• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 252- الاعمية والاخصيه من حيث كونه المتعلق راجحاً او مرجوحا .

252- الاعمية والاخصيه من حيث كونه المتعلق راجحاً او مرجوحا

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(252)


ومن المحبّذ التمثيل أخيراً لما يصلح أن يكون مثالاً فقهياً للمشكوك في صحته وبطلانه أو المشكوك في كماله بلزومه ونقصه بتزلزله، فيكون على الأول مما يدور في فلك مبحث انه هل ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم منه ومن الفاسد وعلى الثاني يكون مرتبطاً بمبحث انها هل هي موضوعة أو منصرفة للكامل أو لا بان تعمّ الناقص أيضاً، وذلك المثال هو بيع الرهن فانه قد يقع البحث عنه في موضعين:

هل يصح بيع الرهن؟
الأول: هل يصح بيع الرهن بدون إذن الراهن أو انه باطل؟

هل يصح بيعه مع العلم بالاذن أو بفكه؟
الثاني: انه لو علم بانه سيأذن له المرتهن أو علم بانه سيفكه، فهل البيع صحيح أو باطل وعلى فرض الصحة فهل يصح البيع الآن كاملاً أو يقع ناقصاً متزلزلاً فإن أَذِنَ أو فكَّ لزم البيع وإلا فسخ، وتكون الثمرة في مثل هذا البيع ان النماء المستقل، كولد الناقة وثمرة البستان، تكون للمشتري وإن أبطل المرتهن العقد لاحقاً([1])، بل يكون ارتفاع القيمة له حينئذٍ بناء على النقل فتأمل([2]).

دليل البطلان
وفي كلتا المسألتين([3]): قد يقال ببطلان البيع؛ للمرسل عن النبي صلى الله عليه واله وسلم من ان الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرفُ لأنه محجور عليه شرعاً والمحجور عليه شرعاً لا يمكن نقله، بل يمكن إدخاله في غير المقدور على تسليمه وغير المقدور على تسليمه شرعاً كغير المقدور على تسليمه عقلاً، فهو باطل.

الجواب
وقد يجاب: بان المرسل، على فرض تسليم حجيته، منصرف للتصرف المنافي لحق المرتهن، وبيعه متزلزلاً ليس منافياً له إذ له فسخه ولو ببيعه للغير المستلزم لفسخه قبل ذلك رتبةً، هذا. إضافة إلى ان الرهن وثيقة الدين، فالمصبّ والمقصد كونه استيثاقاً للدين، وهذا مما لا ينافيه البيع المتزلزل فيصح بيعه له وينتقل إليه لكنه ان فكه أو اذن استقر ولزم وإن لم يفكه ولم يسدد الراهن الدين فللمرتهن بيعه فإذا باعه كان فسخاً للبيع السابق، إذ كان متزلزلاً، فيبطل حينئذٍ لا من قبل.
لا يقال: ليس هذا البيع (أي بيع الرهن لثالثٍ) مع احتمال فسخ المرتهن ببيعه لرابع مثلاً، عقلائياً.
إذ يقال: بل هو عرفي عقلائي وفائدته: أما للمشتري (وهو الثالث) فما سبق من كون النماء له وارتفاع القيمة أيضاً، على النقل، وأيضاً: له (الاعتبار) في المجتمع إذ تعنون بعنوان انه مالك للمزرعة أو القصر أو المتجر الفلاني.
وأما للبائع وهو المديون الراهن فهو حصوله على ثمنه وتصرفه فيه بأنواع التصرفات، وإن كان لو فسخ لاحقاً وجب عليه إرجاعه لو أمكنه وكان بذمته ديناً لو لم يمكنه، وعلى أي فلا وجه لدعوى ان الملك المسوِّغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه مطلقاً.
ولأجل ما قلناه ذهب جمهور المتأخرين، حسبما نقله الشيخ، إلى كون بيع الراهن للرهن موقوفاً على الاذن.
وعلى أي فلو شك في الصحة شرعاً أو الفساد فلا مجال للتمسك بمثل (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([4]) و(وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)([5])، للصحيحي ويصح التمسك للأعمّي، ولو شك في الكمال والنقص أي في اللزوم والتزلزل بعد الفراغ عن الصحة فان قلنا بانصراف (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) للكاملة (اللازمة) وخروج المتزلزلة عنها، فلا يصح التمسك بالآيتين ونظائرهما لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وإن قلنا بالوضع للأعم وبعدم الانصراف للاخص أمكن التمسك بها لإثبات اللزوم لأنه عقد بيع عرفاً فإذا شك في لزومه وجوازه صح التمسك الآيتين لإثبات اللزوم كما سبقت نظائره.

المبحث الرابع: هل الألفاظ منصرفة للراجح أو هي أعم منه ومن المرجوح
ثم انه إضافة للبحوث الثلاثة الماضية([6]) يجري بحث رابع لكنه خاص بالانصراف لبداهة الوضع للأعم من هذا الحيث، وهو ان ألفاظ المعاملات هل هي منصرفة للحسن الراجح منها أو هي أعم منه ومن القبيح المرجوح، وذلك بعد تسليم ان المرجوح صحيح جائز لازم([7])، فتختص دائرة البحث حينئذٍ في مثل الوكالة والنيابة والولاية والقسم([8]) مثلاً فلو وكلّه في بيع أمواله فيقع البحث انه ينصرف إلى خصوص الراجح الحسن أو يشمل القبيح المرجوح أيضاً وذلك كالبيع للسفلة والادنين، وكأن يبيع غالياً ويشتري رخيصاً، وكأن يبيع للأجنبيات عنه مع اقتضائه الكلام معهن وشبهه فانه كسوابقه مكروه، وكذلك لو باع في موضع يستتر فيه العيب فانه مكروه لو لم يؤد إلى الغش وإلا حرم.
ومن الواضح انه لو كان ارتكاز على التقييد أو التعميم فلا كلام، إنما الكلام لو شك في شمول وكالته لمثل ذلك فانه بناء على أن ألفاظ المعاملات، مما كان كالوكالة، منصرفة عن المرجوح فانه لا يمكن التمسك بعمومات أدلة الوكالة لتصحيح هذا البيع وكالةً أما على الأعمّي فيصح إذ ليس تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية حينئذٍ. فتأمل

بيع الخشب ممن يشك انه يعمله صنماً
وقد يمثل لذلك ببيع الخشب ممن يشك انه يعمله صنماً، فانه لا شك في حرمة بيعه في الصور الآتية:
1- ليعمله – قيداً أو شرطاً – صنماً أو صليباً، 2- أو ممن يعلم انه يعمله صنماً أو صليباً وإن لم يكن بيعه له لأجله، 3- والحق به السيد الوالد بيعه ممن يظن انه يعمله صنماً أو صليباً وإن كان ظناً شخصياً غير حجة.
ولكن ما حكم بيعه ممن يشك انه يعمله صنماً أو صليباً ثم عَمِلَه؟ استظهر السيد الوالد الجواز قال: (وإذا باع الخشب لمن لا يعلم انه ماذا يعمل به، ثم عمل به الصنم، لم يكن البيع باطلاً، إذ الظاهر من الروايتين صورة العلم بانه يريد للصنم)([9]) والروايتان هما: (صحيحة ابن اذينة: ((قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلباناً؟ قال عليه السلام: لا))([10]) وصحيحة عمر بن حريث ((قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التوت أبيعه يصنع به الصليب والصنم؟ قال: عليه السلام: لا))([11]) والإجماع على ما قد عرفت)([12]).
وموطن البحث والشاهد: انه لو شُكّ في انه هل يشمل (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) و(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) صورة الشك؟ قد يقال لا لانصرافه عن القبيح أو المستنكر ففي كلتا صورتي الشك في جوازه وحرمته وفي انه سيعمله صنماً الشك في قبحه أو عدمه فانه لا يمكن التمسك بالآيتين على الاخصّي لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ويمكن على الأعمّي، فتأمل

مسائل تمرينية:
يكره بيع آلات العبادة كما يكره بيع العقار إلا لشراء ما هو خير منها، فلو وكله في البيع والشراء له مطلقاً فهل ينصرف عن هذه الصورة؟ وما هو حكم الولي المشترط في تصرفاته الغبطة؟
ويكره استئجار الأجير الأول مع عدم شرط المباشرة عليه، أجيراً آخر بأقل مما استأجره ولم يكن قد عمل شيئاً.
ويكره من المعاملات ما عارض الطاعات أو الواجبات.
وتكره المعاملة مع الشبهة.
ويكره الدخول في سوم المؤمن.
ويكره التعامل بين الطلوعين، وتكره زخرفة المساجد وتزويقها وأخذ الأجرة عليها، كما تكره أنواع كثيرة أخرى من المعاملات([13]).
فكيف يمكن تطبيق البحث على ذلك كله؟

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال لعبد الله بن جندب ((حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونَ مُحَاسِبَ نَفْسِهِ فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اسْتَزَادَ مِنْهَا وَ إِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ مِنْهَا لِئَلَّا يَخْزَى يَوْمَ الْقِيامَةِ))
تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ص301.

------------------------------------------------------------------------------------
([1]) هذا على النقل تامٌّ، اما على الكشف فبحاجة إلى دليل خاص.
([2]) إذ لا مجال لتوهم اللزوم إذا لم يأذن ولم يفك.
([3]) وإن كانت الثانية أهون من الأولى، لكن قد يرى الفقيه البطلان فيهما لشمول الأدلة لهما، وقد يفرق آخر بانصراف أدلة البطلان عن الثانية عرفاً. فتأمل
([4]) سورة المائدة: آية 1.
([5]) سورة البقرة: آية 275.
([6]) هل ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم؟ وهل هي موضوعة أو منصرفة للجائز أو الأعم منه ومن الحرام؟ وهل هي موضوعة أو منصرفة للكامل أو الأعم منه والناقص؟.
([7]) بل مع الجهل بالجواز وعدمه قد يجري بحث الحسن والقبح، فتأمل
([8]) إذ لا يشترط في متعلقه الرجحان نعم لا يصح كونه مرجوحاً.
([9]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه – كتاب المكاسب المحرمة –، هيئة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم للتحقيق والنشر، بيروت، ج1 ص79.
([10]) الكافي: ج5 ص226 ح2.
([11]) الكافي: ج5 ص227 ح5.
([12]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه – كتاب المكاسب المحرمة –، هيئة الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم للتحقيق والنشر، بيروت، ج1 ص73.
([13]) فراجع جواهر الكلام كتاب التجارة، وغيره.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2972
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 25 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28