• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 270- تتمة اضافة الدلالة التخاطرية الى الدلالات الثلاث المعروفة - المنطق الفازي .

270- تتمة اضافة الدلالة التخاطرية الى الدلالات الثلاث المعروفة - المنطق الفازي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(270)


وجه بطلان الإنشاء بالمقارِن
سبق: (والأول: كما لو قصد الطلاق بالإشارة الصادرة منه المقترنة بقوله: (أنت طالق) فقد يقال انه لا يقع فانه وإن قَصَد لفظ الطلاق إذ الفرض عدم كونه غالطاً، وقَصَدَ معناه أيضاً لكنه لم يقصد تحققه بهذا اللفظ (لاعتقاده فرضاً ان الألفاظ لا يقع بها الطلاق، بل بالأفعال كالإشارة فقط) بل قصد تحققه بأمر آخر (كالإشارة) فتأمل)([1]).
ووجه البطلان هو: ان الطلاق يقع بالإنشاء ومع اعتقاده بان هذا الإنشاء لا يقع به الطلاق فانه لم يقصد تحققه بهذا اللفظ فكيف يقع به؟ بعبارة أخرى: ليس هذا اللفظ بنفسه إنشاءً لفرض انه لم يقصد الإيجاد به والإيجاد الإنشائي قصدي، بل هو صورة إنشاء فلا يقع به الطلاق، كما انه لا يقع بالإشارة لفرض ان الطلاق توقيفي لا يقع بالفعل بل بالكلام فقط و((إِنَّمَا يُحَلِّلُ الْكَلَامُ وَيُحَرِّمُ الْكَلَامُ))([2])، فهذا نظير قولهم: ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، فانه ما أنشَأ به([3]) لا يقع به الإنشاء وما يقع به الإنشاء([4]) لم يُنشأ به.

ووجه صحته، والثمرة
ووجه الصحة: ان التفكيك المذكور عقلي خفي، والإطلاقات([5]) شاملة لمثل تلك الصورة، والانصراف([6]) بدوي، فتأمل.
ولا يتوهم ندرة الثمرة لندرة مثل تلك الصورة، فان الثمرة سيّالة كلما اعتقد عدم تأثير أمر وكان مؤثراً أو اعتقد تأثير أمر ولم يكن مؤثراً، وقد اقترنا معاً، وذلك كما لو أجرى البيع بالمعاطاة([7]) وكان يراها غير ناقلة بل مبيحة فقط([8]) ثم اجتهد أو قلّد من يراها ناقلة وكان عين المال موجوداً فهل هي له أو هي مباحة فقط؟ وفي مطلق موارد تخالف اجتهاده مع اجتهاد من قلده أو تخالف تقليديه بعد موت الأول أو بعد عدوله للثاني، وذلك في مختلف الفروع التي أشار إليها في العروة. فتأمل

فائدة هامة: الدلالة الرابعة: الدلالة التخاطرية
حيث سبق انه لا بد في الإنشاء من قصد اللفظ وقصد المعنى وقصد المعنى باللفظ، وانه قد يقصد المعنى (مع اللفظ) لا (باللفظ) كما في المعاريض، فلا بأس بالإشارة إلى ما خطر بالبال من نقد الرأي المنطقي المعروف من ان الدلالة على ثلاثة أقسام: الدلالة العقلية والطبعية واللفظية، إذ يجب إضافة قسم رابع وهو ما نسميه بالدلالة التخاطرية أو الانتقالية.

الدلالات العقلية والطبعية واللفظية
بيان ذلك ان المناطقة قالوا (ونعتمد هنا نصوص كتاب المنطق([9]) لأنس الطلبة الكرام به، وإلا فسائر الكتب المنطقية حالها ذلك): (لا شك أن انتقال الذهن من شيء إلى شيء لا يكون بلا سبب. وليس السبب إلا رسوخ العلاقة بين الشيئين في الذهن، وهذه العلاقة الذهنية أيضاً لها سبب. وسببها العلم بالملازمة بين الشيئين خارج الذهن)([10]) وهنا نقول: ان مبنى التقسيم أي المقسم هو رسوخ العلاقة بين الشيئين والعلم بالملازمة بين الشيئين على ما ذكره، فلا يشمل القسم الرابع الذي بسطنا الكلام عنه في (فقه المعاريض والتورية) وأوجزنا الكلام عنه في الدرسين الماضيين أي لا يشمل المعاريض ولا أقساماً من التورية والكناية فمثلاً: قول الإمام الصادق عليه السلام إذ تلى الآية (( (ولا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَا تَتَّخِذُوا إِمَامَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِمَامٌ وَاحِدٌ))([11]) لا شك في انه كان بالانتقال لا بالاستعمال – كما سبق بيانه – وانه ليس من أقسام الدلالات الثلاث الآنفة المعروفة بل هو من القسم الرابع وهو الدلالة التخاطرية أو الانتقالية؛ ألا ترى انهم قالوا: (ولاختلاف هذه الملازمة من كونها ذاتية أو طبيعية أو بوضعِ واضعٍ وجعلِ جاعلٍ قسموا الدلالة إلى أقسام ثلاثة: عقلية وطبعية ووضعية.
1- الدلالة العقلية: وهي فيما إذا كان بين الدال والمدلول ملازمة ذاتية في وجودهما الخارجي، كالأثر والمؤثر)([12]) ومن البديهي ان الانتقال من الآية الشريفة (لا تتخذوا إلهين) إلى (لا تتخذوا إمامين) ليس من هذا القسم ولا من القسم اللاحق: (2- الدلالة الطبعية: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين ملازمة طبيعة، أعني التي يقتضيها طبع الإنسان، وقد يتخلَّف ويختلف باختلاف طباع الناس، لا كالأثر بالنسبة إلى المؤثر الذي لا يتخلف ولا يختلف.
وأمثلة ذلك كثيرة، فمنها اقتضاء طبع بعض الناس أن يقول: (آخ) عند الحس بالألم، و(آه) عند التوجع، و(أف) عند التأسف والتضجر. ومنها اقتضاء طبع البعض أن يفرقع أصابعه أو يتمطّى عند الضجر والسأم، أو يعبث بما يحمل من أشياء أو بلحيته أو بأنفه أو يضع إصبعه بين أعلى أذنه وحاجبه عند التفكير، أو يتثاءب عند النعاس... فإذا علم الإنسان بهذه الملازمات فإنه ينتقل ذهنه من أحد المتلازمين إلى الآخر)([13]).
ولا من القسم الثالث: (3- الدلالة الوضعية: وهي فيما إذا كانت الملازمة بين الشيئين تنشأ من التواضع والاصطلاح على أن وجود أحدهما يكون دليلاً على وجود الثاني، كالخطوط التي اصطلح على أن تكون دليلاً على الألفاظ، وكإشارات الأخرس، وإشارات البرق واللاسلكي والرموز الحسابية والهندسية ورموز سائر العلوم الأخرى، والألفاظ التي جعلت دليلاً على مقاصد النفس.
فإذا علم الإنسان بهذه الملازمة، وعلم بوجود الدال ينتقل ذهنه إلى الشيء المدلول)([14]) فانه لا تواضع بالوضع التعييني ولا بالوضع التعيّني بين الآية ومعراضها ولا بين مطلق الجمل ومعاريضها إذ أوضحنا في الكتاب أنّ المعاريض مأخوذة من (العَرْض) لا (العُرضة) وانها تقع في عرض المعنى الموضوع له اللفظ أو المستعمل فيه، وأنها تُفهم بالانتقال لا بالاستعمال ولا باصطلاح وتبانٍ، وكذلك مثل قوله: (ما أجملك) مريداً (ما أقبحك) فانه ليس من الدلالات الثلاث المعروف بل هي دلالة بالانتقال وهناك مزيد إيضاح ودفع إشكال فانتظر.
نعم قد يقال بان اللفظ، في المعاريض، داع للانتقال وليس دالاً على المنتقل إليه، لكن الظاهر انه لا مانعة جمع فانه داع للانتقال ودال عليه، لكن لا بنحو الدلالات الثلاث المعهودة كما أوضحناه، بل المراد الدلالة بالمعنى الأعم.

عدم ذكر المناطقة للدلالة الرابعة لعدم انضباطها
لا يقال: لم يذكر علماء المنطق هذا القسم الرابع لكونه غير منضبط!

الجواب: 1- بعض أنواعها منضبط
إذ يقال: أولاً: بعض أقسامه منضبطة كبعض أقسام الكناية، ككثير الرماد مثلاً وكبعض أقسام التورية كما فيما سبق من المثال. فتأمل

2- اللامنضبط أيضاً بحاجة إلى ضوابط!
ثانياً: فليكن غير منضبط، فان المنطق بجموده على المنضبطات، بقي ناقصاً غير قادر على استيعاب غير المنضبطات مع ان غير المنضبطات ظاهراً تملأ الآيات والروايات، وقد وردت في المعاريض والتورية عشرات الروايات وقد تزيد على الثلاثين، واما مفرداتها وأمثلتها من الآيات والروايات فبالألوف فكان لا بد من إحاطة المنطق بقواعدها.
والحق هو ان اللامنضبط له قواعد وضوابط لكنها من نوع آخر فمنها مثلاً في عالم التكوين، ما اكتشفه العلماء أخيراً من أن سقوط الأوراق من الأشجار والذي يكون متعرجاً فوضوياً فيما يبدو، ليس كذلك واقعاً بل تحكمه قواعد دقيقة تنظّم حركتها اللامنضبطة ظاهراً أي انها منضبطة ومهندَسة واقعاً لتسقط بشكل حلزوني منضبط.

المنطق الفازي مقابل المنطق الكلاسيكي
وأما في عالم المنطق والدلالات فنقول انه لا بد من تطوير المنطق ليستوعب مثل ما ذكر من المعاريض وغيرها مما كان بالانتقال لا بالملازمة، وقد طوّر علماء المنطق الحديث علم المنطق في الجملة بقواعد اخترعوها واسموا بعضها بـ(المنطق الفازي) الذي يقع في مقابل المنطق الكلاسيكي الذي يعتمد على الثنائيات: صحيح وغلط ومنتج وغير منتج كقولهم هذا الشكل (من الأشكال الأربعة) منتج أو لا، فإذا جمع الشروط أنتج وإلا فلا، حيث يعتمد المنطق الفازي على ثلاثيات ورباعيات فصاعداً، أي انه يعتمد على القِيمَ المتعددة لا على قيمة الإيجاب التام أو السلب التام، أي على مشككية الحقائق ونسبيتها فيكون الشيء منتجاً في الجملة غير منتج في الجملة أو صحيحاً إلى حد ما وباطلاً إلى حد ما... ولعلنا نفصل الحديث عن ذلك في (التفسير) بإذن الله تعالى ونبين ما للمنطق الفازي وما عليه، وعلى أي فان الدلالة التخاطرية هي من دائرة المنطق المتطور ومما لم يحط به المنطق المعهود.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام الرضا عليه السلام: ((صَدِيقُ كُلِّ امْرِئٍ عَقْلُهُ وَ عَدُوُّهُ جَهْلُهُ)) الكافي: ج1 ص11.

 

([1]) راجع الدرس (269).
([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص201.
([3]) وهو الإشارة.
([4]) وهو اللفظ.
([5]) إطلاقات وقوع الطلاق بقوله أنت طالق وإطلاق اشتراط القصد.
([6]) إلى قصد الطلاق باللفظ دون الإشارة المقارنة.
([7]) مع إجراءه اللفظ عفواً (لا بقصد تحقق البيع به بل مراعاةً للطرف الآخر أو لغير ذلك) أو لا بهذا القيد.
([8]) فقد قصد المعنى لكن لا بما يتحقق به.
([9]) للشيخ المظفر قدس سره.
([10]) السيد رائد الحيدري، المقرر في شرح منطق المظفر، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، ج1 ص47.
([11]) محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي، المطبعة العلمية – طهران، 1380هـ، ج2 ص261.
([12]) السيد رائد الحيدري، المقرر في شرح منطق المظفر، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، ج1 ص47.
([13]) المصدر نفسه: ص48-49.
([14]) المصدر نفسه: ص50.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3032
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 26 جمادي الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28