• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 246- تتمة البحث المبنوي وأربع وجوه لكون النهي عن المقدمة في المقام مولوياً- الثمرة في النقاش في ان ألفاظ المعاملات موضوعة (أو منصرفة) للجائز أو هي أعم منه ومن المحرم. .

246- تتمة البحث المبنوي وأربع وجوه لكون النهي عن المقدمة في المقام مولوياً- الثمرة في النقاش في ان ألفاظ المعاملات موضوعة (أو منصرفة) للجائز أو هي أعم منه ومن المحرم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(246)

 

تتميم: وجوه أربع لردّ ارشادية النهي في المعاملات([1])
وبعبارة أخرى: ان المولى لو نهى المكلف عن البيع والكسب أو عن الصلاة في سعة وقتها لتفويتها الأهم كالجهاد أو الحج المستقر في الذمة أو الواجب في عام الاستطاعة، فانه قد يقال بان النهي ارشادي في ما لو تعلق بالمعاملة للقاعدة العامة فيها، فليست بحرام إذاً بل هي حلال جائز كما هي صحيحة فلم تنفك الصحة عن الحلّية.
والجواب من وجوه أربع:

النقاش مبنىً
الأول: النقاش مبنىً، بان قاعدة (الأصل في النهي في المعاملات كونها إرشاداً)([2]) دعوى لا دليل عليها، والاستقراء الناقص ليس حجة، والموارد التي استدلوا بها على ذلك كالنهي عن الطلاق في غير طهر المواقعة و((نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك))([3]) وأشباهها هي مما علم من الخارج انها ليست محرمة شرعاً لذا حمل النهي فيها على الإرشاد([4])، وهناك العديد مما بقي على القاعدة العامة في النهي من دلالته على الحرمة كـ: لا تبع وقت النداء، ولا تبع مطففاً، قال تعالى: (إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)([5]) وقال جل اسمه: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)([6]) فانه للتحريم لا للتنزيه والإرشاد للبطلان وإلا لما كان وجه للتهديد بل العقاب بالويل وهو وادٍ في جهنم؛ ولذا نجد انه لو لم يُعلم من الخارج ان هذه المعاملة محرمة أو محلل وورد عنها نهي فانه يحمل على التحريم والمولوية، بل حتى من يرى القاعدة العامة في المعاملات الإرشادية فانه ينبغي ان يتحير حينئذٍ على الأقل كما لو قال: (لا تبع المصحف للكافر) فهل يفيد الحرمة أو مجرد البطلان؟ فلو لم يعلم من الخارج أحدهما لما كان وجه للحكم بانه إرشادي إلا على دعوى ان ذلك الاستقراء وإن كان ناقصاً لكنه معلّل، وفيه ان علته مخدوشة كما فصّل في محله، ومن العلل ما التزمه المحقق النائيني من ان النهي إذا تعلق بالمسبَّب أفاد كونه محجوراً عنه شرعاً أي محجوراً عن التصرف فيه شرعاً والمحجور عنه شرعاً لا سلطان له عليه، كالمحجور عنه عقلاً، فلا تصح المعاملة إذ أراد نقل ما ليس له نقله، وتفصيل الأخذ والرد في محله.

وبناءً، بشهادة الوجدان
الثاني: النقاش بناءً، بان الوجدان شاهد بان النهي مولوي للتحريم في أمثال ذلك (ما لو نهى عن معاملة لتفويتها الأهم) ألا ترى انه لو قال لخادمه المشغول بالبيع والشراء أو بكنس الدار المفوّت بذلك لإنقاذ ابنه من الغرق في الماء: (اترك الكنس أو لا تكنس أو لا تبع ولا تشتر بل انقذ ولدي فوراً) انه مولوي وانه يستحق العقاب بالمخالفة، لا انه إرشادي إلى ان عملك لا تستحق به عليَّ أجرة!

ولاقوائية رادعية النهي المولوي
الثالث: انه لا شك في اقوائية رادعية النهي المولوي التحريمي المستتبع للعقوبة من رادعية مجرد الحكم ببطلان المعاملة؛ فان أكثر الناس لا يعيرون بالاً لحكم الشرع أو القانون ببطلان المعاملة (المفوِّتة للأهم) لكنهم ينزجرون إذا علموا ان النهي تحريمي يستتبع العقوبة بالمخالفة، بل حتى لو كان الحكم بالبطلان رادعاً، كما هو كذلك في الجملة، فلا شك ان التحريم المستتبع للعقاب أقوى ردعاً، فمقتضى الحكمة من المولى حفاظاً على اغراضه الملزمة، التحريم المولوي لا مجرد الإرشاد للبطلان الذي قد يفوِّت بالاقتصار عليه كثيراً من أغراضه الأهم.

ولأن الوقوع مفوِّت لا الوصف
الرابع: ما سبق من (وعلى أي فان التجارة والكسب يكون محرماً حينئذٍ لكنه صحيح إذ لا وجه لبطلانه فان (وقوعه) مفوِّت لا (وقوعه صحيحاً) فالصحة والبطلان أجنبيان عن المفوتية فليس شيء منهما مقدمةً فلا مجال لتوهم بطلانه من هذه الجهة. فتأمل)([7]).
والحاصل: انه ينبغي ان ينهى عما هو مقدمة وهو نفس الفعل (الإتيان بالعمل والبيع والشراء) لا عما ليس بمقدمة (وهو صحته مثلاً) إذ المفوت للأهم نفس انشغاله بالكسب (على الفرض) لا كونه صحيحاً أو باطلاً.

الثمرة في وضع الألفاظ للجائز من المعاملات أو الأعم
الثمرة: وتظهر الثمرة في النزاع في ان البيع وسائر ألفاظ المعاملات هل هي موضوعة لخصوص الجائز منها ولو بوضع تعيّني شرعاً أو هي منصرفة إليه في إطلاقات الشارع لمناسبات الحكم والموضوع وغيرها، أو هي موضوعة للأعم غير منصرفة لخصوص الجائز المحلل منها، في انه لو قلنا بانها موضوعة للأخص (أي الجائز منها خاصة) أو منصرفة إليه فانه كلما شك في جواز معاملة وعدمها شرعاً (كما فيما سيأتي من الأمثلة) فانه لا يصح حينئذٍ التمسك بـ(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([8]) للإلزام بالوفاء بها إذ يكون حينئذٍ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فانه مع الشك في جوازه يشك في انه عقد أو لا (وضعاً أو انصرافاً) فكيف يتمسك بـ(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المتفرع على الفراغ عن كونه عقداً ليقال له أوفوا به؟
وكذلك لا يصح التمسك بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)([9]) بناء على ان المراد من أحل أنفَذَ أي جعله نافذاً (وهو الحكم الوضعي) إذ كلما شك في جوازه (كبيع ما يستلزم أذى الوالدين) شك، على هذا المبنى، في كونه بيعاً فكيف يتمسك بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)؟
تنبيه: قد يقال بان العقد والبيع وسائر ألفاظ المعاملات موضوعة للأعم من الجائز والمحرم، لكنها منصرفة للجائز شرعاً بمناسبات الحكم والموضوع لبداهة ان (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) لا يراد به، حسب المرتكز في الأذهان، أوفوا بالعقود المحرمة ولا الأعم منها ومن المحللة لا لأن التقييد لو امتنع امتنع الإطلاق كما ذهب إليه الميرزا([10]) بل للانصراف المسلّم في عرف المتشرّعة، كما انه لا يراد بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) أي: أنفَذَ الله البيع الحرام، أو أنفَذَ الحرام منه والحلال، فانه خلاف المتبادر للأذهان جداً أو فقل مناسبات الحكم والموضوع صرفته عن الشمول لو فرض وضعه للأعم. وللبحث تتمة بإذن الله تعالى.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ فِيكَ خَيْراً فَانْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُبْغِضُ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، فَفِيكَ خَيْرٌ وَاللَّهُ يُحِبُّكَ، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيُحِبُّ أَهْلَ مَعْصِيَتِهِ، فَلَيْسَ فِيكَ خَيْرٌ وَاللَّهُ يُبْغِضُكَ، وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) الكافي: ج2 ص126.
([1]) المنهي عنها لتفويتها الأهم.
([2]) إلى الشرطية أو الجزئية، أو إلى البطلان.
([3]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1413هـ، ج4 ص8.
([4]) وانها شرائط الصحة أو الوقوع.
([5]) سورة الجمعة: آية 9.
([6]) سورة المطففين: آية 1-3.
([7]) راجع الدرس (245).
([8]) سورة المائدة: آية 1.
([9]) سورة البقرة: آية 275.
([10]) فان المقام ليس صغرى لقاعدة الميرزا، وأيضاً كبراه غير تامة لدينا.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2950
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 13 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28