• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 15- ملاك الوجوب المولوي والإرشادي في عالم الثبوت .

15- ملاك الوجوب المولوي والإرشادي في عالم الثبوت

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
تقدم الكلام في الوجوبات الأربعة وملاكاتها، وتقدم ذكر مجموعة من الثمرات لتشريع الوجوب الشرعي بعد ثبوت الوجوب العقلي والفطري، وما تقدم كان في عالم الثبوت والواقع، أما إثباتا فكيف نميز أن حكم العقل هذا مولوي أو أنه إرشادي لحكم العقل أو الفطرة وما هو المائز؟ 
والجواب بايجاز: 
إن الملاك في عالم الأثبات هو ظواهر الألفاظ من غير وجود قرينة صارفة، بدعوى أن بناء العقلاء على أن الأوامر والنواهي العامة والمطلقة وما شابه إذا صدرت من المولى فالأصل فيها المولوية، كما أنها ظاهرة في العموم أو الاطلاق، فالعلماء ظاهر في العموم والعالم ظاهر في الاطلاق وأما (أكرم) فله ظهوران فإنه ظاهر في الوجوب كما أنه ظاهر في المولوية. 
إلا أن بعض الأعلام وإن إلتزم بظهور الأوامر والنواهي في المولوية، لكنه استثنى من منه صورتين: 
1) المستقلات العقلية، بدعوى أن الأوامر الشرعية في مواطن المستقلات العقلية ليست مولوية وتحمل على الإرشادية لأحد محاذير أربعة إما الدور أو التسلسل أو تحصيل الحاصل أو اللغوية، وقد تقدم الجواب عنها. 
2) ما إذا ذكر التعليل في الحكم الشرعي فكلما ذكر التعليل في لسان الدليل، فإنه يصرف الظاهر عن ظهوره في المولوية إلى الإرشادية، لأن التعليل يناسب مقام الناصح أما المولى فلا يحتاج إلى ذكر العلة بل يجب أن يطاع بلا تعليل، وممن ذكر ذلك السيد الحكيم في المستمسك. 
لكن الحق: إن ذلك غير تام إذ: 
أولاً: لا اطلاق لكون التعليل صارفاً لظهور اللفظ عن المولوية، وإلا لزم اسقاط أكثر الأوامر والنواهي المولوية (إن لم نقل جميعها) عن مولويتها إذ لا يوجد أمر أو نهي في القرآن إلا وله تعليل سابق أو لاحق أو مقارن فمثلاً قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت) أمر مولوي بلا خلاف وقد تبعه التعليل بـ(ليشهدوا منافع لهم) فعلى ذلك المبنى فإن هذا التعليل صارف لأمر الحج عن المولوية، مع أن الأمر بالحج مولوي بلا كلام. 
وكذلك قوله تعالى (واقم الصلاة لذكري) فإن (لذكري) تعليل وكذا التعليل بـ(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وكذا الحال في الروايات المعللة، مثل (لتأمرن بالمعروف ....وإلا ليسلطن الله عليكم شراركم) وهذا تعليل بضرر دنيوي (ثم تدعون فلا يستجاب لكم) وهذا تعليل بضرر دنيوي وأخروي، نعم النقض خاص بالتعليلات المتصلة لو كان المدعى أن التعليل بالمتصل صارف دون التعليل بالمنفصل. 
لا يقال: إنا علمنا مولويتها من الخارج كالحج والصلاة؟ 
فإنا نقول: إن هذه الأوامر تفيد المولوية بنفسها حسب الظاهر فإن قوله تعالى (لله على الناس حج البيت) يفيد المولوية بنفسه من غير حاجة إلى دليل خارج، ولا يرى العرف إخلال التعليل بـ(ليشهدوا منافع) بالمولوية بل يرون ذكره لمزيد الفائدة والتحريض. 
وثانياً: لا تدافع بين مقام المولوية ومقام التعليل، بل هناك تعاضد بينهما، بل تكامل أيضاً بل هو مقتضى الحكمة فإن المولى لكونه رحيماً بالمؤمنين شفيقاً عليهم (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ولمقتضى قاعدة اللطف ولغيرها، يشفع الأمر بذكر العلة وذلك لكي يقرب العبد للطاعة، فإن بعض النفوس لا تنبعث بمجرد الأمر أو النهي بل يكون التعليل هو الباعث لها أو المقوّي للباعثية ولذا نجد أن قوله عليه السلام (اجلس في المسجد) ظاهر في المولوية وإن علّله بـ(فإني أحب أن يرى مثلك) ولا يرى العرف التعليل مخلاً بالظهور في المولوية، وكذلك لو ذكرت علة تتعلق بالمخاطب كقوله تعالى (فلو لا نفر من كل فرقة طائفة) حيث ذكرت الآية علة تتعلق بالمخاطب (لعلهم يحذرون) فإن هذه العلة لا تصرف ظهور الآية في وجوب حذرهم أو وجوب تحذيرهم. 
اللهم إلا أن يقال: إن المولى تارة يكون له كلا المقامين (المولوي والناصح) وتارة يكون له أحد المقامين فقط، فإذا كان له مقام النصح والإرشاد فقط كالطبيب فلا يمكن توهم المولوية، أما لو اجتمع فيه كلا المقامين فقد يقال بعدم الظهور في المولوية لاحتمال إعماله كلاً من المقامين وذلك كما لو كان الطبيب هو المولى، هذا كبرى. 
وأما الصغرى: فلا ريب أن لله عزوجل وللمعصومين عليهم السلام كلا المقامين قال تعالى: (قل إنما أعظم بواحدة) و(أنصح لكم) و(أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) بناء على كون كلمة ناصح يراد منها الواعظ ، لكن قد يقال: الظاهر فيمن كان له مقامان، وكان متعلَّق أمره ونهيه، صالحاً للمولوية والإرشادية معاً، بأن اجتمع فيه كلا الملاكين ؛ فإن الأصل فيه إعمال كلا المقامين، لكونه مقتضى الحكمة؛ إذ لا وجه لعدم لحاظ مصلحة الآخر أو إعمال المقام الآخر رغم وجوده وفائدته، وقد يشهد له الاستقراء المعلل. 
وبناءً على هذا فإن (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) ظاهر في المولوية من غير نفي للإرشادية، بل حيث لا مانعة جمع فالأصل إعمال كلا المقامين والأمر كذلك حتى في مثل (يحل لهم الطيبات) وإن كان الموضوع دنيوياً، ذا مصلحة دنيوية فإنه لا ينفي كون الأصل حتى في مثله المولوية، إذ فصلنا في محله أنه ليس الضابط في المولوي والإرشادي أن ما كان لمصلحة الدنيا فإرشادي، وما كان لمصلحة الآخرة فمولوي كما أن هذه الآية من مصاديق ما ذكر من أن (طيب) هو المقتضي للحلية لا تمام الملاك للحلية فتظهر فائدة أخرى من فوائد تشريع الحلية ههنا. 
(ويضع عنهم إصرهم) وفي (يضع) احتمالان: 
الأول: الوضع التكويني. 
الثاني: الوضع التشريعي أي يضع تشريعاً عنهم إصرهم، فإنه كما للمولى بما هو مولى أن (يضع عليهم) الأحكام التكليفية والوضعية، له (أن يضع عنهم) الأحكام، ويمكن أن يقال بإرادة الأعم من الوضع التكويني والتشريعي، من غير لزوم محذور استعمال اللفظ في أكثر من معنى، كما بيناه في محله. 
والحاصل: إن أصل الكلام مبني على وجود تضاد بين المولوية والارشادية، لكن بناء على ما ذهبنا إليه من أنه لا تضاد بل هما متوافقان وأن الأمر الإلهي فيه كلا الجانبين المولوي والإرشادي، فلاحاجة إلى البحث الإثباتي لأنه مبني على التضاد بين المقامين الناشيء من المبنى في الضابط في المولوي وأنه (ما لوحظت فيه مصلحة الآخرة بشرط لا) والإرشادي هو (ما لوحظت فيه مصلحة الدنيا بشرط لا) وعلى هذا يوجد تضاد بين المقامين، أما إذا قلنا لا (المولوي) يعني ما لوحظ فيه مصلحة الآخرة بشرط لا ولا (الارشادي) يعني ما لوحظ فيه مصلحة الدنيا بشرط لا، بل أسقطنا قيد (بشرط لا) من كلا التعريفين، فلا تضاد إذ قد تلاحظ المصلحتان معاً، نعم قد يفرق بالمصبّ، والمرجع الاستظهار العرفي، وكذا لو قلنا (إن المولوي هو ما صدر من المولى بما هو مولى معملاً مقام مولويته) والإرشادي (ما صدر من المولى غير معمل مقام مولويته ) وفيه تأمل من وجوه. 
وتحقيق الكلام في المقام وعلى حسب المباني التسعة في الفارق بين المولوي والإرشادي يترك لمظانه. 
ويأتي الكلام في الوجوب العقلائي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=275
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 6 ذي القعدة 1432هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23