• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 33- برهنة الإشكال الأول بما ذكره الميرزا النائيني عن شروط صحة المعاملة الثلاث .

33- برهنة الإشكال الأول بما ذكره الميرزا النائيني عن شروط صحة المعاملة الثلاث

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

مباحث التزاحم

(33)


تتميم آخر([1]): النهي في المعاملات موجب للفساد إذا تعلق بالمسبب
ويمكن تقوية الوجه الأول أو التحقيق الأكثر حوله، بالرجوع إلى ما ذكره الميرزا النائيني في مبحث أن النهي في المعاملات إذا تعلق بالمسبب كالنهي عن بيع المصحف أو العبد المسلم للكافر (لأن وقوعه تحت يده وسلطنته هو المبغوض للشارع لا مجرد إنشاء ألفاظ البيع مثلاً)، فانه يدل على الفساد، ومستدلاً بان صحة المعاملة تتوقف على أمور ثلاثة:
1- كون كل من المتعاملين مالكاً أو بحكمه كالولي والوكيل.
2- ان لا يكون محجوراً عليه سواء أكان الحجر لأمر عائد لنفسه كالسَفّه والفَلَس أم لأمر متعلق بالمبيع نظراً لتعلق حق الغير به، وذلك لتكون له السلطنة الفعلية على التصرف.
3- ان يكون إيجاد المعاملة بسبب خاص كاللفظ أو المعاطاة فانها فعل - بناءً على صحتها -.
وعليه: فإذا تعلق النهي الشرعي بالمسبب (نفس نقل الملكية) كان النهي حاجزاً شرعياً مولوياً ومعجِّزاً للمكلف عن التصرف ورافعاً لسلطنته عليه، فهو كالمعجز العقلي فانه كما انه لو كان غير قادر عقلاً على النقل والتمليك فلا يصح نقله، بل ان دعوى صحته تناقضٌ، فكذلك لو كان غير قادر شرعاً، هذا ملخص ما ذكره في أجود التقريرات([2]) في بحث دلالة النهي على الفساد، بتصرف.

كلام فوائد الأصول عن وجه فساد المعاملة
وقال في فوائد الأصول([3]): (واما لو تعلق النهى بنفس الـمُنشَأ والموجد، فهو يقتضى الفساد لخروج المنشأ حينئذ عن تحت سلطانه، ولا قدرة عليه في عالم التشريع، والمانع التشريعي كالمانع العقلي.
والحاصل: ان الأمر والنهي الشرعيين موجبان لخروج متعلقهما عن سلطة المكلف، ويكون في عالم التشريع مقهورا على الفعل أو الترك).
وقال: (ويكون النهى مخصصا لعموم (الناس مسلطون على أموالهم) وعلى ذلك يبتنى عدم جواز بيع منذور الصدقة ومشروطها في ضمن العقد، أو نذر البيع من زيد أو شرط ذلك، فإنه لا يصح بيعه من غير زيد.
والسر في جميع ذلك: هو ان النذر، والشرط، والامر والنهى، موجب لخروج المتعلق عن دائرة السلطنة، ومخصص لعموم (الناس مسلطون على أموالهم) ومن شرائط صحة المعاملة السلطنة وعدم الحجر. ودعوى ان الوجوب والحرمة لا ينافيان السلطنة ضعيفة غايته، فإنه لا معنى لبقاء السلطنة مع المنع الشرعي، كما لا معنى لبقاء السلطنة مع سلبها عن نفسه بنذر أو شرط، بعد ما دل الدليل على لزوم الوفاء بالنذر والشرط. وقد عرفت: ان جميع ذلك مندرج تحت جامع واحد وملاك فارد، وهو ان الممنوع عنه شرعا موجب لسلب السلطنة. وبعض ما يترتب على ذلك من الفروع كأنه متسالم عليه عند الأصحاب، وان كان بعضه الآخر لا يخلو عن خلاف)([4]).

أمثلة للكبرى السابقة
ثم مثّل الميرزا بثلاث أمثلة، لكن الأخيرين منها فقط، على ما نرى، ترتبط بشرطه الثاني أما أولها فلا بل هو مندرج – فيما نرى – في ضمن الإشكال الرابع الماضي، والحاصل: انه H قد مثّل بأمثلة:
منها: (وعلى ما ذكرناه يترتب تسالم الفقهاء على فساد الإجارة على الواجبات المجانية فان المكلف بعد خروج العمل عن سلطانه لكونه مملوكا له تبارك وتعالى لا يمكنه تمليكه من الغير بإجارة ونحوها)([5]) وهذا هو ما سيأتي.

الحكم ببطلان منذور الصدقة
ومنها: (وحكمهم ببطلان منذور الصدقة فان المكلف بنذره يكون محجورا عن كل ما ينافي الوفاء بنذره فلا تنفذ تصرفاته المنافية له)([6]).
ووجهه واضح فانه لو نذر يوم الثلاثاء مثلاً التصدق بهذه الشاة مثلاً يوم الجمعة (مطلقاً أي سواء أكان على نحو نذر الفعل أم نذر النتيجة، أو على الثاني فقط على وجهين وقولين) فانه يكون وضعاً متعلَّق حقِّ الله والفقراء فلا سلطة له عليه وليس ان ههنا حكماً تكليفياً فقط.

الحكم ببطلان معاملةٍ اشترط عدمها في ضمن عقد آخر
ومنها: (و حكمهم بفساد معاملة خاصة إذا اشترط في ضمن عقد خارجي عدمها كما إذا باع زيد داره و اشترط على المشتري عدم بيعها من عمرو فان الشرط المزبور لوجوب الوفاء به يجعل المشتري محجورا من البيع المزبور فلا يكون نافذا، إلى غير ذلك من الموارد المشتركة مع المقام في الملاك أعني به‌ استلزام نهى المولى عن معاملةٍ حجرَ المكلف عنها المترتب عليه فساد تلك المعاملة و عدم ترتب الأثر عليها شرعا)([7]).
وذلك هو ما نقلناه عن السيد الجد أيضاً استناداً إلى ان (عند) في ((الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِم‏))([8]) تفيد انهم لا يمكنهم وضعاً تجاوزها (الشروط) ولا سلطة لهم على ما اشترطوه في ضمن العقد، لا ان مفاده فقط الحكم التكليفي بوجوب الوفاء بشروطهم فانه خلاف ظاهره إذ عليه تُفسَّر (عند) بـ(يجب ان يكونوا عند شروطهم) وهو خلاف الظاهر.

تعليلنا لفساد المعاملة حينئذٍ
أقول: ويمكن تعليل فساد بيع المشتري للدار، إذا باعها من شخص كان قد اشترط عليه زيد البائع ان لا يبيعها له، بما هو أسبق رتبةً مما ذكره وهو ما فصلناه في بحث السرقفلية من انه لو اشترط البائع على المشتري ان لا يبيع داره لعمرو فانها تنتقل إليه مسلوبة المنفعة (أي مسلوبة منها هذه المنفعة أي منفعة بيعها لكل أحد بمن فيهم زيد) فيكون كما لو باعه داره التي أجّرها للغير من قبلُ فانها تنتقل للمشتري مسلوباً عنها منافعها إلى انتهاء زمن الإجارة.
وعليه: فبيعه لعمرو باطل لا لأنه مالك لكنه محجور عليه بل لأنه ليس بمالك أصلاً أي ليس بمالك للعين من هذه الحيثية أي من حيثية هذه المنفعة، وذلك كما لو أجره بستانه لينتفع به في التنزُّه أو اقتطاف الثمار لا في السكن فانه ليس مالكاً لمنفعة السكن بل لمنفعة التنزه والأكل خاصة.
والحاصل: ان البيع للعين ببعض حيثيات منافعها دون البعض الآخر ممكن وعقلائي فتشمله الأدلة فإذا صح فليس له ان يبيع من الحيثية التي لم تنتقل إليه.
والشاهد من ذلك كله ان المشتَرط والمنذور وشبههما، حسبما رأى الميرزا النائيني، محجور عليه فالمعاملة عليه فاسدة إذ لا تنفذ فيه تصرفاته، ومقامنا صغرى هذه الكبرى والشرط الثاني الذي ذكره فانه إذا أجر نفسه للغير لعمل ما كالسفر كان محجوراً عليه من حيث هذه المنفعة أو فقل كانت منفعته هذه محجوراً عليها فلا يكون تصرفه فيها نافذاً في غير مورد الإجارة فلا يصح صومه أو اعتكافه لأنه تصرف فيما كان للغير. فتدبر وتأمل([9]).


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام علي عليه السلام: ((وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَإِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً وَكَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا وَأَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا لَا عَنْ قَبِيحٍ يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالًا وَلَا فِي حَسَنٍ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغَرَّتْهُمْ وَوَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ،
فَسَابِقُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا وَالَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ وَالْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ وَأَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ))
نهج البلاغة: ص279.

-----------------------------------------------------------------------------------
([1]) للإشكال الأول.
([2]) السيد أبو القاسم الخوئي، أجود التقريرات، ج2 ص228.
([3]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج1-2 ص471- 472.
([4]) المصدر نفسه: ص472.
([5]) السيد أبو القاسم الخوئي، أجود التقريرات، ج2 ص228.
([6]) المصدر نفسه: ص229.
([7]) المصدر نفسه: ص229-230.
([8]) الشيخ الطوسي، الاستبصار، دار الكتب الإسلامية – طهران، 1390هـ، ج3 ص232.
([9]) للمناقشة في أصل مبناه في الشرط الثاني وتعميمه الحجر لما ذكره، والمناقشة في تطبيقه على المقام. فتأمل


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2952
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 14 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20