• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 239- الاستدلال على الاعمي بصحة التقسيم وبحث هو علاميتها على الحقيقة - المنصور:الوضع للاعم في الجملة ،ووجهه .

239- الاستدلال على الاعمي بصحة التقسيم وبحث هو علاميتها على الحقيقة - المنصور:الوضع للاعم في الجملة ،ووجهه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(239)

 

أدلة الأعميّ:

وقد استدل للأعمي بأدلة نشير إلى بعضها فقط :

 

التبادر وعدم صحة السلب

فمنها: التبادر، ومنها: عدم صحة السلب.

أقول: الظاهر ان (الأعم) في الجملة هو المتبادر، والمراد منه: الواجد لمعظم الأجزاء والشرائط ولمعظم الأثر أو بعضه المعتدّ به، والظاهر انه لا يصح سلبه عنه، واما الفاقد لمعظم الأجزاء والشرائط وكل الأثر أو المعتد به منه فانه يصح سلبه عنه؛ ألا ترى ان الحائط مثلاً لا يصح سلب لفظه عن الجدار الذي به ثقب أو ثلمة أو شِق أو فطر إلا بعناية انه ليس بحائط كامل مثلاً، وانه يحمل عليه حقيقةً بلا عناية، وأنه إذا انهار أكثره بان لم يتبقَّ منه إلا ثلاثة أعمدة مثلاً فانه يصح سلب الحائط عنه ولا يحمل عليه إلا بلحاظ ما كان أو ما أشبه من العلائق، وكذلك الدواء كالسقمونيا فانها إذا كانت مسهلة للصفراء ولو في الجملة صح الإطلاق وإذا فقدت الصفة([1]) تماماً صح السلب، ولو فقدت السيارة معظم أجزائها صح سلبها عنها ولذا يقال كانت هذه سيارة مثلاً ولا يقال هي الآن سيارة، اما لو فقدت باباً أو غطاء أو كرسياً أو مِقوداً صح الحمل بلا عناية.

واما انسباق الصحيح أحياناً فإنما هو للانصراف؛ لمناسبات الحكم والموضوع وشبهها، وذلك وجه ما يتوهم انه التبادر عند قوله: بعتُ داري، فان ظاهر حاله حين قوله ذلك انه أراد الصحيح لأنه هو منشأ الأثر الذي يستحق لأجله ان يُذكر (أي يذكر انه باعه) وليس تبادراً من لفظ البيع نفسه.

 

صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم

ومنها: صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم وقد ردّه الشهيد بقوله: (وهو أعم من الحقيقة)([2]) وقال في الكفاية: (ومنها: صحة التقسيم الى الصحيح والسقيم، وفيه: انه انما يشهد على انها للأعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح، وقد عرفتها، فلا بد أن يكون التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية)([3]).

وظاهر كلامه النفي والإثبات معاً، وتوضيحه: ان المستظهر من كلامه: ان العلامات على رتبتين: أولى وثانية، ومن الأولى التبادر وصحة الحمل، ومن الثانية صحة التقسيم، فهو لم ينفِ علامية صحة التقسيم مطلقاً بل عدّها علامة من الدرجة الثانية أي فيما إذا فقدت العلامات التي هي من الدرجة الأولى؛ ولذا قال: (وفيه: انه انما يشهد على انها للأعم لو لم تكن...) فهي شاهدة إذا فقدت العلامات من الدرجة الأولى اما مع وجودها([4]) فلا تصل النوبة إليها).

 

المنصور: صحة التقسيم هي علامة الحقيقة

ولكنّ المنصور هو: ان صحة التقسيم من علامات الحقيقة وانها من علائم الدرجة الأولى وانها تُعارض بعض علاماتها الأخرى كما تتعارض علامات الدرجة الأولى لو اختلفت بعضها البعض، فكما انه لو فرض اننا وجدنا بدواً صحة الحمل من جهة ولكن وجدنا أيضاً صحة السلب من جهة أخرى (كما لو وجدنا صحة القول: البيع الفاسد بيع، وصحة القول أيضاً: البيع الفاسد ليس ببيع) وشككنا في ان أيهما بعناية والآخر بلا عناية فانهما يتساقطان، فكذلك لو وجدنا صحة التقسيم من جهة ووجدنا صحة السلب من جهة أخرى فانهما يتعارضان.

 

الدليل:

دليلنا: اننا نرى قبح التقسيم إلى المعنى الحقيقي والمجازي أولاً، وعدم وقوعه كلما أحرز ان هذا حقيقة وذاك مجاز في العلوم ولدى العرف ثانياً؛ فهل وجدت أحداً يقسّم الأسد مثلاً إلى قسمين فيقول الأسد نوعان: حيوان مفترس ورجل شجاع؟ وهل وجدت أحداً يقسّم القمر إلى قسمين فيقول: القمر قسمان: الكوكب المعروف والوجه المضيء؟ وهل وجدت أحداً يقسّم البحر إلى قسمين فيقول: البحر قسمان: قسم جماد وهو بحر الماء وقسم هو صفة للإنسان وهو بحر العلم؟ وذلك رغم ان إطلاق البحر على العلم والقمر على الوجه الحسن والأسد على الشجاع مما لا شك فيه إلا اننا لم نر أبداً من يقسّم تلك الألفاظ إليها.

ولعلّ الوهم([5]) نشأ من المتشابهات والمختلف فيها والمتردد فيها (كالبيع الفاسد والصحيح) وهو مما لا يستدل به إذ هو مورد الخلاف والنقاش، ويكفي دليلاً لردّه اننا لا نجد مورداً ارتأى فيه العقلاء انه مجاز ثم قسموا اللفظ إليه وإلى معناه الحقيقي، ومنه يستظهر ان قولهم (البيع اما صحيح واما فاسد) دليل على انهم يرون كليهما معنى حقيقياً لذا قسموه إلى صنفين وليس من تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى ضده أو الأجنبي عنه.

والحاصل: اننا نرى ان صحة التقسيم بلا عناية دليلاً على الحقيقة وهي في رتبة علائم الحقيقة الأربع كصحة الحمل بلا عناية، بل ان صحة التقسيم تستبطن صحة الحمل فان كان بعناية فكلاهما ليس دليل الحقيقة أو لم يكن بها فكلاهما دليلها.

نعم لو أقام قرينة على ان التقسيم هو بلحاظ ما يستعمل فيه اللفظ ولو بعناية، خرج عن كونه علامة الحقيقة في هذا المورد لكنه لأنه أقام قرينة على خلاف ظهور حال التقسيم فتدبر.

 

تتمة: كل حمل استعمال وكل استعمال حمل

سبق: (ولكن قد يورد على قاعدة (الاستعمال أعم من الحقيقة): ان الاستعمال يستبطن الحمل أي ان كل استعمال فهو متضمن للحمل فإذا كانت صحة الحمل علامة الحقيقة فكيف لا يكون الاستعمال علامة عليها؟)([6]) ونضيف: ان التلازم هو من الطرفين، فان كل حمل استعمال وكل استعمال حمل:

اما الثاني فلما مضى، واما الأول فلوضوح انه لو قال: (شبل الأسد أسد) فانه استعمل شبل الأسد في معناه التصوري وكذا الأسد كما استعمل الجملة في مدلولها التصديقي أو النسبة التصديقية فكل حمل لا بد ان يكون استعمالاً إذ كيف يحمل هذا على هذا إن لم يستعمل اللفظ في معنى تصوري وتصديقي (حقيقياً كان أو مجازياً)؟ كما ان كل استعمال يتضمن حملاً.

ومزيد الإيضاح للجواب الماضي وهو: (وبعبارة ثالثة: صحة الحمل كأنه لوحظ بنحو القضية الحقيقية لذا كان علامة الحقيقة، واما الاستعمال فكأنه لوحظ بنحو القضية الخارجية (للاكتناف عادة بقرائن تفيد المراد أو لاحتمالها والتردد حينئذٍ في ان إفادة المراد هل كان لأنه الموضوع له الحقيقي أو للقرائن الحافّة) فلا يكون علامة الحقيقة)([7]) هو ان قولك مثلاً (شبل الأسد أسد) وهو الحمل، كثيراً ما يكون مكتنفاً بقرينة من قبيل مناسبات الحكم والموضوع أو شبهها أما قولك (رأيت أسداً) قاصداً شِبله فانه إضافة إلى ذلك اكتنف بقرينة أخرى حافة وهي (رأيت) فلذا كان الاستعمال أقرب إلى احتمال المجازية لوجود مكتنفٍ آخر به يصلح ان يكون قرينة على صرف اللفظ عن معناه الحقيقي للمجازي، عكس الحمل إذ لا توجد فيه هذه القرينة الإضافية. وقد لا توجد فيه قرينة أصلاً.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((جُمِعَ الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: النَّظَرِ وَالسُّكُوتِ وَالْكَلَامِ فَكُلُّ نَظَرٍ لَيْسَ فِيهِ اعْتِبَارٌ فَهُوَ سَهْوٌ وَكُلُّ كَلَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ فَهُوَ لَغْوٌ وَكُلُّ سُكُوتٍ لَيْسَ فِيهِ فِكْرَةٌ فَهُوَ غَفْلَةٌ

فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ نَظَرُهُ عِبَراً وَسُكُوتُهُ فِكْراً وَكَلَامُهُ ذِكْراً وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ وَأَمِنَ النَّاسُ شَرَّهُ)) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص405.


([1]) كونها مسهلة.

([2]) مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج11، ص263.  والمكاسب: ج3 ص19.

([3]) الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم، ج1 ص30.

([4]) علامات الدرجة الأولى.

([5]) بصحة التقسيم إلى الحقيقة والمجاز.

([6]) راجع الدرس (237).

([7]) المصدر نفسه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2922
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 29 ربيع الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18