• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 276- توضيح البحث السابق ، والاستشهاد بإن علم الله تعالى ليس بحصولي ولا حضوري .

276- توضيح البحث السابق ، والاستشهاد بإن علم الله تعالى ليس بحصولي ولا حضوري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(276)


(الله العالم) غير مستعمل في الحصولي ولا الحضوري
د- إطلاق العالم وغيره من الصفات على الله تعالى، فان المعنى المتصوَّر منه هو العلم الحصولي خاصة أو هو والعلم الحضوري جميعاً، لكنه ليس هو المستعمل فيه والمشار إليه والملقى إلى السامع عندما يقال (الله عالم) بل غيره،
وتوضيحه: انهم قالوا ان العلم اما حصولي أو حضوري:
والحصولي: عبارة عن حصول صورة الشيء لدى الذهن أو فقل حضور صورته لديه أو الصورة المنطبعة أو غير ذلك مما يقاربه، على الأقوال، ولا شك في ان علم الله ليس بحصولي إذ ليس محلاً للحوادث وإلا كان حادثاً وليس له ذهن أو شبهه لتنطبع فيه صورة الأشياء.
والحضوري: عبارة عن حضور نفس الشيء أي ذات المعلوم لدى الذهن، كحضور([1]) الصور الذهنية لديه فان نفس هذه الصورة حاصلة في الذهن بنفسها ومعلومة له بنفسها لا بصورة أخرى عنها وإلا للزم التسلسل، ولكن علم الله تعالى ليس بحضوري أيضاً وإلا للزم عدم علمه بالأشياء قبل وجودها بداهة أن حضور شيء لشيء فرع وجوده (أو هو عينه) فإذا لم يكن موجوداً فكيف يكون حاضراً لدى أمر آخر (أو لدى نفسه)؟ وعليه: فإذا قيل بان علمه تعالى بالأشياء علم حضوري فيلزم عدم علمه بها قبل وجودها، وهو واضح البطلان بل يكون اسوأ حالاً منّا إذ اننا كثيراً ما نعلم المستقبل (كشروق الشمس غداً) لكنه بناء على ان علمه حضوري لا يمكن ان يعلمه في اليوم السابق إذ الشروق غداً غير موجود الآن فكيف يكون الآن حاضراً لديه ليكون به عالماً؟ وحيث توهم البعض ان علمه تعالى بالأشياء حضوري صار بعضهم إلى عدم علمه بها إلا حين وجودها! وخرّجه آخرون بتخريجات غريبة!
ومنه يظهر ان علمه تعالى بالأشياء هو بكيفية لا نعلمها، بل يستحيل علينا العلم بها، إذا ان علمه عين ذاته فإذا استحال علينا معرفة ذاته وكيفيتها استحال علينا معرفة علمه وكيفيته، وإذا ادعينا العلم بكيفية علمه وحقيقته فقد ادعينا العلم بكيفية ذاته وحقيقتها وهو محال.
ولا يعني ذلك التعطيل؛ إذ لا نقول بإرجاع الصفات الإيجابية إلى سلبية أي لا نقول بان العلم لا يعني إلا عدم الجهل وان الحياة لا تعني إلا عدم الموت، بل نقول الصفات الإيجابية إيجابية وهو عالم أي عالم (وليس انه ليس بجاهل فقط) لكن كيفية علمه لا نعلمها كما اننا لا نعلم كيفية كونه (داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمزايلة)([2]) لكن لا يعني ذلك إرجاعه إلى السلب.
فما نقوله هو الصراط الوسط بين ادعاء اننا نعلم علمه وكيفيته أو حقيقته وبين ادعاء ان علمه ليس بصفة ثبوت وإيجاب بل هو سلب الجهل لا غير أي لا نعقل غير السلب؛ بل نقول: اننا نعقل ثبوت العلم له لكن نجهل الكيفية.

فالمعنى المتصور (من حصولٍ وحضورٍ) غير مستعمل فيه
إذا تمهد ذلك نقول: إذا قولنا (الله عالم) فان المعنى المتصور لنا من (عالم) هو هذا العلم الحصولي والحضوري، لكنه ليس المستعمل فيه ههنا إذ ليس هو المراد إلقاؤه إلى السامع ولا هو المراد الإشارة إليه ولا هو المفنى فيه اللفظ، بل المستعمل فيه المراد إلقاؤه هو معنى آخر مشار إليه إجمالاً بعالم وانه عين ذاته وانه نوع انكشاف للأشياء لديه لا بالحصول ولا بالحضور، وهذا الملقى هو أيضاً المراد بالإرادة الجدية لمن اذعن بما قلناه وإلا انفكت الجدية عن الاستعمالية.

المطلق المراد استعمالاً بعضُه
هـ - ما سبق بيانه عند مناقشة الميرزا النائيني، من الصورة التالية وهي: ما لو جاء بالمطلق وقصد بعضه، وتوضيحه انه لو قال (أكرم العالم) وأراد إلقاء بعض معنى العالم وهو العالم العادل بهذا اللفظ، وأقام عليه القرينة وهي (العادل) لا من باب تعدد الدال والمدلول وإلا لكان ملقياً للعالم بكله ومريداً بالعادل الحصة الخاصة، بل من باب كون العادل مشيراً إلى ما قصده في مرحلة الثبوت في ذهنه عندما تلفظ بالعالم، فانه في هذا الموطن ينفك المعنى المتصوَّر وهو كلي العالِم عن الإرادة الاستعمالية وهو بعضه إذ تصور معنى العالم ككلّي طبيعي لكنه استعمله في بعضه (إذ لو استعمله في الكل لكان مع العادل من باب تعدد الدال والمدلول وهو خلاف الفرض) أي أراد إلقاء بعضه للسامع أو أشار إلى بعضه.
لا يقال: السامع إذا سمع (العالم) فقد رأى انه ألقي إليه بكامله.
إذ يقال: إذا احتمل ان المتكلم سيقيم قرينة متصلة، وذلك لحظة سماعه أكرم العالم مادام المتكلم متشاغلاً بالكلام، فانه يحتمل أحد أمرين:
الأول: ان المتكلم ألقاه به إليه ولو انه ألحقه بالعادل مثلاً لكان مشيراً بالعادل، إلى قيدٍ مستأنف فهو من تعدد الدال والمدلول.
الثاني: انه لم يرد إلقاءه به إليه بل أراد إلقاء بعضه مع إقامة القرينة عليه بقوله متصلاً به (العادل) فهي قرينة على نوع إلقاءه وان المراد إلقاؤه هو البعض خاصة وإن افاد تصور الكل لكن ليس الكل المتصوَّر هو الذي أراد إلقاءه إليه.
وإن شئت فقل: التصور مستقِرٌّ وغير مستقِرٍّ، فالمراد إلقاؤه هو التصور المستقر، وهو المسمى بالإرادة الاستعمالية، وغير المراد إلقاؤه وإن حصل في ذهن السامع هو التصور غير المستقر إذ يريدك ان تتصور (وتستقر على تصور) بعض حصص العالم، ليرتب عليه ان المطلوب جداً هو إكرام هذه الحصة، ولك ان تعبر عن ذلك بالإرادة الاستعمالية غير المستقرة قاصداً بها المعنى المتصوَّر الملقى بدواً وبالإرادة الاستعمالية المستقرة قاصداً بها المعنى المتصوَّر الملقى مستقراً. فتأمل والله الهادي إليه.
تنبيه: ما حققناه ههنا تفصيل بوجه آخر لما حققناه في مناقشتنا للميرزا النائيني إذ ذهب إلى انه إذا قصد اللفظ وعلم المعنى فقد قصد المعنى، وفي المقام فان (تصور المعنى) هو التعبير المنطقي عن العلم به (إذ العلم اما تصور أو تصديق) فهناك قلنا ان العلم بالمعنى مع قصد اللفظ لا يلازم قصد المعنى وهنا نقول ان تصور المعنى مع اللفظ لا يلازم استعماله فيه. فتدبر

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 


 قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ وَلَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلًا)) الكافي: ج2 ص362.

 


([1]) وكذا علم النفس بنفسها وقواها وآلاتها.
([2]) مذكور في شرح اصول الكافي للمازندراني ونصه: (داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة) وذُكر انه من كلام أمير المؤمنين A ولكن لم نعثر عليه في مصادر الحديث ولا في نهج البلاغة – المحقق.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3059
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 15 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19