• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 82- الثمرة الرابعة: الأحکام الوضعیة تورث وتُنقل وتُسقط، عكس التکلیفیة .

82- الثمرة الرابعة: الأحکام الوضعیة تورث وتُنقل وتُسقط، عكس التکلیفیة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(82)


ومزيد تحقيقه: انه بناء على ثبوت الأحكام الوضعية، فان الصبي ضامن إذا كسر زجاج الغير مثلاً، وكذا المجنون والعاجز والمكرَه والمضطر على ما سبق بيانه وعليه: فمن الثمرات:
أ- حصول التهاتر القهري([1]) إذا كسر المتلَف عليه([2]) زجاج الصبي مثلاً.
ب- صحة التقاصّ منه، بعد قبول كلي التقاصّ منه في مثل هذا المورد بلا إذن من حاكم الشرع أو معه، بان يكون للمتلَف عليه إن لم يكن له طريق إلى أخذ العوض من الصبي، كما لو عصى وليّه من الدفع من ماله، ان يأخذ من ماله، خِلسةً، بقدر ما أتلفه الصبي، نظير ما إذا سرق منه شخص ولم يكن له طريق لاسترجاعه منه إلا التقاص.
ج- صحة تسديد ما عليه من الدين، من الخمس والزكاة إن كان مستحقاً لأحدهما بان يدفع له من عليه الخمس، من سهم السادة إن كان الصبي أو العاجز منهم، ليسدد به دينه أو من سهم الإمام بعد الإذن، أو ان يسدد عنه مباشرةً، عكس ما لو لم نقل بالحكم الوضعي فانه لا شيء بذمة الصبي حينئذٍ أي انه ليس مديناً فلا وجه لدفع الخمس عنه أو له، وكذلك حال البذل عنه مِن ردّ المظالم.
د- انه – بناء على الحكم الوضعي – يتعلق به الخمس كما افتى به المشهور نعم يخيّر بين أن يدفع عنه الوليّ حالاً أو يدفع هو حين البلوغ، أما على نفي الحكم الوضعي فلا ملكية له للأربعة أخماس كما لا يصح القول بان الخمس لم يدخل في ملكه، بل مجرد جواز التصرف وعدمه.
لا يقال: ان للشيخ ان يتفصى عن ما سبق بالقول بان الحكم الوضعي ثابت حالاً (في مثال الصبي) منتزعاً من الحكم التكليفي اللاحق حال البلوغ.
إذ يقال: أولاً: صغرىً بان الشيخ لا يرى الانتزاع كما سبق تحقيقه وإن عبّر عنه بذلك ضمناً بل يرى مجرد تعدد الاسم فراجع، فإذا كان التكليفي لاحقاً (حين البلوغ) كان الوضعي حينه أيضاً لأنه عينه أو هو اسم آخر له تُجوّز به عنه.
ثانياً: كبرىً بانه لا يعقل ان يكون الأمر الانتزاعي حالياً والمنتزع منه استقبالياً؛ لتلازمهما قوةً وفعلاً كعامة المتضايفين فانهما متكافئان قوة وفعلاً، وذلك لبداهة انه لا يعقل ان تكون الزوجية مثلاً موجودة حالياً مع كون منشأ انتزاعها وهو الكتابان مثلاً مما يوجدان غداً.
الثمرة الرابعة: ان الأحكام الوضعية تُورث ويصح نقلها وإسقاطها، في الجملة، عكس الأحكام التكليفية، ولذلك أمثلة كثيرة:
فمنها: حق الخيار، فانه يورث لأنه (ما ترك الميت فلورثته) وهو الضابط في الإرث وهو يعمّه، ويصح نقله بصلح وشبهه، كما يصح إسقاطه، ولا يصح شيء منها بناء على انتزاع الأحكام الوضعية من التكليفية؛ إذ الحكم التكليفي لا يورث ولا يُنقل ولا يُسقط لأن أمره بيد الشارع، ولأنه ليس (مما ترك) عكس الحكم الوضعي الذي سلطه الشارع عليه أو فقل انه أوكل أمره، في الجملة أي في بعض الأحكام الوضعية، للمكلف، وعليه فإذا لم يورث الحكم التكليفي وكان الوضعي منتزعاً منه فكيف يورث وهو قائم بالتكليف؟
ومنها: حق الرهانة، فانه يورث ويسقط وقد يقال بانه ينقل أيضاً على كلام فصلناه في (البيع).
ومنها: حق الشرط.
ومنها: حق التحجير بناء على إفادته الحق دون الملك، فانه بناءً على وجود الحكم الوضعي فحق التحجير حكم وضعي ثابت فيُورث ويُنقل ويُسقط، واما على عدمه فلا إذ ليس إلا الجواز (جواز التصرف فيما حجّره) وقد سبق ان الحكم التكليفي لا يورث ولا ينقل.
ومنها: حق الشفعة بشروطها الخمسة (ككونها بين شريكين، بنحو الاشاعة... الخ) قال المحقق اليزدي (ومنها: ما ينتقل بالموت، ويجوز إسقاطه، ولا يصح نقله كحق الشفعة على وجه)([3])
ومنها: حق القصاص، فانه يورث بناء على ثبوت الحكم الوضعي وانه منه لأنه (مما ترك)، واما على نفيه وكونه من الحكم التكليفي فلا يورث بل لا بد من الاستناد إلى دليل مستقل يدل على جواز قصاص الحفيد من قاتل جده إذا مات أبوه قبل ان يقتص مثلاً.
ومنها: حق القسم، فان للزوجة نقله، بصلح أو هبة معوضة أو جعالة دون البيع على المشهور، إلى ضرتها (لا إلى الأجنبية كما هو واضح) كما لها إسقاطه، وواضح انه لا يورث، فهذا على الحكم الوضعي دون التكليفي.
تنبيه: افتى بكون الأمور الماضية (حق الخيار، حق القصاص، حق الرهانة، حق الشرط، حق التحجير) مما تورث وتنقل وتسقط بالإسقاط، جمع من الأعلام منهم صاحب العروة في حاشيته على المكاسب قال: (ومنها: ما يصحّ نقله وإسقاطه، وينتقل بالموت أيضا كحقّ الخيار، وحقّ القصاص، وحقّ الرّهانة، وحقّ التحجير، وحقّ الشّرط ونحو ذلك)([4])، ومنهم السيد الوالد، وهو المختار وقد نقحنا الكلام عن ذلك في بحث المكاسب، كما فصلنا الكلام عن صحة نقلها بالصلح والهبة المعوضة وغيرها، واما بيعها ففيه كلام مطول والمختار الصحة، فراجع.
ومنها: كافة الحقوق المستحدثة كحق التأليف والطبع وبراءة الاختراع وحق الخلو (على وجه) وغيرها فانها بناء على ثبوت الأحكام الوضعية هي حق وحكم وضعي فتورث اما على نفيها فلا معنى لإرثها فلا يكون للورثة حق في كتاب والدهم مثلاً ولا في ما حصل عليه من براءة الاختراع.. إلى غير ذلك.
الثمرة الخامسة: دوام الحكم الوضعي في البيع وغيره، بعد تغير رأي المقلّد أو موته أو العدول إلى غيره عكس الحكم التكليفي، كما سيأتي. فانتظر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 قال الإمام الرضا عليه السلام: ((رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَحْيَا أَمْرَنَا، قُلْتُ: كَيْفَ يُحْيِي أَمْرَكُمْ؟ قَالَ: يَتَعَلَّمُ عُلُومَنَا وَيُعَلِّمُهَا النَّاسَ فَإِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا)) عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج1 ص307.

 

-----------------------------------
([1]) وهو سقوط الدينين بالتقابل.
([2]) أي الذي كسر الصبيُّ زجاجَه.
([3]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية كتاب المكاسب، مؤسسة طيبة لإحياء التراث – قم المقدسة، ج1 ص282.
([4]) المصدر نفسه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3094
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 8 رجب 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19