• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 264- أمثلة من علم الكلام للمعنى المصدري والاسم مصدري - بحث عن (ذكر اسم الله) و ( الاحسان) - هل التوصل اسم مصدر مطلقا ؟ .

264- أمثلة من علم الكلام للمعنى المصدري والاسم مصدري - بحث عن (ذكر اسم الله) و ( الاحسان) - هل التوصل اسم مصدر مطلقا ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(264)


سيّالية البحث عن المعنى المصدري واسمه إلى علم الكلام، وأهميته
الأمر السابع: ان تحقيق حال العناوين المأخوذة موضوعاً أو شرطاً للحكم من حيث كونها بما هي مصادر مأخوذة موضوعاً أو شرطاً أو بما هي أسماء مصادر، ضروري في غير الفقه والأصول أيضاً؛ فانه عميم النفع والفائدة في علم الكلام والعقائد بل وفي سائر العلوم أيضاً كعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والإدارة وسائر العلوم الاعتبارية بل والعلوم الطبيعية أيضاً إذ يجري في الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها، ونكتفي هنا بمثالين من علم الكلام لمناسبته لمباحث الفقه والأصول وعلى الباحث البحث على ضوء ثنائية المصدري – الاسم مصدري في سائر العلوم أيضاً:

الشرك عنوان اسم مصدري
فمنها: عنوان (الشرك) فانه عنوان اسم مصدري وليس بمصدري؛ فانه لو اعتقد بالتثليث مثلاً فانه مشرك سواء أعلم بانه مشرك أم جهل وسواء أقصد الشرك بذلك أم لا، بل إذا قطع بانه عين التوحيد فانه مشرك إذ الشرك عنوانٌ اسم مصدري وليس مصدرياً وثبوتي وليس إثباتياً.
ومن ذلك يظهر ان القائل بوحدة الموجود مشرك وإن توهم (أو قطع) بانه عين التوحيد. كما ان عُباد الأصنام كانوا مشركين بلا شك مع انهم كانوا يقولون (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)([1]) فعبادة الصنم وإن كانت طولية وبقصد القربة لله تعالى شرك وإن توهموه عين التوحيد بإرجاع كل شيء وكل عبادة إليه.

إنكار الضروري مصدري أو اسم مصدري؟
ومنها: عنوان (إنكار الضروري) فانه عنوان مصدري([2]) على رأيٍ واسم مصدري على رأي آخر، فمن ارتأى موضوعيته فهو اسم مصدري لديه ومن ارتأى طريقيته فهو مصدري لديه.
والحاصل: ان البعض رأى ان منكر الضروري كـ(الصلاة والصوم وأصل الحجاب) إذا عاد إنكاره إلى إنكار الأصول الثلاثة (التوحيد – النبوة – المعاد) فهو كافر فعلى هذا فإنكار الضروري قصدي – مصدري، والبعض رأى انه موجب للكفر بحد ذاته حتى وإن لم يَعُد إلى إنكار الثلاثة إثباتاً كما لو انكرت وجوب الحجاب بزعمها عدم دلالة الآيات والروايات عليه فليست كافرة حسب الرأي الأول لكنها كافرة حسب الرأي الثاني لأن إنكار الضروري موجب للكفر بمعناه الاسم مصدري فكلما تحقق منه أو منها هذا الإنكار كان كافراً وإن لم يقصد إنكار الثلاثة لفرض ان مرجعه ثبوتاً إلى إنكارها.

القضاء بالباطل وهو لا يعلم، اسم مصدري
ومنها: (عنوان القضاء من غير علم بالباطل أو الحق) فان من قضى بالباطل وهو يعلم فهو في النار ومن قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة، ولكن (من قضى بالحق وهو لا يعلم) فهو في النار كما ان (من قضى بالباطل وهو لا يعلم فهو في النار) فالقضاء وهو لا يعلم عنوان اسم مصدري موجب للدخول في النار وإن قضى بالحق، وبعبارة أخرى لا يشترط كونه ملتفتاً إلى انه باطل ليدخل النار بل عدم علمه بانه حق هو موضوع دخوله للنار. فتأمل
وعلى أي فالأدلة الدالة على ذلك دليل على الاستثناء من عدم حرمة التجري على القول به.

مبحث المصدرية واسم المصدرية من المبادئ التصديقية للأصول
الأمر الثامن: ان من الضروري عقد مبحث خاص في الأصول أو القواعد الفقهية أو في المبادئ التصديقية لعلم الأصول([3]) لتحقيق حال الأصل في العناوين وانها مصدرية أو اسم مصدرية بعد تحقيق انها في استعمالات الشارع والعرف تارة تكون مصدرية وتارة اسم مصدرية، ثم اللازم في الفقه عند التطرق لموضوعات الأحكام التدبر في كون كل منها موضوعاً بما هو اسم مصدري أو بما هو مصدري، إذ بمجموع ذلك يتنقّح حال البحث الأصولي والفقهي (والكلامي وغير ذلك) بشكل أفضل ولنضرب لذلك مثالين أحدهما فقهي والآخر من القواعد الفقهية مما أشرنا له سابقاً:

بعض الكلام عن (ذكر الله) في الذبيحة: مصدري أو لا؟
أولاً: مضى (ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة، قال تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ)([4]) فهل المراد من ذكر اسمه تعالى الذكر المصدري أو الاسم مصدري؟ فإن أريد المصدري كان الظاهر اشتراط القصد، وإن أريد الاسم المصدري فلا؛ لصدق انه مذكورٌ اسم الله عليه حتى لو سمى بلا قصد أو إذا كان الجهاز، كالمسجل والحاسوب، يبث اسم الله صدفة أثناء ذبحه)([5]) فانه لدى التدبر في كلمات الأعلام نجد ان من استظهر حرمة الذبيحة إذا لم يَقصُد ذكر اسم الله عليها وإن ذكر بلا قصد، بنى في ارتكازه على انه معنى مصدري، ومن احتمل الحِلّية أو رآها صناعةً بنى، في ارتكازه أيضاً، على انه معنى اسم مصدري وإن لم يصرِّح أيَّ منهم بذلك لكن بعد الالتفات لهذا المبحث الجديد سيظهر بوضوح بناء الاستظهار (حرمةً وحلّيةً) على ذلك الاستظهار الموضوعي (كونه اسماً أو اسم مصدر).
قال في الجواهر: (كما أنّ الظاهر اعتبار ذكر التسمية بعنوان كونها على الذبيحة، فلا يجزئ التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور، ولا أقلّ من الشكّ في حصول التسمية المعتبرة بدون ذلك والأصل عدم التذكية)([6]) والتدبر يقضي بان ذكر التسمية بعنوانها المصدري هو الذي استظهر صاحب الجواهر قدس سره كونه الموضوع للحلية، في الآية والروايات، وهو الذي بنى عليه.
وقال السيد الوالد قدس سره في الفقه: (ثم هل يعتبر ذكر التسمية بعنوان انها على الذبيحة، فلا يجزي التسمية الاتفاقية التي لم تكن بالعنوان المزبور؟ احتمالان: ذهب الجواهر إلى عدم الكفاية. أما احتمال الكفاية فهو: لأنه ليس مما لم يذكر اسم الله عليه، ولا شك ان الأحوط الأول، وإن كان الأصل عدم اشتراط([7]) الإلصاق)([8]) والتدبر يقضي بانه بنى على ان الذكر بالمعنى الاسم مصدري هو الذي استظهره ولذا اعتبر (لأنه ليس مما لم يذكر اسم الله عليه) ولا شك انه بالمعنى الاسم مصدري قد ذكر اسم الله عليه دون المصدري حسب فرض المسألة، فتحقيق ان المدار على المعنى المصدري او اسمه هو الفيصل في الأمر.

بعض الكلام عن (الإحسان) وانه مصدري أو اسم مصدري
ثانياً: مضى (ومنها: (الإحسان) ففي مثل قوله تعالى: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)([9]) هل المراد المعنى المصدري أو الاسم مصدري؟ وذلك في مثل الطبيب والقصاب والخياط مع قطع النظر عن الروايات الخاصة فيها ومثل الحمّال إذا عثر بل والصديق المتطوّع بحمل متاعك إذا عثر فانكسر المتاع)([10]) ولنشر إشارة عابرة إلى بعض الكلام حول ذلك فقد قال في العناوين: (والظاهر أنّ مصادفة الواقع شرط، ومجرد الاعتقاد بأنّه إحسان غير كافٍ، بل لا بد من كونه في الواقع دافعاً للضرر، لأنّه المتبادر من لفظ "الإحسان".
ولو زعم أنّه ليس دفع ضررٍ واتفق أنّه في الواقع في ذلك الوقت كذلك فهل يسمى ذلك إحساناً أم لا؟ فيه وجهان: والذي يقتضيه النظر: اعتبار القصد أيضاً في صدق لفظ "الإحسان" ومجرّد كونه في الواقع دفع ضررٍ لا يكفي صدق اللفظ كما يقضي به العرف)([11])
والحاصل: ان ظاهره ان (الإحسان) بمعناه الثبوتي والإثباتي والمصدري والاسم مصدري هو المدار وذلك في مثل ما لو انفق على دابة صاحبه الغائب بتوهم حاجتها إليه (مع انها كانت تغتدي على العلف مثلاً) فاتلف ماله في الإنفاق عليها مع عدم حاجتها إليه.
ولكن قد يقال: ان المدار على الواقع وكونه إحساناً ثبوتاً وعدم التوقف على النية والقصد؛ وذلك استناداً إلى ان الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية دون المتوَّهمة.
وقد يقال: ان سياق الآية بل ظاهرها يشهد على ان المدار هو القصد أو القصد والواقع معاً فلاحظ تمام الآيات في سورة التوبة (وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ))([12]) وظاهرها أو موردها هو تطابق القصد والواقع دون ما لو اختلفا، وتفصيل تحقيق الحال في ذلك موكول إلى مظانه.

 


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 قال الإمام الكاظم عليه السلام: ((مُشَاوَرَةُالْعَاقِلِ النَّاصِحِ رُشْدٌ وَيُمْنٌ وَتَوْفِيقٌ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا أَشَارَ عَلَيْكَ النَّاصِحُ الْعَاقِلُ فَإِيَّاكَ وَالْخِلَافَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْعَطَبَ))
تحف العقول: ص397
-----------------------------------------

([1]) سورة الزمر: آية 3.
([2]) أي مقيساً إلى عنوان ضروريته أو إلى إنكار الأصول الثلاثة.
([3]) والأخير هو المنصور على الضابط الذي ذكرناه في (المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول).
([4]) سورة الأنعام: آية121.
([5]) راجع الدرس (263).
([6]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج37 ص168.
([7]) الظاهر ان الصحيح (عدم الاشتراط).
([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، كتاب النذر والصيد والذباحة، ج75 ص377.
([9]) سورة التوبة: آية 91.
([10]) راجع الدرس (263).
([11]) السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، العناوين، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج2 ص478.
([12]) سورة التوبة: الآيات: 90 – 93.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3012
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 17 جمادي الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19