• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 66- الشيخ: الملكية و... اما انتزاعية او تكوينية المناقشة : شقان اخران : واما اعتبارية او تكوينية اقتضائية .

66- الشيخ: الملكية و... اما انتزاعية او تكوينية المناقشة : شقان اخران : واما اعتبارية او تكوينية اقتضائية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(66)


الشيخ: الملكية و.. إما انتزاعية وإما واقعية
وقال الشيخ: (وإن لوحظت([1]) سببا لأمر آخر - كسببية البيع للملكية، والنكاح للزوجية، والعتق للحرية، وسببية الغسل للطهارة - فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية. نعم، الحكم بثبوتها شرعي. وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية - كما يقال: الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة، نقيض النجاسة - وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع.
فأسبابها على الأول - في الحقيقة - أسباب للتكاليف، فتصير سببية تلك الأسباب كمسبباتها أمورا انتزاعية. وعلى الثاني، يكون أسبابها كنفس المسببات أمورا واقعية مكشوفا عنها ببيان الشارع.
وعلى التقديرين فلا جعل في سببية هذه الأسباب)([2]).

الأمور الأربع في كل معاملة
وحاصل كلامه هذا وما سبقه بعبارة أخرى: انه توجد في كل معاملة أمور أربعة:
(لفظ العقد) و(سببيته للنقل والملكية) و(الملكية) و(حلية التصرف به)
فالأول: لفظ العقد – ولم يذكره قدس سره – وهو أمر تكويني لأنه من مقولة الفعل فلا يتوهم انه حكم وضعي مجعول للشارع.
الثاني: السببية، وقد مضى كلامه قدس سره عنها وانها انتزاعية بل مضى نقلنا لكلماته التي تصرح بعينية السببية للحكم التكليفي([3]).
الثالث: حلية التصرفات الناقلة في البيع وحلية الاستمتاعات في الزواج وهكذا، وقد مضى أيضاً حديثه قدس سره عنه.
الرابع: الملكية والزوجية وغيرها، وهذه التي يناقشها الشيخ هنا فيقول: إن (حقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية - كما يقال: الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة، نقيض النجاسة - وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع)

المناقشة: شقان آخران: وإما اعتبارية أو واقعية اقتضائية
ولكن قد يورد عليه:
أولاً: ان المحتمل في حقائقها أربعة احتمالات وليس احتمالان:
أولها: ان تكون أموراً اعتبارية.
ثانيها: ان تكون أموراً انتزاعية.
ثالثها: ان تكون أموراً واقعية معلولة للعقود (كبعتُ وانكحت) بنحو المعلولية والعلّية التامة.
ورابعها: ان تكون أموراً واقعية مقتضَاة للعقود لا معلولة لها، أي تكون العقود مقتضِية لها لا عِلّة تامة لتحققها لذا تحتاج إلى متمِّم الجعل لتحققها، فتكون على هذا مجعولة شرعاً بالاستقلال وذلك كجعل الحجية للظواهر على مسلك متممية الجعل إذ فيها اقتضاء للحجية لكاشفيتها الظنيّة فيتمّم الشارع جهة كشفها ويجعل حجيتها الفعلية. وبعبارة أخرى: لها الحجية الشأنية تكويناً فتجعل لها الحجية الفعلية تشريعاً واعتباراً، واما العقود ففيها اقتضاء النقل والتمليك تكويناً فيجعل لها بما هو مشرّع فعلية الناقلية والتمليك تشريعاً.
والمستظهر هو الرابع الذي اغفله الشيخ وإلا فالأول الذي أغفله أيضاً.

الخلط في عبارته بين الانتزاعية والاعتبارية
ونضيف: انه قدس سره خلط في ظاهر عبارته بين الأمور الاعتبارية والأمور الانتزاعية إذ قال: (وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية) فان الاعتبارية لا تنتزع من شيء بل تعتبر فقط، نعم للاعتبارات وجهُ حكمةٍ لدى العقلاء لكنه ليس منشأ انتزاع بل منشأ اعتبار وذلك كما ان للأحكام الشرعية من وجوب وحرمة، وهي اعتباريات، وجه حكمة وهو المصالح الثبوتية في المتعلَّقات لكنها ليست منشأ انتزاع الأحكام (لذا أمكن انفكاكها عنها) بل هي منشأ اعتبارها أي هي مقتضيات لها.

الأمور اما متأصلة أو انتزاعية أو اعتبارية
وبعبارة أوضح: الأمور اما متأصلة أو انتزاعية أو اعتبارية، فالمتأصلات ما لها ما بإزاء مستقل في الخارج، وتقسّم إلى المجرد والمادي وإلى الجوهر والعرض، والانتزاعية هي ما تنتزع من حاقّ ذات الشيء من دون ان يكون لها ما بإزاء مستقل في الخارج كالإمكان للممكن والزوجية للأربعة، والاعتبارية هي ما تجعل وتوجد بلحاظ بعض المصالح أو اللحاظات في عالم الاعتبار (وهو عالم الذهن لدى التحقيق).

فرق الاعتباري عن الانتزاعي
وفرق الاعتبارية عن الانتزاعية واضح فان الاعتباري أمره بيد المعتبر فله ان يعتبر وله ان لا يعتبر، وذلك كاعتبار القيمة لهذه العملة ثم إسقاطها عن الاعتبار، وكذا اعتبار الملكية، بناء على ما أوضحناه فانه بيد المعتبر إذ للشارع، أو سائر المعتبرين، أن يعتبر الإحياء مملّكاً وله ان لا يعتبره مملكاً أو له ان يعتبر العقد مملّكاً أو لا، كما له ان يعتبره مملّكاً بشروط وقيود.
اما الانتزاعي فأمره ليس بيد المعتبر بل لو اجمع المعتبرون على عدم زوجية الأربعة وعدم إمكان المخلوق مثلاً فانه لا يغيّر من الواقع شيئاً. هذا إضافة إلى ان الانتزاعي قائم بالمنتزَع منه واما الاعتباري فقائم بالمعتبِر أو المعتبرين.
ومن الواضح ان الملكية والزوجية ليست انتزاعية بل هي اعتبارية لأن اعتبارها بيد من له الاعتبار، ويوضحه أكثر ان الانتزاعي لازم الذات اما الاعتباري فعَرضَ مفارق أو ملازم لكن لا بذاته بل حسب مشيئة معتبرِه.
وبذلك ظهر انه قدس سره حيث حصر في الاحتمالين (الانتزاعية، والتكوينية العلّية) استنتج بقوله (وعلى التقديرين فلا جعل في سببية هذه الأسباب) وظهر وجه بطلانه لوجود احتمالين آخرين لا يتم كلامه إلا بنفيهما؛ إذ إذا كانت اعتبارية صرفة أو تكوينية اقتضائية فانها تكون مجعولة أي تكون سببيتها مجعولة فانه إذا كانت الملكية اعتبارية كان جعل هذا اللفظ دون ذاك أو مطلق الألفاظ أو حتى الفعل معاطاةً، سبباً لحصولها، بيده، فيجعل سببية خصوص لفظ (أنت طالق) للفرقة والبينونة، ولفظ انكحت وزوّجت دون مثل ملكتك نفسي سبباً لحصول علقة الزوجية، وكذا الحال لو قلنا بالسببية الاقتضائية لألفاظ العقد لحصول الملكية والزوجية فان جعل السببية الفعلية يكون بيد المعتبر.
كما يرد على قوله: (فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية. نعم، الحكم بثبوتها شرعي) انه إذا التزم بانها (الملكية والزوجية.. الخ) ليست أحكاماً شرعية والتزم بانها اما منتزعة أو تكوينية، فكيف يقول بان (الحكم بثبوتها شرعي) فانه تناقض إلا ان يتجوّز بالحكم عن الإرشاد بان يريد ان الإرشاد إلى ثبوتها شرعي أو ان الكاشف عنها هو الشرع وهو خلاف ظاهر المصطلح، والحاصل انه كان الأولى ان يقول (الإخبار بها شرعي أي ان الشارع هو المخبر عنها).

مناقضة صدر كلامه لذيله فلا بد من حمل أحدهما على الآخر
كما قد يورد على الشيخ ان صدر كلامه في المبحث مناقض لآخره إذ أطلق في صدر كلامه القول بـ(بل الذي استقر عليه رأي المحققين - كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين -: أن الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، وأن كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء)([4]) وفصّل ههنا بقوله: (وحقائقها إما أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية... وإما أمور واقعية كشف عنها الشارع)([5]) فانه على مبناه من الإطلاق لا معنى للترديد مع الشق الثاني.
ويمكن الجواب بأحد وجهين: إما ان إطلاق كلامه في الصدر يحمل على تفصيله في الذيل، وإن كان لا يناسبه تشديده على الإطلاق في الصدر وفي طول المبحث، وإما ان يحمل الذيل على الصدر بان يقال بان مبناه الإطلاق وما في الصدر، واما الترديد في الذيل فهو لمجرد بيان ان هنالك محتملان مع ان الحق – لديه – ما سبق من ان الاحتمال الثاني (أمور واقعية) منتفٍ لديه. فتدبر وتأمل

تكلّفه في إرجاع الملكية إلى جواز التصرفات
كما يرد على قوله: (كما يقال: الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه، والطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل والشرب والصلاة، نقيض النجاسة) ما سبق من ان في هذا الإرجاع تكلّفاً شديداً لا نجد أحداً من العقلاء يستسيغه، وعلى اي فهو إرجاع لا وجه له مع عقلائية ثبوت معنى اعتباري هو الملكية مثلاً، ولعل ما أوقعه في ذلك ما سبق من انصراف ذهنه إلى الانتزاعية أو التكوينية فقط وحيث لم يكن انتزاعياً ولا تكوينياً اضطر إلى تأويله بذلك النحو([6]) والذي اقتبسه من الشهيد الثاني قدس سره ظاهراً، وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: ((أَحْبِبْ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ وَأَحْبِبْ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، إِذَا احْتَجْتَ فَسَلْهُ وَإِذَا سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَلَا تَدَّخِرْ عَنْهُ خَيْراً فَإِنَّهُ لَا يَدَّخِرُهُ عَنْكَ، كُنْ لَهُ ظَهْراً فَإِنَّهُ لَكَ ظَهْرٌ إِنْ غَابَ فَاحْفَظْهُ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ شَهِدَ فَزُرْهُ
وَأَجِلَّهُ وَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْكَ وَأَنْتَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْكَ عَاتِباً فَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسُلَّ سَخِيمَتَهُ وَمَا فِي نَفْسِهِ وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهِ وَإِنِ ابْتُلِيَ فَاعْضُدْهُ وَتَمَحَّلْ لَهُ)) الأمالي (للصدوق): ص323.

 

----------------------------------------------------------
([1]) أي المعاملة.
([2]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، إعداد: وتحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم - قم: مجمع الفكر الإسلامي، ج3 ص130.
([3]) ومنها قوله (أن الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، وأن كون الشئ سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشئ، فمعنى قولنا: " إتلاف الصبي سبب لضمانه "، أنه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار) (فرائد الأصول: ج3 ص126).
([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، إعداد: وتحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم - قم: مجمع الفكر الإسلامي، ج3 ص126.
([5]) المصدر نفسه: ص130.
([6]) (الملكية كون الشيء....).


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3049
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 10 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29