• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 234- تتمة ثمرات الانشاء بعد الانشاء-ادلة الصحيحي: التبادر ، الاقرار .

234- تتمة ثمرات الانشاء بعد الانشاء-ادلة الصحيحي: التبادر ، الاقرار

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(234)


تتمات: فوائد كون الإنشاء بعد الإنشاء مولوياً
سبق (ثانياً: ان الإنشاء بعد الإنشاء مولوي على ما اخترناه وإرشادي بناء على امتناعه أو على لغويته، وقد فصلنا ضوابط المولوي والإرشادي وفوائد كون الأمر مولوياً في كتاب (الأوامر المولوية والإرشادية) فراجع)([1]).
ولكن قد يسأل عن ثمرة الثمرة في كون الأمر الثاني أو الثالث إنشائياً؟ والجواب: انه قد تتصور لذلك ثمار:
منها: ان مخالفته إن كان أمراً إنشائياً هتك للمولى محرّم، دون ما لو كان أمراً إرشادياً.
ومنها: ان قاعدة الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل (كلما حكم به الشرع حكم به العقل، كعكسها) إنما هي بين الحكمين، أما ما أرشد إليه الشرع فهو بحث آخر فقد يقال بالملازمة (أي كلما أرشد إليه الشرع أرشد إليه العقل) كما هو الحق، وقد لا يقال بذلك.
ومنها: انه لو لم يبلغه إلا الأمر الثاني، لاستحق العقاب بالمخالفة على المولوية، دون الإرشادية.
ومنها: اختلاف شرائط الحجية في الأوامر المولوية عنها في الإرشادية، كما فصلناه في كتاب (الأوامر المولوية والإرشادية).
وفي بعض الثمرات السابقة تأمل فتأمل.

من فوائده: إيراث الاطمئنان والقطع
كما سبق: (خامساً: وقد يكون لإيراث الاطمئنان أو القطع بمضمونه أو دلالته، فانه إذا أمر مرة واحدة احتمل وجود قرينة متصلة أو منفصلة وقد نسي السامع نقلها أو غفل عن قرينيتها أو عن أهمية نقلها فلم ينقلها لذلك أو نسي الراوي عنه أو الراوي عن الراوي وهكذا، فيحتمل عقلائياً وجودها، عكس ما لو تكرر الإنشاء فانه إذا كانت معها جميعاً قرينة فإن من المستبعد جداً إن لم يكن من المحال عادة ان ينقل كافة الرواة الرواية بدون القرينة التي معها)([2])

بل كونه حجة دون الأول؛ لتجرده عن محتمل القرينية المتصل
ونضيف: انه قد يَسقُط الإنشاء الأول عن الحجية في تمام مدلوله أو في بعضه كما إذا احتف بمحتمل القرينية المتصل فانه يوجب الإجمال: إما في كل مدلوله وذلك إذا كان محتمل القرينية على كل مدلوله بأن يكون، لو كان قرينة على الخلاف، صارفاً له عن الحقيقة إلى المجاز([3]) وإما في بعضه وذلك إذا كان من قبيل الخاص، المتصل واحتمل كونه قرينة على الخلاف([4]).
كما نضيف: ان احتمال القرينة على الخلاف وإن كان احتمالاً عقلائياً فانه لا يسقط الظاهر عن حجيته إذ الظاهر يتعايش مع احتمال الخلاف، لكن تكرر الإنشاء مع عدم العثور على القرينة على الخلاف يوجب الاطمئنان أو القطع بالعدم وذلك ينفع فيما ينفع في باب التعارض إذ يكون هذا كالنص بالنسبة إلى معارضه الذي هو ظاهر، فيتقدم عليه ويتصرف ببركته في الظاهر أو يرفع اليد عنه، لا العكس.
والحاصل: ان محتمل القرينية المتصل مسقط للظاهر عن حجيته، فإذا تكرر الإنشاء وكان الثاني مجرداً عن محتمل القرينية كان هو الحجة المتمسك به دون الإنشاء الأول ولا يسري إجمال الأول للإنشاء الثاني لأن محتمل القرينية المتصل به، منفصل بالنسبة للإنشاء الثاني.

بين الإنشاء بعد الإنشاء والإخبار بعد الإنشاء
ثم إن الإنشاء بعد الإنشاء قد يتميز على الإخبار بعد الإنشاء بالاظهرية أو العكس بان يكون الإخبار بعد الإنشاء هو الأظهر لذا يكون الإنشاء بعد الإنشاء تارة هو الأرجح وأخرى يكون الإخبار بعد الإخبار هو الأرجح فمثلاً: لو ورد انه قال: (أكرم العلماء) وورد انه قال: (يجوز إكرام العلماء) فانهما متعارضان ولا اظهرية لأحدهما على الآخر، عكس ما لو ورد الأول مرة أخرى بصيغة انه عليه السلام أوجب إكرام العلماء أو قال إكرام العلماء واجب فانه نص، أما يجوز فظاهر في الإباحة فيحمل على الجواز بالمعنى الأعم. فتأمل هذا.

الأدلة على وضع الألفاظ للصحيح من المعاملات
وقد استدل الشهيدان على وضع ألفاظ المعاملات للصحيح بأدلة أربعة([5]):

التبادر
الدليل الأول: التبادر إذ يتبادر من حاق لفظ البيع ومشتقاته كبعتُ وباع وسأبيع، الصحيح منه لا الفاسد حتى انه لو فسره به لاستغرب الناس، ولا يخفى ان التبادر دليل على وضعه لغة للصحيح وعرفاً، لكنه لا يستدل به على وضعه للصحيح شرعاً – وسيأتي.

الإقرار
الدليل الثاني: (الإقرار).
قال الشيخ في المكاسب (ثمّ إنّ الشهيد الثاني نصّ في ((كتاب اليمين)) من المسالك على أنّ عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح، مجاز في الفاسد؛ لوجود خواصّ الحقيقة والمجاز، كالتبادر وصحّة السلب. قال: ومِن ثَمّ حُمل الإقرار به عليه، حتى لو ادّعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعاً، ولو كان مشتركاً بين الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة، وانقسامه إلى الصحيح والفاسد أعمّ من الحقيقة، انتهى)([6]) وسيأتي إيضاح تمام كلماته ثم المناقشة في بعضها بإذن الله تعالى([7]).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((كُلُّ دُعَاءٍ يُدْعَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ)) الكافي: ج2 ص493.

([1]) راجع الدرس (233).
([2]) راجع الدرس (233).
([3]) كما لو قال: أكرم الأسد واحتف بكلمة ملتصقة مجهولة فلم يعلم انها (الضاري أو الشجاع) فانه لا يعلم حينئذٍ مراده إكرام الرجل الشجاع أو الحيوان المفترس.
([4]) للجهل بتفصيل ألفاظه مما يحتمل معه مثلاً ان يكون خاصاً نافياً أو مثبتاً كما لو قال: (أكرم العلماء) ثم ألصق به لفظاً لا يعلم انه قال: (خاصة القميين) أو قال: (باستثناء القميين).
([5]) وهناك أدلة أخرى ستأتي بإذن الله تعالى.
([6]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص19.
([7]) ولا بأس بالإشارة إلى مسألة نافعة استطراداً وهي انه لو باع علي داره لزيد مثلاً ثم اشتراها منه أو وهبها زيد له أو شبه ذلك، ثم ادعاها زيد وانها ملكه فلو أقر علي في المحكمة بانه باعها لزيد ثم اشتراها منه انقلب مدعياً إذ إقراره على نفسه جائز فيثبت بيعه لزيد ثم قوله انه اشتراها منه إدعاءً فتقع عليه مؤونة إقامة البينة، فلو أراد التخلص من إلزام الخصم له بذلك فله ان يقول: ان الدار ملكي (فإذا كانت في يده كانت امارة يُكتفى بها وعلى الآخر البينة، وذلك من غير ان يكون إقراره بالبيع ثم الشراء، عليه) وإن لم تكن يد أحدهما عليه فكفى في كون زيد مدعياً دعواه انه اشتراها منه، وإلا فهما مدعيان.
فائدة أخرى: ذهب الكثير من الأعلام انه لا يجوز للقاضي أن يرشد أحد الطرفين إلى ما فيه نفعه (كما فيما ذكرناه) وإن كان محقاً، كما لا يجوز له تعتعة الشاهد.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2907
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 21 ربيع الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20