أومقيداً أو حاكماً أو محكوماً، بل كان مزاحماً دافعاً.
فظهر بذلك ان باب التزاحم أجنبي، بما هو هو، عن أبواب الحكومة والتخصيص وغيرها إذ الأخيرة من دائرة باب التعارض غير المستقر والتزاحم قسيم للتعارض، وقد سبق ذلك.
وبذلك كله ظهر ان حكم الفقيه لو فرض انه صانع للواقع فانه يندرج في باب التزاحم بين ملاك الواقع وملاك حكم الفقيه فانه مشابه للمصلحة السلوكية، فيتقدم لأنه الأهم – فرضاً – لا لأنه مخصص أو حاكم، نعم حيث صيغ بلسان دليل كـ"فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً" جرى البحث عن انه حاكم أو غيره. فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================


قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى سِلَاحٍ يُنْجِيكُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَيُدِرُّ أَرْزَاقَكُمْ، قَالُوا بَلَى: قَالَ تَدْعُونَ رَبَّكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنَّ سِلَاحَ الْمُؤْمِنِ الدُّعَاءُ" الكافي: ج2 ص468.

.........................................................................

 

([1]) الدرس (247).
([2]) وهو حكومة أدلة الولاية على دليل السلطنة.
([3]) وهذا مع قطع النظر عن سائر المباني السبعة المذكورة في الدرس (131) وغيره وقد مضت إشارات وستأتي أخرى تنفع في توضيح حالها، على ان استخراجها ليس بالصعب على من تدبر في المباحث جيداً.
([4]) وهو التنزيل.
([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، عدد الأجزاء: 8، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص67.
([6]) يلاحظ قولنا (قد).
([7]) تمثيل لإعدامه.
([8]) وهو لزوم اللغوية لولاه.
([9]) ابن أبي جمهور الاحسائي، دار سيد الشهداء (عليه السلام) - قم، 1405هـ، ج1 ص222.
([10]) أي الإزالة.
([11]) الأخيران من مصاديق الجمع العرفي بالمعنى الأعم وقسيم له بمعناه الأخص كما سيأتي في مباحث الجمع العرفي في السنة القادمة بإذن الله تعالى.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2702
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 24 شعبان 1438هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28