• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 86- مناقشة مع الميرزا النائيني في دليله مناقشة مع صاحب العروة في تفصيله .

86- مناقشة مع الميرزا النائيني في دليله مناقشة مع صاحب العروة في تفصيله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(86)


مناقشات مع الميرزا النائيني
ولكن يرد عليه:

1- لا تصويب بناء على ان الحجية هي المنجزية والمعذرية
أولاً: مبنىً؛ بان الحجية إذا كانت بمعنى المنجزية والمعذرية، كما ارتأه الآخوند، فانه لا يستلزم التصويب أبداً إذ التنجيز والإعذار ليسا بحكم بل هما أمر لاحق للحكم، بل هما من دائرة الكلام لا الفقه؛ إذ الحكم هو مرتبتا الإنشاء والفعلية، أو الإنشاء خاصة، واما التنجيز فهو لاحق به إذ انه يعني استحقاق العقاب بالمخالفة إن طابقت الحجة الواقع وعدم استحقاقه إن خالفت وهو المسمى بالاعذار واستحقاق العقاب وعدمه ليس بحكم كما هو واضح، وعليه: فيكون الحكم الواقعي ثابتاً كما هو، غير متغير بمطابقة رأي المجتهد له أو مخالفته، بل المتغير هو التنجيز والإعذار ففتوى الأول إن طابقت الواقع فهي منجِّز وفتوى الثاني معذِّر، أو بالعكس فبالعكس، وإن خالفتاه فكلتاهما معذِّر.

ولا تصويب بناء على انها الكاشفية
وكذلك إذا قلنا بكون الحجية بمعنى الكاشفية وان الحجة يعني الكاشف فان كان تاماً لم يحتج إلى متمِّم الجعل والكشف وإلا احتاج، وهذا هو مسلك الميرزا، والأمر ههنا كسابقه؛ إذ الحجة على هذا المبنى كاشفة عن الواقع وليست صانعة له، عكس مبنى جعل المماثل الآتي، وعليه: فالحكم الواقعي لا يتغير أيضاً بل المتغير هو الكاشف، فالفتوى السابقة إن طابقت فكاشفة أو خالفت فمتوهَّمة الكاشفية، وكذا حال الفتوى اللاحقة.
والحاصل: انه لا تصويب إذ الثبوت والواقع لم يتغير بل الكاشف وما في عالم الإثبات.
وكذلك الحال لو قلنا بان الحجية تعني الانكشاف فتدبر.

ولا تصويب بناء على انها لزوم الإتباع
بل وكذلك إذا قلنا بان الحجية تعني لزوم الإتباع، وذلك لأن الحكم الواقعي يبقى على حاله إنما المتغير هو الحكم الظاهري فانه في مرتبة الظاهر يلزم إتباع هذا وإن كانت الحرمة الواقعية على ما هي عليه.
وتحقيقه: ان الوجوب يعني لزوم فعله فوجوب الصلاة يعني لزوم الإتيان بها، اما الحجية فتعني لزوم الإتباع (أي لزوم إتباع هذه الحجة) ومرتبتها لاحقة إذ هي متفرعة على الأولى بحسب ذاتها والطبع، فلأن الحجة قامت على أمر واجب وجب إتباعها ولذا لو قامت على أمر مستحب لما وجب.

جريان وجوه الجمع بين الحكمين الواقعي والظاهري، في المقام
وبعبارة أخرى: ما يقال في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، يقال في المقام، وهي وجوه عديدة فصلها الأعلام في موطنها وأوجزنا أهمها سابقاً، ومنها: ان يقال: بان الحكم الواقعي باقٍ تبعاً لبقاء مصلحته أو مفسدته الثبوتية واما لزوم الإتباع فهو للمصلحة السلوكية في إتباع رأي الفقيه مثلاً فهما من عالمين وجهتين ومصلحتين.
وعليه: فما طابق منهما الواقع فلمصلحته الثبوتية وما خالف فلمصلحته السلوكية، وكل منهما حجة في ظرفه، أو كلاهما حجة في الظرف اللاحق، تخييراً، نظراً للمصلحتين.
بل يظهر بالتدبر ان ذلك مصحح للجمع حتى على القول بان الحجية تعني جعل المماثل وهو ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني، فتدبر.
بل نقول: كما يجتمع الأصل العملي مع الحكم الواقعي فانه ليس حكماً بل وظيفة عملية فان البراءة والاستصحاب – على هذا – وظائف عملية وليست أحكاماً شرعية أي: حيث انه جهل الحكم الواقعي فوظيفته الاستصحاب فقد أُخذ الجهل بالحكم الواقعي قيداً للوظيفة أو موضوعاً لها اما في الحجج فالجهل ظرف لا قيد والحجة كاشفة عنه اما الوظيفة فمبنية على الجهل به([1])، فكذلك تجتمع الحجتان المتعارضتان مع الحكم الواقعي نظراً لكونهما وظيفة عملية حينئذٍ.

والفتوى لدى التعارض، وظيفة كالأصل
توضيحه: ان الحجة، كالفتوى مثلاً، ليست وظيفة عملية بل هي كاشف نوعي عن الحكم الشرعي، لكنها إذا عارضتها حجة أخرى فليست لها كاشفية نوعية حينئذٍ في فرض التكافؤ بل كاشفية كل منهما تكون 50% وعليه: فلا تكشف لنا حينئذٍ الحكم الشرعي، وحينئذٍ فإن لم نقل بالتساقط – كما هو المختار – وقلنا بالتخيير – مثلاً – فليست إلا وظيفة عملية.
والحاصل: ان مؤدَّى الأدلة هي الأحكام الشرعية، إلا لو تعارضت فلا تكون، وهي متعارضة، مؤدية (ولذا قالوا بالتساقط، واما على التخيير): فيكون العمل على طبق أحداهما وظيفة شرعية إذ سقطت حجيتهما على المؤدى بالتعارض، فتدبر وتأمل.

2- كلام الميرزا يؤكد التفصيل بين الوضعي والتكليفي
ثانياً: سلمنا، لكنه موكّد لتفصيل المحقق اليزدي وهو ان الأحكام الوضعية يكون رأي السابق فيها حجة ونافذاً حتى بعد التغير أو العدول أو الموت لأنه مما إذا ثبت دام ومما حدوثه مساوق لثباته فالحجة هو الرأي السابق دون اللاحق فلا تصويب في الأحكام الوضعية حينئذٍ، واما التكليفية فحيث انها وحدات استقلالية، كما فيما سبق من مثال صلاة الجمعة، فان رأي الثاني هو الحجة ويكشف به عن بطلان الصلوات السابقة لأن هذا هو الحجة الفعلية، إذ لو قيل بحجيتهما معاً، وإن كانا في ظرفين، للزوم التصويب، على ما قاله.
والحاصل: انه إن سلمنا بان حجيتهما معاً يستلزم التصويب وان اللازم حينئذٍ اما حجية فتوى السابق أو اللاحق نفذ – كما هو مآل كلام الميرزا – فالأرجح، بدواً، ان يفصّل بالقول بان الحكم الوضعي الذي هو مما علّته المحدثة مبقية أيضاً، رأي السابق فيه حجة مطلقاً فيما عمل به، حتى بعد العدول والموت والتغيّر والقول بان الحكم التكليفي حيث انه ليس مما إذا ثبت دام وانه مما كل فرد منه محتاج إلى علّة وحجة([2]) فرأي اللاحق حجة مطلقاً حتى على الماضي إذ به – وهو الحجة الفعلية – يكتشف ان السابق كان متوهم الحجية وليس بحجة.. وسيأتي استدلالنا على هذا المدعى([3]) إذ مجرد ما ذكر لا يعد دليلاً بل كان لمجرد بيان وجه تفريق عقلائي أو مبدئي بين الوضعي والتكليفي بحجية الفتوى السابقة في الوضعي مطلقاً وبحجية الفتوى اللاحقة في التكليفي مطلقاً.

اختلاف مبنى اليزدي في الأصول عن فتواه في العروة
ثم ان المحقق اليزدي ذهب في حاشيته على الرسائل – وكما سبق – إلى التفصيل بين الحكم الوضعي والتكليفي فقال: (فعلى تقدير القول بثبوت الأحكام الوضعية وأنّ العقد سبب شرعي لحصول الملكية والزوجية الدائمة يحكم ببقاء المسبّب بعد العدول أيضاً، لأن السبب قد أثّر حين كونه سبباً شرعاً بفتوى الفقيه الملكيةَ الدائمة)([4]).

في العروة فصّل بين الأحكام الوضعية
لكنه في العروة اما غفل عن مبناه الأصولي هذا أو عدل عنه أو بالعكس وصل إليه لاحقاً لذلك فصّل بين أنواع الأحكام الوضعية فقال: (وكذا لو أوقع عقدا أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثم مات وقلّد من يقول بالبطلان، يجوز له البناء على الصحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني)([5]) وهذا هو مقتضى القاعدة بناء على مبناه، لكنه قال بعد ذلك: (وكذا في الحليّة والحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلاً، فذبح حيواناً كذلك، فمات المجتهد وقلّد من يقول بحرمته، فإن باعه أو أكله حكم بصحة البيع وإباحة الأكل، وأمّا إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه ولا أكله وهكذا)([6]) وهذا خلاف مقتضى مبناه إذ التذكية كالعقود والإيقاعات مما حدوثها كاف في بقائها وعلّتها المحدثة مبقية أيضاً لأنه كما (ان السبب قد أثّر حين كونه سبباً بفتوى الفقيه الملكية الدائمة) فكذلك حال (الحليّة الدائمة) فالتفريق بين الأسباب بلا وجه([7]).
ولذا علّق عليه بما يفيد ما ذكرناه الشيخ كاشف الغطاء قال: (لا يبعد الجواز فإنّه من آثار الفتوى السابقة، فهو كجواز وطء المرأة المعقودة بالفارسية بفتوى المجتهد السابق، نعم لو أفتى المجتهد اللاحق بحرمة لحم حيوان كان حلالاً بفتوى السابق حرم أكله فإنّه نظير ماء الغسالة الباقي إلى أن تبدّلت الفتوى)([8]). فتدبر جيداً وسيأتي مقتضى التحقيق بإذن الله تعالى.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِيَّاكُمْ وَالْخُصُومَةَ فِي الدِّينِ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتُورِثُ النِّفَاقَ وَتَكْسِبُ الضَّغَائِنَ وَتَسْتَجِيرُ الْكَذِبَ))
الأمالي للصدوق: ص418.

--------------------------------------

([1]) ويتمم بتعدد مرتبتهما حسب المراتب الأربع المعروفة.
([2]) ولو بعموم أو إطلاق.
([3]) مع أخذ وردّ فيه.
([4]) الشيخ محمد إبراهيم اليزدي النجفي، تقريراً لأبحاث السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية فرائد الأصول، الناشر: دار الهدى – قم، 1427هـ، ط2 ج3 ص141-142.
([5]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1417هـ، ج1 ص41-42.
([6]) المصدر نفسه: ص44.
([7]) إلا أن يدّعي الانصراف أو غيره - وسيأتي.
([8]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1417هـ، ج1 ص44.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3108
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 17 رجب 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28