• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 279- تحقيق الحال في صحة مطلق الانشاءات، والاقرار، والشهادتين، بدون إرادة جدية ومع الشك والاحتمال .

279- تحقيق الحال في صحة مطلق الانشاءات، والاقرار، والشهادتين، بدون إرادة جدية ومع الشك والاحتمال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(279)


تتمات: (الشهادتان غير منوطتين بالاعتقاد والإرادة الجدية
سبق: (هل شهادة الشاك تدخله في الإسلام؟ فلو كان شاكاً بالوحدانية أو النبوة فقال: الله واحد أحد أو قال محمد المصطفىّ رسول الله، أو تشهد بذلك – والشهادة إنشاء – فهل يدخل في الإسلام بذلك؟ أي هل الإسلام الذي هو تشهد الشهادتين قائم بالإرادة الجِدّيّة أو تكفي الاستعمالية؟ ومن صور ذلك ما لو أراد الزواج ببوذية مثلاً فطلب إليها ان تتشهد بالشهادتين كي تحل له وكانت شاكة فشهدت فهل تحل له؟ وذلك بعد الفراغ عن انها لو كانت مذعنة بالعدم فتشهدت فانها لقلقة لسان غير نافعة)([1]).
وتحقيقه: ان صاحب العروة ذهب إلى (مسألة- 2: يكفي في الحكم بإسلام الكافر إظهاره الشهادتين وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه، لا مع العلم بالمخالفة)([2])
ولكن الظاهر انه إذا كان إظهاره الشهادة مع العلم بالمخالفة سواء للعلم بانه قاطع بالعدم أو للعلم بانه شاك، فانه إذا تشهد الشهادتين والتزم ظاهراً بأحكام الإسلام فانه مسلم يحكم عليه بأحكام المسلمين من حقن الدم وصون المال والعرض وغير ذلك وذلك لظهور الروايات في ان ملاك الإسلام هو القول فمنها (فقد خطب النبي صلى الله عليه واله وسلم  يوم النحر بمنى فقال صلى الله عليه واله وسلم: ((أيها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض، فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلى يوم يلقون ربهم))([3]) وفي حديث آخر قال صلى الله عليه واله وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وإني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا قالوها حقنوا مني دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله‏))([4]))([5]) وهي صريحة في إناطة الإسلام بـ(قول الشهادتين) لا بالاعتقاد، وقوله صلى الله عليه واله وسلم (حسابهم على الله) ظاهر في ان واقع اعتقادهم موكول إلى حساب الله وغير دخيل في الأحكام الظاهرية، وامثال ثانية الروايتين مقيِّدة لأمثال الأولى إذ اشترطت (ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة) وقد نقل السيد الوالد ان متواتر الروايات على ذلك ومنها (وفي رواية حمران: (( الْإِيمَانُ: مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ وَأَفْضَى بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ، وَالْإِسْلَامُ: مَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنَ الْفِرَقِ كُلِّهَا، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ، وَعَلَيْهِ جَرَتِ الْمَوَارِيثُ، وَجَازَ النِّكَاحُ)([6]) وقال (الثاني والثالث: من لم يعقد قلبه لجحد أو شك، لكنه كان ملتزماً بأحكام الإسلام، ولا ينبغي الإشكال في أنه محكوم بأحكام المسلمين، إلا في بعض الخصوصيات، مثل الدعاء عليه في صلاة الميت عقيب الرابعة، وهذا هو الذي اختاره صاحب الجواهر والشيخ المرتضى والفقيه الهمداني وغيرهم، وذلك لضرورة أن المنافقين الذين: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ)([7]) والذين شهد الله بأنهم لكاذبون في ادعائهم الإيمان – كانوا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وكان يعاشرهم معاشرة المسلمين)([8]) و(قال في الجواهر: فيكون الإسلام حينئذ عبارة عن إظهار الشهادتين والتلبس بشعار المسلمين، وإن كان باطنه واعتقاده فاسداً وهو المسمى بالمنافق، بل في شرح المفاتيح للأستاذ: أن الأخبار بذلك متواترة، والكفر عبارة عن عدم ذلك)([9]).

الإقرار موقوف على الإرادة الجدية
فهذا من جهة، ومن جهة أخرى سبق (هل الإقرار مع الشك، مما يُلزَم به الـمُقِرّ؟ والكلام عن عالَم الثبوت لا الإثبات فانه لو أقرّ فادعى بعدها انه كان شاكاً فانه لا يقبل كما لا يقبل لو ادعى انه كان غالطاً أو مضطراً إلا لو أقام الدليل، فالفرض فيما لو علم انه شاك فهل يؤخذ بإقراره؟ أي هل المدار الإرادة الجدية أو تكفي الاستعمالية؟)([10]).
والظاهر ان الإقرار مع العلم بانه شاك ليس بحجة ولا يؤخذ به، وعلى ذلك بناء العقلاء، وكذا البيّنة فانه مع شكّها لا يجوز لها الشهادة ومع العلم بشكها فلا حجية لقولها، نعم لو جُهل حال الـمُقرّ والبيّنة فيؤخذ بظاهر حالهما، وظاهرُ حال الشاهد والـمُقِر انه يشهد عن علم أو اطمئنان أو حجة تامة لديه لا عن شك، فدعواه انه كان شاكاً لا تقبل فهذا من جهة ثانية..

اما الإنشاء في المعاملات ففيه وجهان
إنما الكلام في الإنشاء في كافة العقود والإيقاعات وانه من قبيل الأول فيكون نافذاً حتى إذا انفكت فيه الإرادة الجدية عن الاستعمالية؟ أو لا بل لا بد من إرادته جداً المقصود بها الجزم بإيقاع المعاملة؟ وقد سبق (الثالث: - وهو موضع البحث وما ذكر قبله كان لتعميم فائدته لعلم الكلام وغيره – لو قال بعت الكتاب بدينار، وكان شاكّاً في تحقّق الإنشاء بهذا اللفظ فهل هو بيع أو لا؟ قد يقال لا؛ لأن الإنشاء إيجاد والإيجاد غير ممكن مع الشك أي بالإنشاء شاكاً في انه يوجد به البيع أو لا؟ وقد يجاب...)([11]).
وقد يجاب أيضاً: بان الإنشاء اعتبار والاعتبار خفيف المؤونة فلا يجري فيه ما يجري في التكوينيات فانه إذا امتنع الإيجاد مع الترديد فيه فانه لا يمتنع الاعتبار مع الترديد فيه.
لكن مضى منّا النقاش في ذلك مراراً وان المحال محال في كافة العوالم، وما يستحيل خارجاً يستحيل ذهناً، والتناقض في الذهن إذا أخذ موضوعاً لحكم فانه صورته ومشير إليه وليس بواقعه أي ليس مصداقاً له أي انه تناقض بالحمل الذاتي الأولي لا الشائع الصناعي.
وعليه: فاذا استحال الإيجاد للأمور التكوينية مع التردد فيه استحال الإيجاد للأمور الاعتبارية مع التردد فيها.

الثمرة: ألوف المسائل تترتب على تنقيح ذلك
فهل من مخرج؟ سيأتي بإذن الله تعالى؛ فان هذا المبحث تترتب عليه ألوف المسائل وملايين المصاديق المبتلى بها للملايين من المكلفين إذ كثيراً ما يُجري المكلف العقد وهو شاك في استجماعه لشرائط العقود والصيغة (كأن يشك في شرطية العربية أو الموالاة لدى مقلَّده فيجريه بالفارسية اعتماداً على انه إن لم يكن يعتبر العربية فعقده صحيح وإلا فلا أو بلا هذا القيد فانه شاك ثبوتاً في تحقق البيع بذلك.
أو أجرى العقد وهو شاك في استجماعه لشرائط المتعاقدين كما لو شك انه بالغ أو لا ولم يحرز حاله بالأصل فرضاً، أو كان مميزاً وشك في وقوع عقده لشكه في رأي مرجعه في بيع غير البالغ مطلقاً أو في الأمور الخطيرة منها، وكذا حال الفضولي فانه لا يعلم ان صاحبه يجيز فيقع البيع والنقل أو لا، فلا يمكنه والحال هذه قصد الإنشاء والإيجاد إلا احتمالاً.
وكذا لو أجرى العقد مع الشك في المتعلق وصلاحيته لأن يقع مبيعاً كالشك في كونه وقفاً أو لا فيبيعه على انه ان ظهر انه ملك له غير موقوف صح وإلا فلا.                            

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم: قَالَتِ: الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عليه السلام: يَا رُوحَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ)) الكافي: ج1 ص39.

 

-----------------------------------
([1]) راجع الدرس (278).
([2]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج1 ص284.
([3]) نعمان بن محمد التميمي المغربي، دعائم الإسلام، دار المعارف – مصر، ج2 ص402.
([4]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام - قم، ج1 ص153.
([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب الطهارة، دار العلوم – بيروت، ج6 ص315-116.
([6]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص26.
([7]) سورة المجادلة: آية 16.
([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب الطهارة، دار العلوم – بيروت، ج6 ص116.
([9]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1981م، ج6 ص59.
([10]) راجع الدرس (278).
([11]) راجع الدرس (278).


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3067
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 21 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29