• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 49- الدليل الاول على جواز الاحتياط : برهان الغرض .

49- الدليل الاول على جواز الاحتياط : برهان الغرض

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
أدلة جواز الاحتياطكان الكلام في جواز الاحتياط كقسيم للاجتهاد والتقليد، أما الوجوه التي ذكرت للقول بجواز الاحتياط، فهي: 
1- برهان الغرض الوجه الأول (برهان الغرض): ويتوقف على بيان مقدمات أربع نستلخص منها نتيجتين: 
أ‌- أفعال الشارع معللة بالأغراض 
المقدمة الأولى: إن أفعال الشارع المقدس ومنها أحكامه معللة بالأغراض، وذلك لا للامتناع الذاتي في كونها بلا أغراض، بل لامتناع الوقوع أي بالنظر لحكمته، توضيح ذلك: إن الشارع مالك وقادر وله أن يتصرف في ملكه كما يشاء حتى بدون وجود غرض فلا امتناع ذاتي إذ لا هو محال ولا يستلزم بذاته محالاً، إلا أنه يمتنع وقوعاً بالنظر لحكمته، لأن الشارع حكيم والحكيم لا يضع الشيء إلا في موضعه، لذا لا يعقل بالنظر لحكمته أن يشرع تشريعاً عبثياً، وهذه الحقيقة نعتبرها كأصل موضوعي وتحقيقه في محله في علم الكلام والأدلة عليه من العقل والنقل كثيرة كما أن الضرورة والفطرة تقتضيه، وتفصيلها هناك، لكن نشير إلى آيتين فقط: أ- قوله تعالى (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاَتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) فالآية الشريفة نفت اتخاذ الله اللغو بقول مطلق، وهذه كبرى، أم الصغرى، فإن التشريع بلا غاية نوع من اللهو واللغو. 
ب- قوله تعالى (أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) إذن الخلق لهدف وغاية فلا يمكن أن تكون التشريعات التي تنظم كافة جوانب حياتهم لا لغرض و لا لهدف أو غاية. 
ب- الأغراض هي الوصول للمصالح المقدمة الثانية: إن الأغراض في تشريعات الشارع، على مسلك العدلية، هي المصالح والمفاسد الكامنة في المتعلقات. 
أما الأوامر الامتحانية حيث لا يوجد غرض ومصلحة في المتعلق فهي نادرة أولاً وهي خلاف الأصل ثانياً، إضافة إلى وجود الغرض فيها حيث إنه في نفس الأمر لامتحان العبد مثلاً وإن لم يكن الغرض في المتعلَّق، وهذه المقدمة نأخذها أيضاً كأصل موضوعي يبحث في محله من علم الكلام، وإذا بحثت في علم الأصول فلكونها من المبادئ التصديقية لعلم الأصول فإن المقدمات تمهد في علوم أخرى. 
والأدلة النقلية على ذلك كثيرة نشير ههنا إشارة لبعضها منها قوله تعالى (يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) إذن (الطيبات) هي متعلق (يحل) والخبائث هي متعلق (يحرم) فلم يكن التحليل والتحريم عبثاً بل كان لمصلحة ومفسدة في المتعلقات وعلى أي فإن القاعدة هي أن (تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية) فتعليق الحل على الطيب مشعر بكون الطيب علة للحل وهي أصل موضوع وقد ذكرنا في كتاب المبادئ التصورية والتصديقية المائز بين (المبدأ التصديقي) وبين (المسألة)، ولا يتوهم أن (مشعر) مضعف، إذ الإشعار بالعلية في قبال الاقتضاء، أما (الاقتضاء) فلا ريب فيه. 
ج- لا موضوعية للاجتهاد والتقليد 
المقدمة الثالثة: إن الاجتهاد والتقليد طريقان عقلائيان أمضاهما الشارع ولا موضوعية لهما ولا وجوب نفسي لهما ولا مصلحة سلوكية ، وهذه المقدمة تنقح في الأصول وفيها خلاف بين الأصوليين فإن المشهور يرى أن الاجتهاد والتقليد وجوبهما غيري والبعض كالفيض والمقدس الأردبيلي يرون وجوبهما نفسياً، فلو قلنا كما قال المشهور فيكون التعلم مقدمة لإثبات المدعى. 
هذه هي المقدمة الثالثة وملخصها: أنه لا دليل على أن الاجتهاد والتقليد الممضيان شرعاً، هما بشرط لا عن الطريق الثالث وهو الاحتياط، نعم هما بشرط لا بالقياس لسائر الطرق كالقياس والأحلام وطيران الغراب وجريان الميزاب والرمل والاسطرلاب، فلا يصح أن يستند إلى هذه الأمور في الفقه، والحاصل أن طريق الاجتهاد والتقليد بشرط لا بالنسبة لهذه الأمور لوجود دليل، لكنهما لا بشرط من جهة الاحتياط. 
د- الاحتياط طريق إحراز قطعي المقدمة الرابعة: إن الاحتياط طريق قطعي لإحراز تلك الأغراض التي تعلل بها أحكام الشارع، فإذا كان الطريقان الظنيان (الاجتهاد والتقليد) مبرئان للذمة فما بالك بالطريق القطعي. 
نتيجتان لبرهان الغرضفإذا تمت هذه المقدمات أنتجت نتيجتين:الأولى: لا يعقل أن لا يجيز الشارع العمل بالاحتياط مع تمامية تلك المقدمات الأربعة وسيأتي أن هناك بعض القيود لجواز العمل بالاحتياط ومعها ستكون النتيجة مقيدة ومع التقييد ستخرج تلك الصور الستة عشرة من الاحتياط المذموم وبذلك نقيد إطلاق كلام الشيخ الأنصاري (إن الاحتياط حسن على كل حال) نعم هذا الدليل لو تم بمقدماته الأربع، ولم تتم أدلة القيود، سيكون إطلاقه في محله، هذه هي النتيجة الأولى وهي نتيجة تكليفية وكلامية: الشارع يوجب الاحتياط ولا يعقل أن يحرم الشارع الاحتياط. 
النتيجة الثانية: وهي نتيجة وضعية وهي أنه لا يعقل أن لا يسقط أمر المولى مع تحقق غرضه، لأن الأمر معلول للغرض فإذا أراد المولى رفع العطش وقال لعبده ائتني بالماء فجاءه العبد بإناء ماء وإناء عصير، احتياطاً فشرب الماء وارتفع عطشه، فهل يعقل أن يبقى أمره بالاتيان بالماء؟ 
إذن النتيجة الثانية هي أن العبد لو عمل بالاحتياط فالأمر ساقط لا محالة. 
مناقشة مع (المهذب) من ذلك يتضح أن ما قاله السيد السبزواري في المهذب يحتاج إلى تتميم وليس على إطلاقه، حيث يقول في الاستدلال على أن الاحتياط لو عملت به فهو مسقط للعقاب (لأنه مع صحة العمل ومطابقته للواقع لا وجه للعقاب إن سقط الأمر) أي امتثل الأمر. 
لكن هذا الكلام بمفرده ليس بتام، توضيح ذلك: هناك أمران ووجهان لابد أن ينفيا من قبل، حتى يتم هذا الاستدلال إذ يمكن أن يقال بوجود وجهين للعقاب رغم صحة العمل والمطابقة: الوجه الأول: القول بالمصلحة السلوكية في سلوك طريق الاجتهاد والتقليد، فلو قلنا بهما ولكنه احتاط وأدرك الواقع، فرغم ذلك يوجد وجه للعقاب لأنه فوَّت المصلحة السلوكية لأن تمام المطلوب هو (إدراك الواقع عن طريق الاجتهاد والتقليد) لا إدراك الواقع فقط. 
الوجه الثاني: القول بالوجوب النفسي للاجتهاد والتقليد مع القول بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص (الاحتياط) فهذا وجه جديد للعقاب وهو أنه نهي عن هذا القسيم. 
إذن ينبغي أن ينفى الوجوب النفسي للاجتهاد والتقليد أو يقال بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، وإن لم ننفِ الوجوب النفسي. 
أو يقال (وهذا مخلص ثالث من الإشكال) أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده لكن النهي هنا مقدمي فلا عقاب عليه، فتأمل. 
إذن كلام المهذب يحتاج إلى تتميم ، وإذا علمنا أن مدار هذا البرهان هو الغرض فتكون النتيجة أن الاحتياط هو المبرء للذمة بشرط نفي الوجوب النفسي أو المصلحة السلوكية للاجتهاد والتقليد.ولكن لو لم يحقق الاحتياط الغرض فهل هو مطلوب؟الجواب: كلا، لكونه صرف طريق، فإذا لم يكن موصلاً فليس بمطلوب والموارد الست عشر المتقدمة المذمومة كانت إما من هذا القبيل أو من باب التزاحم فتأمل، وللكلام صلة تاتي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=309
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 3 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23