• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 47- الاحتياط اذا كان مفسدة سلوكية - الاحتياط في حق الغير المسقط لحقه او بمايصعب وصوله اليه .

47- الاحتياط اذا كان مفسدة سلوكية - الاحتياط في حق الغير المسقط لحقه او بمايصعب وصوله اليه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الكلام في الاحتياط المذموم وتقدم ذكر صور من الاحتياط المذموم ونضيف صوراً أخرى منها:
12- الاحتياط إذا كانت فيه مفسدة سلوكية 
الصورة الثانية عشرة من صور الاحتياط المذموم: لو كانت هنالك مفسدة سلوكية في الاحتياط، والمفسدة السلوكية تقع في مقابل المصلحة السلوكية التي ذكرها الشيخ توجيهاً لحجية الأمارات والوجه منها، فرغم أن الأمارات قد تفوت مصلحة الواقع لكن الشيخ ذكر أن مصلحة الواقع المفوَّتة تُتَدارك بمصلحة سلوك طريق الأمارات، عكس ذلك المبحث يجري هنا، فالاحتياط مذموم فيما لو كان في الاحتياط مفسدة سلوكية وإن كان الاحتياط موصلاً -أي محرزاً- للواقع، وقد شرع للتحفظ على الواقع، إلا أنه في بعض الصور قد تكون المفسدة السلوكية في سلوك الطريق راجحة على مصلحة الوصول إلى المؤدى. ومن الأمثلة كثيرة الابتلاء: 
(1)الاحتياط بالأخذ يقول المجتهد الفاسق، (2)الاحتياط بالأخذ يقول المجتهد غير الإمامي، فكلاهما ذو مفسدة سلوكية، نظير المفسدة السلوكية في الأخذ بالقياس، فلو فرض أن فتوى الإمامية كانت على محرمية الـ15 رضعة فقط، ولكن كان خصوص المخالف مفتياً بالتحريم بعشر رضعات مثلاً، فإن احتياط الإمامي بتحريمها ، إذا رضعت معه عشر رضعات، الاحتياط محرم لأنه تشريع، بل حتى تجنبها عملاً استناداً إلى قوله، فإنه مذموم وقد يقال بحرمته وقد يستدل على ذلك بـ: 
1) قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) والمخالف لمنهج أهل البيت عليهم السلام ظالم، فلو رجع الإمامي إلى المجتهد المخالف أو الفاسق فإنه يكون من الركون للظالم، لأن الركون في اللغة هو الاعتماد، فإذا اعتمد على رأيه كفتوى كان ركوناً، وكذا لو احتاط عملاً استناداً لرأيه فإنه ركون، لأن الركون بمعنى الميل والاحتياط استناداً لرأيه يعدّ ميلاً. 
وقد يعترض على هذا الاستدلال، بأن الركون فسر بالمودة والنصيحة والطاعة، والأخذ برأيه ليس بمودة ولا نصيحة ولا طاعة. 
ولكن هذا الإشكال عليل لأن تفسير الركون بأحد الثلاثة هو تفسير بالمصداق، و(الركون) لغة وعرفاً، أعم، وقد فسر أهل اللغة الركون بالميل، وكذا فسروا (تركن) في الآية الشريفة (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) بـ: تميل. 
2- كما قد يستدل على ذلك برواية عن علي بن سويد قال (كتب إليَّ أبو الحسن (عليه السلام) وهو في السجن: وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك؟ لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين، الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب الله جل وعلا فحرفوه وبدلوه، فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة الشيعة إلى يوم القيامة) فهل يجوز الاحتياط بالقول برأي من لعن، أو بالأخذ عملاً برأيه؟ بل النهي صريح بـ(لا تأخذن معالم دينك...) والتعليل بـ(فإنك إن تعديتهم..) دالّ أيضاً. 
13- الاحتياط المسقط لحق الغير 
الصورة الثالثة عشرة من صور الاحتياط المذموم: الاحتياط في حق الغير بما يسقط حقه أو يصعِّب عليه الوصول إليه، وذلك مثل أن لا يكتفي القاضي من المدعي بشاهدين ويطلب منه شهوداً أكثر احتياطاً، فإنه مذموم وقد يحرم، لأنه قد يسقط حقه أو يصعِّب عليه الوصول إليه، مع أن الشارع قد شرّع طلب شاهدين فقط. قال تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) فإن المتفاهم العرفي من (استشهدوا شهيدين) أنه لو شهد شاهدان لوجب القبول بل إنه لو لم يأمر بالقبول لكان الأمر بالاستشهاد شهيدين لغواً جل عنه المولى، نظير الاستدلال بقوله تعالى: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ، على أنه لو أوجب الله الإنذار ولم يوجب الحذر، لكان إيجاب الإنذار لغواً جل عنه المولى، وكذلك قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فلو أن الله أمر بالإشهاد ولم يأمر بالقبول لكان الأمر بالإشهاد لغواً. 
ولكن هذا الاستدلال قد يورد عليه بأن الأمر بالإنذار وإن لم يقارنه إيجاب الحذر وكذا لأمر الإشهاد وإن لم يقترن به الأمر بالقبول، فقد يقال إنه ليس بلغو 1- لوجود الفائدة ولو في الجملة لأن الإنذار كثيراً ما يوجد الاطمئنان فإنه كثيراً ما يحصل للمنذَرين العلم أو الاطمئنان، فتشريع الإنذار ليس لغواً وإن لم يشرَّع معه وجوب الأخذ به بما هو هو وإن لم يوجب الاطمئنان. 
2- ولتراكم الاحتمالات (حتى فيمن لا يحصل له العلم أو الاطمئنان بمجرد الإنذار) من خلال سماع هذا المنذر وذاك وذلك، فلو سمع الإنذار وجب عليه الفحص فيحصل له عادة الاطمئنان حينئذ. 
وهذا الاعتراض بنفسه يجري في الاستدلال على وجوب قبول الشاهدين، وإلا لزمت اللغوية، فتأمل.
وعلى أية حال فإن الاستدلال بالظهور العرفي لا يرد عليه ذلك الإيراد، لأن المتفاهم عرفاً أنه حيث إن الشارع شرع الإشهاد فقد وجب القبول أيضاً. 
بقيت صور أخرى من الاحتياط المذموم يأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=307
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 1 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23