بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في مقدمية الاجتهاد والتقليد بالنسبة للعمل، وأن وجوب المقدمة هل هو شرعي أم عقلي؟
ثمرات الإلتزام بالوجوب الغيري الشرعي للاجتهاد والتقليد
لكن ما هي الثمرات المترتبة على الإلتزام بالوجوب الشرعي (النفسي أو الغيري) للاجتهاد والتقليد؟
والجواب: إن الثمرات متعددة فيما لو إلتزمنا بالوجوب الغيري الشرعي المقدمي للاجتهاد والتقليد:
الثمرة الأولى: فسق تارك الاجتهاد والتقليد
الأولى: الحكم بحصول الفسق لتارك الاجتهاد أو التقليد، بل ثبوت الفسق لتارك تعلم كل مسألة مسألة، لأنها واجبات استقلالية وليست ارتباطية فلا يتوقف إثبات فسقه على أن يترك الاجتهاد والتقليد رأساً، نعم فسق تارك التعلم موقوف على عدم تحرّيه للاحتياط لأنه طريق آخر مبرئ للذمة وبشرط الاصرار، لأن فاعل الصغيرة لا يكون فاسقاً إلا مع الاصرار (بناءً على القول بأن العدالة ملكة كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري، أما بناءً على القول بأنها الاستقامة على جادة الشريعة فلا حاجة لهذا القيد ) إذن لو ترك تعلم حتى مسألةٍ واحدة مع الاصرار على مبنى، وبدونه على مبنى آخر، كان فاسقاً فلا تصح الصلاة خلفه.
وأما لو كان تعلم المسألة متوقفاً على مقدمات طولية كثيرة فتركها، فلا يعد نفس تركها كبيرة، إذ لا يعد ذلك بنفسه اصراراً ولا يعد معاصي متعددة لأنها عرفاً واحدة.
كما أن اعتبار ترك تعلم الكبيرة كبيرة، لا وجه له، لأن ضوابط الكبائر محددة كما أوعد الله عليه بالنار، وترك تعلم حكم الكبيرة ليس مما أوعد الهر عليه بالنار.
كلام الشيخ وإشكال النائيني
وعلى ما ذكرناه يمكن توجيه القول المنسوب للشيخ الأنصاري بأن تارك تعلم مسائل الشك والسهو وما أشبه مما يكثر الابتلاء به، فاسق، كما نقل ذلك عنه المحقق النائيني وقال : نسبة هذا القول للشيخ غير صحيحة ولعله من اشتباه الناسخ، لأن تحقق الفسق بما ذكره لا يخرج عن احتمالات ثلاث كلها منتفية:
الأول: إن الشيخ يرى الوجوب النفسي للتعلم (اجتهاداً أو تقليداً) فإذا ترك التعلم كان تاركاً للواجب فيصبح فاسقاً، لكن الشيخ لا يرى الوجوب النفسي للتعلم، (ولو أنه كان يرى ذلك كالمقدس الأردبيلي لصح ذلك).
الثاني: هو القول بحرمة التجري (لأن الذي يترك تعلم تلك الأحكام متجرٍّ في حد نفسه وإن لم يقع في الحرام عملاً، لأن ترك التعلم إقدام على المعصية ، وإن لم تقع منه خارجاً، ووجه كونه إقداماً عليها، العلم أو الظن بالوقوع فيها مع عدم التعلم، فتأمل، وعلى هذا فتارك التعلم متجرٍّ وفاسق)، لكن الشيخ لا يرى حرمة التجري والشيخ يقول بالقبح الفاعلي لا القبح الفعلي (التجري حرام وترك التعلم تجري فهو مرتكب للحرام فهو فاسق).
الثالث: هو أن يقال بالتفكيك بين مسائل الشك والسهو وبين غيرها لقضاء العادة بإستلزام ترك التعلم فيما يكثر الإبتلاء به للوقوع في الحرام (أي مخالفة الواقع) ولكن هذ الوجه غير صحيح، لأنه لم يدل دليل على وجود خصوصية في خصوص أمثال هذه المسائل لتكون واجبات نفسية وغيرها طريقية، ولا مجال لاحتمال هذا التفصيل (سواء بين ما يلزم غالبية الوقوع في الحرام من عدم تعلمه، وبين غيره، أو بين مسائل الشك والسهو وغيرها وإن كانت غالبة).
فالنتيجة إن الشيخ لا يمكن أن يكون قد أفتى بهذه المسألة في رسالته، بل اختلط الأمر على جامع الكتاب، هكذا يقول الشيخ النائيني.
الجواب عن إشكال النائيني:
لكن قد يجاب عن كلام النائيني بأنه: يوجد شق رابع ومبنى رابع للحكم بالفسق، مصحح لكلام الشيخ الأنصاري، إذا إلتزم به الشيخ، وهو ما ما ذكرناه من أن ترك المقدمة (الواجب الغيري) حرام شرعاً، لكن هل يلتزم الشيخ بذلك؟
وهناك مخلص خامس بأن يقال: إن كلام الشيخ محمول على الكاشفية لا السببية بمعنى أن تارك تعلم المسائل التي يكثر الابتلاء بها فاسق، لا من باب السببية حتى يشكل عليه الميرزا وإنما من باب الكاشفية أي إن ترك تعلم المسائل الابتلائية يكشف عن فقدانه ملكة العدالة، (حيث إن الشيخ يرى أن العدالة ملكة).
والحاصل أن الثمرة الأولى تظهر في ما لخصناه من الاحتمال الرابع للتفصي توجيهاً لكلام الشيخ.
الثمرة الثانية: الثواب بناء على إجتماع الأمر والنهي
الثمرة الثانية: تظهر في مبحث اجتماع الأمر والنهي، فإنه إذا قلنا بأن الاجتهاد والتقليد مقدمة للواجب وجوباً غيرياً إرشادياً عقلياً، فلا ثواب على فعل هذه المقدمة.
وأما لو قلنا بأن الاجتهاد والتقليد مقدمات شرعية للعمل أي واجبة شرعاً بوجوب مولوي، فلو فرض كون الاجتهاد حراماً، كما في ما كان الاجتهاد مقدمة وطريقاً للحرام من جهة، وللواجب من جهة أخرى، فعلى القول بجواز الاجتماع فإنه يكون مستحقاً للثواب على هذا الاجتهاد ومستحقاً للعقاب عليه في نفس الوقت.
وبعبارة جامعة :الحالات المتصورة أربع:
الأولى: أن لا نقول بالوجوب المقدمي للاجتهاد والتقليد لإنكارنا مقدميتها مثلاً والثمرة أنه لا يستحق الثواب على تجشم عناء الاجتهاد والتقليد، ولا العقاب على ما كان منها مقدمة لفعل الحرام.
الثانية: أن نقول بالوجوب المقدمي للاجتهاد والتقليد تخييراً، ونقول بجواز الاجتماع، فهنا يستحق الثواب على هذا الاجتهاد والعقاب أيضاً إن كان منهياً عنه لوقوعه طريقاً لابطال الحق فيأثم في نفس الوقت.
الثالثة: أن نقول بالوجوب المقدمي ونقول بالامتناع مع ترجيح جانب النهي فهنا يأثم بالاجتهاد أو التقليد الذي اجتمع فيه العنوانان ولا ثواب له.
الرابعة: أن نقول بالوجوب المقدمي ونقول بالامتناع مع ترجيح جانب الأمر ولو لكونه أهم فهنا يثاب على الاجتهاد ولا يأثم.
إذن الثمرة ظهرت في الثواب وعدمه -وكذا العقاب- وأن الثواب في صورتين وعدم الثواب في صورتين، وهذا هو المثال الأول في باب الاجتماع، وللكلام صلة تاتي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. |