• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 51- الدليل الثاني على جواز الاحتياط :برهان الاخباريين على وجوبه ، بعد ردّه ونقضه .

51- الدليل الثاني على جواز الاحتياط :برهان الاخباريين على وجوبه ، بعد ردّه ونقضه

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في وجوه القول بجواز الاحتياط كقسيم للاجتهاد والتقليد ووصل الكلام إلى دليل الاخباري على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية، وقلنا إن دليلهم بعد رده وتعديله يكون دليلاً على الجواز. 
هل العلم الإجمالي الكبير يشمل المستحدثات؟ وتقدم أنه قد يقال: بأن الدليل أخص من المدعى وأجبنا بأنه يمكن أن يقال كتشخيص موضوعي ومصداقي بأن كافة مصاديق الشبهات البدوية هي من أطراف ذلك العلم الإجمالي الكبير إذ ما من شيء يشك في حليته أو وجوبه إلا وهو داخل في تلك الدائرة الكبيرة أي دائرة العلم الاجمالي بوجود محرمات كثيرة وواجبات وفيرة، ثم استدركنا وقلنا اللهم إلا أن يجاب عن هذا بالأفعال والجواهر المستحدثة فإنها لم تكن في زمن الشارع لكي يشملها ذلك العلم الإجمالي الكبير، فهي إذن شبهات بدوية، والنتيجة أن هذا الدليل أخص من المدعى؟ 
ومثال الجواهر المستحدثة الحيوان المتولد من ذئب وشاة فإن كان ذئباً أو شاة فهو وإن كان بينهما فهو جوهر جديد. 
مثال آخر: النباتات المستحدثة بالتركيب فإذا ركّب التفاح على الخوخ مثلاً فلا شك في حليته، لكن لو ركب العنب على التفاح فالمتولد منهما لو غلا عصيره ولم يذهب ثلثاه فهل حرام شربه أم لا؟ 
أما الأفعال المستحدثة، فمثل عمليات التجميل إذ أنها لم تكن زمن التشريع لكن يمكن القول باندراجها في عام قرآني مثل (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) وكذلك كثير من الألعاب الرياضية المستحدثة إذا لم تكن لغرض عقلائي فهي لم تكن موجودة في زمن التشريع لكن يمكن أن تندرج في كليات اللهو والعبث. 
اللهم إلا أن يجاب بأن ما من شيء مستحدث فعلاً كان أو جوهراً إلا وهو مندرج تحت عنوان كلي أو عموم أو إطلاق فتدخل الجواهر والأفعال المستحدثة بهذا التخريج في أطراف العلم الإجمالي؛ فإنها وإن لم تكن موجودة زمن الشارع إلا أن كلياتها -نوعاً أو جنساً- كانت موجودة فتشملها العمومات والاطلاقات. 
بل إن الأحكام الشرعية حيث كانت بنحو القضايا الحقيقية لا الخارجية، لم تكن مرتهنة بوجود الموضوع في زمن النص ولا غيره. 
والحاصل إنه ما من جوهر مسستحدث ولا فعل مستحدث إلا وهو يندرج في أطراف العلم الإجمالي الكبير سواء في الشبهة التحريمية أم الوجوبية، ولابد من إضافة أن هذه الجواهر والأفعال المستحدثة دائر أمرها بين القطع باندراجه في كلي معين وبين المشكوك في اندراجه في أي كلّي من الكليات. 
وهذا الجواب على دليل الاخباري - في الوقت نفسه - إجابة عن ما توهمه البعض من وجود منطقة فراغ في الشريعة، إذ لا توجد منطقة فراغ في الشريعة على الاطلاق، إذ ما من موضوع إلا وحكمه مبين بشخصه أو بكليّه في الشريعة، والأدلة كثيرة منها قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) ومنها (ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه). 
لا تلازم بين القطع بعدم العقوبة والقطع بالحلية 
ثم إنهم قالوا لو قام دليل شرعي على الحلية خرج هذا المورد من أطراف العلم الإجمالي بالقطع، فلا عقوبة قطعاً. 
ونقول: مع تسليمنا بهذا الكلام لكن هل هذا ينفي جواز الاحتياط وحسنه؟ والجواب: كلا لأن (انتفاء العقوبة قطعاً) لا يستلزم (انتفاء الحرمة قطعاً) بل الحرمة منتفية ظناً، فحسن الاحتياط توقياً من الوقوع في الحرام الواقعي الموهوم باقٍ على حاله، ولا تنافي بين الأمرين لأن أحدهما أمر واقعي رتب على حكم ظاهري، نعم هو ينفي وجوب الاحتياط. 
إذن ذيل كلام الاخباري مع تماميته لا ينفي جواز الاحتياط وحسنه. 
الانحلال في صورتي بقاء الاحتمال وعدمه 
ثم إنه قد أشرنا سابقاً إلى أن الانحلال على قسمين فتارة يكون الانحلال مع بقاء الاحتمال وتارة مع انتفاء الاحتمال، والآن نذكر بياناً آخر لنوعي الانحلال ونذكر نفس المثال السابق: لو كان هناك قطيع غنم من 100 شاة، 50 منه سوداء و50 بيضاء، وتيقّنا بحرمة عشرة منها، ثم علمنا بأن تلك العشرة هي من البيضاء فينحل العلم الإجمالي الكبير، فتحل السوداء قطعاً لأن العلم الإجمالي الكبير تحول إلى إجمالي صغير في الخمسين البيضاء، ثم حيث عثرنا على عشرة شياة محرمة في البيضاء انحل هذا العلم الصغير أيضاً وإن لم نعلم بأن ما عثرنا عليه هو نفس ما كان، فهذا انحلال مع عدم بقاء الاحتمال في هذه الخمسين السوداء. 
وتارة ينحل مع بقاء الاحتمال وذلك كما لو علمنا بعد قطعنا السابق الكبير، بوجود عشرة محرمة معينه في هذه الخمسين الأولى، لكن لم نقطع أن هذه العشرة هي نفس تلك العشرة فهنا الاحتمال باقٍ وجداناً في السوداء ومع ذلك فإن العلم الإجمالي غير منجز، لانحلاله، إذ لا علم وجداني الآن بوجود محرم في البين بل مجرد احتمال، وإن كان ناشئاً من وجود علم إجمالي سابق. 
وما نحن فيه من هذا القبيل لأنا علمنا إجمالاً بوجود محرمات كثيرة في الشريعة ثم بتتبع الأدلة عثرنا على محرمات كثيرة، فهل نحن إليه قاطعون بأن ما اكتشفناه هو عين ما علمناه إجمالاً؟ الظاهر لا، إذ لعل بعض الأدلة خاطئة وحرمت ما هو حلال أو العكس ، إنما نظن ظناً وإن كان معتبراً بأن المكتشف هو نفس ذلك المعلوم، فإذا كان كذلك ففي ما عدا تلك الموارد المكتشف حرمتها بالدليل الاجتهادي، فإن الاحتمال لا يزال باقياً بالوجدان الناشيء من العلم الإجمالي القديم فيكون الاحتياط حسناً وجائزاً، لا واجباً، لأن بناء العقلاء في مثل هذا الموطن (الانحلال مع بقاء الاحتمال) ليس على الإلزام كما يقول الاخباري وإنما هو صرف الحسن والجواز. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=311
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 8 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23