• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 28- هل المنجز (العلم الإجمالي) أم(الظنون المعتبرة) أم (الإجتهاد والتقليد)؟ .

28- هل المنجز (العلم الإجمالي) أم(الظنون المعتبرة) أم (الإجتهاد والتقليد)؟

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
هل المنجز (الاحتمال) أو (الأدلة) أم الاجتهاد والتقليد؟ 
كان البحث في أنواع المقدمة، ووصل الكلام إلى أن الاجتهاد والتقليد هل يمكن أن يكونا مقدمة تنجز أي منجزين أم لا؟ فلو أن المقلد اطلع على فتوى المجتهد فهل فتواه هي التي توجب تنجز التكليف عليه فيستحق العقاب بالمخالفة، وهل هي معذرة لو عمل على طبقها ولم تكن مطابقة للواقع؟ وكذلك الاجتهاد فلو أدى رأي مجتهد إلى وجوب شيء أو حرمته كما لو قال بنشر الحرمة بعشر رضعات فهل رأيه هو المنجز أو المعذر، أم أن غيره هو المنجز والمعذر؟ 
قد يقال باستحالة أن يكونا منجزين (لأن الأحكام الشرعية تنجزت قبل الامر بهما ـ الاجتهاد والتقليد من جهة العلم الإجمالي أو الاحتمال، لا أنها تنجزت بسببهما) ، ذلك: 
إن المحتملات في منجز الأحكام الإلزامية ثلاثة: 
الاحتمال الأول: - وهو ما ذكره (التنقيح) في كلامه السابق - المنجز هو نفس الاحتمال أي احتمال وجود تكاليف واقعية أو المنجز هو العلم الإجمالي بوجود تكاليف مولولية إلزامية، وذلك هو الذي يقتضي وجوب الفحص في الشبهات الحكمية، ولذلك قالوا إن الشبهات الحكمية قبل الفحص مجرى الاحتياط. 
الاحتمال الثاني: أن تكون الحجج هي المنجزة (الحجج أعم من كونها قطعية أو ظنية بالظن المعتبر) وليس العلم الاجمالي السابق زماناً، ولا الاحتمال السابق زماناً، وذلك استناداً إلى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وغيره، فلو قام خبر الواحد على حرمة شيء أو وجوبه، تنجز ذلك الحكم وكذلك الظواهر لو دلت على حكم، تنجز، هذا في الظني المعتبر، وكذا في القطعي كما لو وجد خبر واحد محفوف بالقرائن القطعية. 
الاحتمال الثالث: أن يكون الاجتهاد والتقليد هما المنجزان أي أن العبد يستحق العقاب بالمخالفة بعد أن وصل إليه الحكم إجتهاداً أو تقليداً، لا بمجرد وجود الظواهر أو خبر الثقة، من غير أن تصل للمكلف -فعلاً أو شأناً-. فهذه احتمالات ثلاث. 
الإشكال بلزوم تحصيل الحاصل من منجزية الاجتهاد 
وقد استدل للاحتمال الأول بأن الأحكام الواقعية قد تنجزت بالعلم الاجمالي بل حتى باحتمال التكاليف الملزمة في الشبهات الحكمية فإنها مجرى الاحتياط عقلاً لأن العقل يحكم بالاحتياط نظراً لإمكان وجود تحريم أو وجوب، كما يوضحه مبحث (حق الطاعة) أما البراءة فتجري على رأي في الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية وإن ناقش فيه بعض الأعلام. 
إذن الأحكام قد تنجزت بالعلم الاجمالي أو الاحتمال، فتنجزها ثانية بالاجتهاد أو التقليد أو بخبر الواحد يكون تحصيلاً للحاصل. 
الجواب أولاً: الاجتهاد منجز بنحو العلة المبقية 
لكن الظاهر عدم تمامية هذا الكلام، وأنه يصح القول بـ(التنجز) بالاجتهاد والتقليد أو التنجز بالظنون النوعية، وذلك لوجهين : 
الوجه الأول: ما ثبت في بحث العلل المتعاقبة من إمكان أن يكون شيء واحد علة لشيء بنحو العلة المحدثة ثم يكون شيء آخر علة له بنحو العلة المبقية,فكون التكليف الواقعي منجزاً بالعلم الاجمالي أو بالاحتمال، لا ينفي كون تنجزه بعد ذلك بنحو العلة المبقية بالظن المعتبر أو الاجتهاد أو التقليد أو الدليل القطعي على نفس مؤدى العلم الاجمالي أو المحتمل فيكون التنجز قد استند حدوثاً للعلم الاجمالي واستند بقاءا إلى خبر الواحد أو الاجتهاد أو التقليد وهذا مما لا ريب فيه ثبوتاً عقلاً. 
نعم القول بأن الظن المعتبر أو الاجتهاد أو التقليد منجزان لنفس ما تنجز سابقاً في ظرفه السابق، غير صحيح، لكونه تحصيلاً للحاصل، وأما الدليل على ذلك إثباتاً، فهو صحة الاسناد حقيقة، بنظر العقل والعقلاء فإنه لو علم العبد إجمالاً أن المولى يريد منه فعل أمر واحد من ثلاثة، وجب عليه الاحتياط بالجمع للعلم الاجمالي، ثم إذا قام خبر الواحد على وجوب أحدها بعينه، فإن فعل العبد له، يستند حقيقة إلى خبر الواحد والاستناد حقيقي لا مجازي، كما أنه بالحمل الشائع الصناعي يصح إسناد استحقاقه للعقاب بقاءا إلى قيام خبر الثقة الحجة عليه. 
وكذلك الأمر في (الاحتمال) كما لو احتمل وجود عدة تكاليف فتنجزت به فاحتاط بالاتيان بها ثم وصل إليه خبر ثقة فعمل بعد ذلك استناداً إلى خبر الثقة لا استناداً للاحتمال. 
إذن إشكال التنقيح غير تام نظراً لبرهان العلل المتعاقبة. 
ثانياً: الاجتهاد منجز للمرتبة الأعلى 
الوجه الثاني: في الجواب على دعوى تحصيل الحاصل، هو أن التنجيز - بمعنى الموجبية لاستحقاق العقاب - حقيقة تشكيكية، كاستحقاق العقاب، وكنفس العقاب، وبذلك يندفع الإشكال أيضاً لأنه بالاحتمال تنجزت التكاليف (في الشبهات الحكمية) بدرجة فاستحق العقاب بدرجة، ثم إذا جاءه الخبر أو الظاهر ثبتت درجة أشد من التنجز واستحق درجة أعلى من العقاب، هذا ثبوتاً أما إثباتاً فإن بناء العقلاء خير شاهد، فلو احتمل العبد أن المولى يريد منه فعل شيء لكنه لم يفعل ولم يفحص ولم يحتط، استحق العقاب، لكنه لو بعث المولى إليه من أخبره بأمره، فلم يفعل، كان استحقاقه للعقاب أشد، بل استحق عقاباً أشد، فإن المخالف للتكاليف المحتملة يعاقب فكيف بالقاطع. 
وكذلك الكلام في العلم الاجمالي فلو علم بحرمة شرب أحد السوائل العشرة فشرب أحدها، وكان واقعاً هو المحرم، استحق عقاباً بسيطًاً أما لو علمه بعينه فشربه، كان استحقاقه للعقاب أشد بل استحق عقاباً أشد، فتأمل. 
والجوابان لا يجتمعان، لأن الجواب الثاني مبني على تسليم بقاء علّية الاحتمال والعلم الاجمالي للتنجز، لكن لمرتبةٍ، أما الجواب الأول فمبني على زوال تأثير العلة المحدثة بمجيء الاحتمال، باعتباره علة مبقية. 
ثم إن هذا البحث يجري في حالات ثلاثة 1- الاحتمال البدوي في الشبهة الحكمية قبل الفحص، 2- العلم الاجمالي قبل الانحلال 3- العلم الاجمالي بعد الانحلال كما لو علمت إجمالاً أن للمولى في الألف قضية تكاليف إلزامية ثم حققت فعرفت (مأتي حكم) إلزامي منها فانحل العلم الاجمالي، لكن بقي الاحتمال بحاله. 
وللكلام صلة تأتي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=288
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 25 ذي القعدة 1432هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23