• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 50- برهان الغرض اخص من المدعى ولايفيد جواز الاحتياط في الجملة .

50- برهان الغرض اخص من المدعى ولايفيد جواز الاحتياط في الجملة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الكلام في وجوه القول بجواز الاحتياط كقسيم للاجتهاد والتقليد، وقد تقدم الوجه الأول. 
2- دليل الاخباري على الاحتياط بعد تعديله 
الوجه الثاني: وهو الذي ذهب إليه الاخباريون واستدلوا به على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية، ذلك الوجه بعينه بعد الإجابة عنه بأنه لا يكفي للدلالة على الوجوب، يكون بعينه دليلاً على الجواز وعلى الحسن، وكان الأجدر بالاخباريين أن يتخذوه دليلاً للجواز لا للوجوب، وتقرير الدليل: 
مقومات دليل الاخباري الأربعة 
إن دليلهم مركب من مقدمات: 
الأولى: لا ريب في وجود علم إجمالي بمحرمات كثيرة في الشريعة، وقد قال تعالى (وما نهاكم عنه فانتهوا). 
الثانية: لا ريب في حكم العقل بأن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، وهذه تكون كبرى للمقدمة الأولى، فيجب الاجتناب عن كل أطراف الشبهة وعن كل المحتملات وبموجب هذا العلم الإجمالي يجب علينا الاحتياط. 
الثالثة: إن الأدلة الاجتهادية التي قامت على حرمة أشياء معينة كالخمر والخنزير والميتة وأمثالها، لا تنفي حرمة غيرها، فإن اللقب لا مفهوم له، فلو اقتصرنا في التجنب عما قام دليل على حرمته فقط لما حصل يقين بالبراءة إذا اقتحمنا سائر ما يحتمل حرمته، والاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية. 
الرابعة: أما لو قام دليل اجتهادي على الحلية فهنا لا عقوبة قطعاً، كما لو قام الدليل على حلية شرب الماء فهنا براءة يقينية. 
إذن فالاخباري يفصل ويقول فيما لم يقم الدليل على حليته بوجوب اجتنابه، والأصولي يقول ما لم يقم دليل على حليته هو مجرى البراءة، والعلم الإجمالي منحل بعد الفحص والعثور على مقدار معتد به، مطلقاً أو بعد الفحص حتى عن سائر ما بقي وعدم العثور على دليل على الحرمة كما أسلفناه، لكن الاخباري يقول هذه شبهة مقرونة بالعلم الإجمالي السابق وهذا العلم الإجمالي السابق منجز ووجود أدلة اجتهادية على موارد التحريم لا تنفي حرمة سائر الموارد ولا تلغي وجود العلم الإجمالي، كما لا تسقطه عن التنجيز، فهذه خلاصة كلام بعض الاخباريين على وجوب الاجتناب في الشبهة التحريمية، مثلاً التبغ محرم حسب كلامهم، لأننا نعلم بوجود محرمات في الشريعة كثيرة استدعت وجوب الخروج عن عهدة التكليف بها، بالاجتناب، ولم يدل دليل اجتهادي بخصوصه على حلية التبغ والأدلة على تحريم محرمات خاصة لا تنفي حرمة غيرها ولا تدل على أنها بشرط لا، إذن يجب الاجتناب عن التبغ. 
وبعبارة أخرى: خلاصة كلامهم أن الأدلة على قسمين الأدلة المثبتة للحرمة في موارد والأدلة النافية للحرمة في موارد أخرى، والأدلة المثبتة للحرمة في موارد لا تنفي الحرمة في غيرها إلا بأحد وجهين: 
الأول: الالتزام بمفهوم اللقب ولا نلتزم به. 
الثاني: الالتزام بالدلالة الالتزامية لهذه الأدلة الاجتهادية مشفوعة بالعلم الإجمالي السابق، بمعنى أنه عند ملاحظة وجود العلم الإجمالي ووجود أدلة تحريم محرمات خاصة نظن بأنه لا محرم آخر، لكن هذا الظن لا يغني من الحق شيئا فالعلم الإجمالي منجز، أما في ما لو قام دليل على الحلية فإنه وإن كان دليلاً ظاهرياً إلا أنه يوجب الأمن من العقوبة قطعاً فمؤدى الدليل ظني لكن حجية الدليل الاجتهادي قطعية. 
الجواب: الاحتمال الباقي ليس ناشئاً من العلم الإجمالي، وقد يورد عليهم بوجوه - لا يهمنا التعرض لها - لكن نشير إلى أحدها بإيجاز: 
إن الانحلال على قسمين: 
الأول: الانحلال مع بقاء الاحتمال والثاني: الانحلال مع انتفاء الاحتمال، توضيح ذلك: إذا كان قطيع غنم من 100 شاة بيضاء و50 سوداء وحدث علم إجمالي بحرمة عشرة منه، فإنه يقتضي تجنبها جميعاً من باب شبهة الكثير في الكثير، فلو أننا بعد ذلك علمنا بأن تلك العشرة المشخصة هي المحرمة فهل هذا انحلال مع بقاء الاحتمال في بقية الأطراف أم بدون بقاء الاحتمال؟ والجواب: نعم هناك احتمال لكنه ليس ناشئاً من هذا العلم الإجمالي بل هو احتمال بدوي ناشيء من احتمال أن يكون المحرم هو 12 شاة وليس 10 شياة مثلاً. 
وعلى أي فإن هذا الاحتمال غير ناشيء من العلم الإجمالي فهو ليس بمنجز، لكن الاخباري انطلق من العلم الإجمالي فاستدل به على التنجز، ولم يلاحظ أن الاحتمال هنا بدوي، والحاصل أن هنا انحلالاً مع انتفاء الاحتمال الناشيء من العلم الإجمالي لكن مع وجود الاحتمال في الشبهة البدوية، لكنه غير منجز كما لا يخفى وإن بقي معه الاحتياط حسناً، لكنه ليس بواجب قطعاً. 
إذن ينبغي أن نفرق بين الاحتمال الناشيء من العلم الإجمالي الذاهب بذهابه، وبين الاحتمال الوجداني الموجود بعد انحلال العلم الإجمالي. 
تعميم الآخوند دليل الاخباريين للشبهة الوجوبية 
ثم إنه قد استدل الاخباريون بهذا الدليل على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية، وأضاف الآخوند لكلامهم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية (وركب هذا الدليل على الشبهة الوجوبية). 
بعض الأعلام أشكل على الآخوند بأن كلامه ليس بدقيق وأن كلام الشيخ في الرسائل أدق لأنه تقيد بحرفية كلام الاخباري ولم يسند إليهم ما لم يقولونه ولم يلتزموا به، لكن الظاهر عدم ورود هذا الإشكال على الآخوند لأنه يقول إن دليل الاخباري على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية بعينه جارٍ في الشبهة الوجوبية فالملاك نفس الملاك فلذا عمم، فهو لا يسند التعميم للاخباري، لكنه يقول دليلهم ملزمٌ لهم بالتعميم إذا كان دليلهم صحيحاً، اللهم إلا إذا دل دليل على عدم الوجوب في خصوصها. 
وقد ذكرنا كلام الآخوند ودافعنا عنه، لأن المدعى هو جواز وحسن الاحتياط مطلقاً في الشبهة التحريمية والوجوبية، ولذا ذكرنا أن دليل الاخباري وملاكه أعم، وحيث أشكلنا عليهم ورفضنا كلامهم واستدلالهم على وجوب الاحتياط، بالانحلال، فيبقى الجواز. 
هل هذا الدليل أخص من المدعى؟ 
قد اتضح أن دليل الاخباري تام الدلالة على الجواز وحسن الاحتياط، لكن قد يقال إن هذا الدليل أخص من المدعى، لأنه أفاد جواز الاحتياط على رأينا ووجوبه على رأيهم، لأنه أفاد جواز الاحتياط في خصوص الشبهة الوجوبية والتحريمية أي في أطراف العلم الإجمالي، لكنه لا يفيد الوجوب أو الجواز في الشبهات البدويه، لأنه انطلق من العلم الإجمالي، ومدعانا هو حسن الاحتياط على كل حال حتى في الشبهات البدوية إذن قد يستشكل بأن الدليل أخص من المدعى. 
والجواب: كلا ليس الدليل أخص من المدعى، لأن كافة مواطن الشبهات البدوية هي من أطراف ذلك العلم الإجمالي الكبير، إذ لا توجد شبهة وجوبية أو تحريمية إلا وهي من أطراف ذلك العلم الإجمالي، ومرجع هذا أنه لا شبهة بدوية إلا وهي من - أو كانت من - أطراف العلم الإجمالي، فتأمل. 
والحاصل: أنه إذا انطلقنا من الإجمالي فإنه يفيد -على رأي الاخباري- وجوب التجنب عن كل محتمل للحرمة (ووجوب فعل كل محتمل الوجوب على تعميم الآخوند) لأن كافة الأطراف هي محل الاحتمال المنبعث عن العلم الإجمالي اللهم إلا في المستجد من الأفعال أو المستجد من الجواهر، وللكلام صلة تأتي إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=310
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 6 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23