• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 261- (المدار) في (المعتبر) - الفرق بين الاصل في الافعال القصدية ، وبين عدم مقومية القصد للعناوين - المعنى المصدري والاسم مصدري .

261- (المدار) في (المعتبر) - الفرق بين الاصل في الافعال القصدية ، وبين عدم مقومية القصد للعناوين - المعنى المصدري والاسم مصدري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(261)


مزيد التحقيق
ومزيد التحقيق الذي به ينجلي حال العناوين القصدية والاعتبارية أكثر، في ضمن أمور:

الاعتبار اما للشارع أو للعرف العام أو الخاص أو للشخص نفسه
الأمر الأول: ان الاعتبار إنما هو بيد من بيده الاعتبار، ومن بيده الاعتبار هو ثلاث جهات دون الرابع إلا على وجه:
الجهة الأولى: الشارع فان اعتبار الملكية والزوجية والولاية وغيرها بيده كما ان اعتبار سببيّة هذا لذاك (كسببيّة إنشاء الطلاق بالكيفية الخاصة للفرقة بينهما) بيده أيضاً فله أن يجعل لفظاً خاصاً سبباً أو يلغي سببيّته أو يعتبره أي الفراق حاصلاً بلا إنشاء كالمسبيّة أو الميت عنها زوجها أو من صيّر مسلكيها واحداً بالمقاربة قبل التاسعة أو غير ذلك.
الجهة الثانية: العرف العام.
الجهة الثالثة: العرف الخاص، والمراد به عرف أهل بلد خاص أو عرف أهل علم أو حرفةٍ أو صنعةٍ خاصة كالأطباء والمهندسين وغيرهم، وليس أي من العُرفين في عرض الشارع بل هما في طوله فانه كلما أوكله إلى العرف العام أو الخاص ولو بالسكوت كان أمر الاعتبار بيد الموكل إليه، دون ما لو تدخل فاعتبر ما لم يعتبروه أو اعتبروا عدمه أو الغى ما اعتبروه، وذلك كما في السفر إذا اعتبر تحققه وصدقه منوطاً بشروط إن تحققت فهو مسافر وإن لم يسمَّ عرفاً بالمسافر كما لو ذهب إلى أربع فراسخ ورجع مثلاً وكانوا لا يعدونه مسافراً، وإن لم تتحقق فليس مسافراً وإن سمي عرفاً مسافراً كما لو لم يقصد المسافة واسترسل في سفره.
والعرف العام هو المرجع فيما أوكله الشارع إلى العرف، كالموت باعتباره منشأً لسلسلة من الآثار كبينونة زوجته وتقسيم إرثه، فالمرجع في صدق عنوان الميت هو العرف العام لا الخاص كالأطباء، وعليه: فـ(الميت سريرياً) لدى الأطباء إذا لم يعدّه العرف ميتاً فانه لا تترتب عليه الآثار الشرعية للموت.
كما ان عرف هذا البلد وذاك هو المرجع في كونه مكيلاً أو موزوناً في بحث الربا.
الجهة الرابعة: الشخص نفسه، والأصل فيه انه ليس بيده الاعتبار اللهم إلا إذا كان ترتيب الآثار نوعاً أو عرفاً بيده فان العرف حينئذٍ قد يبنون على اعتباره، بل والشرع أحياناً، كما قد يلغونه:
فمما لم يرتب العرف والشارع الأثر عليه ولم يبنوا على اعتباره ولم يعتبروا ما اعتبره، السارق الذي يعتبر نفسه مالكاً للمسروق.
ومما رتّب العرف الأثر على اعتباره واعتبره تبعاً لاعتباره مصادرة الحاكم الجائر لأراضي الناس وغيرها أو أخذه الضرائب منهم فانه سارق لكن العرف العام قد يفرق بينهما فيعتبر هذه الأموال ملكاً للدولة دون السارق، نعم قد لا يعتبرون الدولة مالكه لو صادرته أو أخذته كضريبة وذلك يتبع مدى استتباب الأمر للحاكم وعدمه.
ومما بنى الشارع اعتباره على اعتبار الشخص في الجملة: جوائز السلاطين.

الفرق بين الأصل في الأفعال القصدية وبين عدم تقوّم العناوين بالقصد
الأمر الثاني: ان هناك فرقاً جوهرياً بين مبحث (ان الأصل في الأفعال القصدية) وبين مبحثنا وهو: (ان العناوين الواقعية لا تتقوم بالقصد) فان الأول بحث من عالم الإثبات والثاني بحث من عالم الثبوت، وتوضيحه:
انه تارةً يبحث عن ان الفعل كلما نسب إلى شخص فهو ظاهر في قصده له كما لو قلنا: (باع زيد أو طلَّق أو كسر أو نقل) فان الأصل فيه أي ظاهر النسبة انه قصده وانه لو أراد بقوله: بعت داري أو حتى قوله كسرت يد زيد مثلاً انه لم يكن قاصداً وجب عليه إقامة القرينة وإلا أخذ بظاهر إقراره، فهذا بحث في الإثبات وظاهر النسبة والحال.
وتارةً يبحث عن ان صدق العنوان في حد نفسه قد لا يتقوّم بالقصد مع قطع النظر عن ظاهر نسبته لفاعله فـ(القتل) مثلاً بما هو هو غير متقوّم بالقصد إذ يصدق ثبوتاً عنوان القتل ويصدق ثبوتاً عنوان القاتل وإن كان نائماً أو ساهياً لكنه إذا قيل قتل زيد عمراً فنسب له كان ظاهراً في انه قتله ملتفتاً عن قصد وإلا لزم إقامة القرينة كما سبق.

مقوّمية القصد في مرحلة الحمل الشائع لا في الحمل الأولي
الأمر الثالث: ثم انه في عالم الثبوت حيث القصد قد يكون مقوّماً للعنوان (كالتعظيم أو البيع وسائر الإنشائيات أو الهويّ للركوع على ما سبق تفصيله) إنما يراد بالمقوّم مقوّم الوجود لا الماهية والمفهوم، بمعنى ان القصد ليس جزء المفهوم والموضوع له بل هو شرط التحقق أي انه ليس مقوّماً للحمل الذاتي الأولي بل هو مقوّم للحمل الشائع الصناعي.
وذلك نظير الوجود للإنسان فان وجوده مقوّم له في مرحلة الحمل الشائع ومرحلة التمصدق والخارج، وليس مقوّماً لمفهومه وفي مرحلة الحمل الذاتي إذ الإنسان موضوع للحيوان الناطق لا للحيوان الناطق الموجود.
وكذلك العناوين القصدية فانها موضوعة للمفهوم وليس القصد جزء الموضوع له بل هو شرط التحقق عكس العناوين الواقعية كالكسر والجرح فان القصد ليس مقوّم الماهية ولا شرط التحقق والصدق بالحمل الشائع.

التفريق بين المعنى المصدري والاسم مصدري
الأمر الرابع: انه ينبغي التفريق بين المعنى المصدري والمعنى الاسم مصدري فالمعنى المصدري قد يتوقف على القصد دون المعنى الاسم مصدري فمثلاً: الهويّ للركوع بمعناه الاسم مصدري (أي الهيئة الحاصلة) حاصل سواء أقصده أم لا، أما بمعناه المصدري كحدث منسوب للفاعل فلا يطلق عليه أهوى للركوع إلا إذا قصده فتأمل([1])
وكذلك (ردّ الوديعة) فان المعنى الاسم المصدري (وهو انردادها – والتصريف توسّع – وكونها مردودة أو موجودة عند صاحبها المودِع) حاصل ولو بدون قصد بل حتى لو اطارته الريح فأوقعته في حضن المودِع أو سرقه سارق فأعطاه المودِع، اما المعنى المصدري فلا يكون إلا بالقصد ولذا لو نذر (ان يردّ الوديعة لصاحبها) فسرقها منه شخص وأرجعها لم يكن موفياً بالنذر إلا إذا علم من ارتكازه أن مصبّ نذره المعنى الاسم مصدري والانرداد لا المصدري والردّ، وبعبارة أخرى لو علم انه اريد من الرد – وان تقوّم بالقصد – صرف الطريقية. فتأمل وللبحث صلة.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 قال الإمام زين العابدين عليه السلام: ((اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَتَفَكَّرُوا وَاعْمَلُوا لِمَا خُلِقْتُمْ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، قَدْ عَرَّفَكُمْ نَفْسَهُ وَبَعَثَ إِلَيْكُمْ رَسُولَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَحُجَجُهُ وَأَمْثَالُهُ فَاتَّقُوا اللَّه))
تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم: ص272.

---------------------------------------
([1]) إذ قد يقال انه لمكان اللام والإضافة، وليس من جهة الفعل نفسه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3002
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 10 جمادي الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28