• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 290- الفرق بين (الکلي) و(الفرد) و(أحدهما) وأن الموضوع له في الأخيرين خاص .

290- الفرق بين (الکلي) و(الفرد) و(أحدهما) وأن الموضوع له في الأخيرين خاص

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(290)


(الإنسان) و(الفرد) مشتركان في الكلية
ثم إن فرق (الإنسان) عن (الفرد) والفرد عن مثل (زيد) هو أن الأولين وإن اشتركا في الكلية إذ كما أن الإنسان كلي كذلك الفرد، لأنه لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين إذ ينطبق على زيد وعمرو وبكر وكل فرد فرد من أفراد الإنسان.

ومختلفان في الموضوع له
إلا أنه يختلف (الفرد) عن (الإنسان) في أمر هام وهو أن الإنسان ونظائره موضوع للكلي الطبيعي أما الفرد فانه موضوع للأفراد الخارجية من دون توسطه([1]) فهذا تفصيل جديد بين القولين المعروفين وبيانه:

هل الأسماء موضوعة للكليات الطبيعية أم للأفراد الخارجية؟
إنهم اختلفوا في أن الأسماء موضوعة للأفراد الخارجية مباشرة أو هي موضوعة لكلياتها الطبيعية أي لمعانيها الذهنية (والذهن ظرف لا قيد وإلا لامتنع انطباقها على الأفراد الخارجية) ثم ان هذه هي التي تنطبق على الأفراد.
وبعبارة أخرى: ذهب المشهور الى أن وضع الكليات كأسماء الأجناس عام والموضوع له عام أيضاً أي أنهم تصوروا مثلاً كلي الحيوان الناطق أو جامع الأفراد الإنسانية فوضعوا له لفظ الإنسان، وفي مقابل ذلك هناك احتمالان:
الأول أن الوضع عام والموضوع له خاص بأن يكون الواضعون قد تصوروا الكلي ثم وضعوا لفظ الإنسان لآحاد الإنسان الخارجية.
الثاني: أن الوضع خاص والموضوع له فيها خاص، وقد تصور الواضع جميع الأفراد على نحو الوجود الإجمالي لا على نحو الكلي بمعنى أنه تصور جميع الأفراد (لا الجامع بينها ليكون الكلي، للفرق الواضح بين الجميع والجامع) بنحو القضية الحقيقية، بنحو إجمالي، فوضع لفظ الإنسان لآحادها، فكما أنه لو تصور هذا الوليد وذاك والثالث المولودين جميعاً في المشفى فقال وضعت لكل منهم اسم زيداً فإنه قد يتصور الجامع كالوليد بالمشفى اليوم مثلاً وقد لا يتصوره بل يتصور هذا وهذا وذاك، أي يتصور الآحاد بدون جامع، وهو المسمى بالجميع والذي يقابل المجموع ويقابل الكلي والجامع، فإنه بما هو هو جامع وليس جميعاً وإن انطبق على الجميع، لكن الجميع بما هو هو جميع فتدبر، أو فقل يتصور الثلاثة بوجود اجمالي، فهو كالتوثيق الإجمالي لكل أسانيد الكتاب فانه إجمالي وليس كلياً، فالمعنى المتصور حينئذٍ خاص إذ هو كل واحد منهم وليس كل واحد منهم ولا جميعهم كلياً والموضوع له خاص أيضاً.
وقد ينقل أن الميرزا مهدي الاصفهاني ذهب الى الاحتمال الأول (الوضع عام والموضوع له خاص) وسيأتي نص عبارته بإذن الله تعالى.
وقد يفصّل: بأن (أسماء الأجناس) وضعها عام والموضوع له فيها عام، ولكن باستثناء البعض منها:

(الوضع) في (الفرد) عام والموضوع له خاص
ومنها: (الفرد) فإن الظاهر أن الواضع تصور (الكلي مع قيد الوحدة) او (الكلي مع قيد التشخص) ثم وضع لفظ (الفرد) بإزاء الأفراد الخارجية لا أنه وضعه للكلي الطبيعي والمعنى الجامع لينطبق هذا قهراً على الأفراد وذلك، حسبما نرى، هو ما نلمسه بالوجدان مما يفهم، فطرةً، من (الفرد) وإن كان يمكن أن يرجع للجهة الأولى فقط([2]) فتأمل.

وكذلك (أحدهما)
ومنها: (احدهما) فإن المستظهر أنه كذلك، أي انه من الوضع عام والموضوع له الخاص، أي أنه تصور مفهوم أحد الشيئين فوضع لأحدهما الخارجي لفظ أحدهما لا أنه وضعه لأحدهما الكلي الذهني لينطبق على أحدهما قهراً.

فرق أحدهما عن الفرد المردد
ومن هنا ننتقل لتحقيق حال (أحدهما) وفرقه عن (الفرد المردد) فنقول: أما الفرد المردد فقد اتضح مما سبق استحالته لتناقض الموصوف مع الصفة والفردية مع التردد لأن قوام كونه فرداً بكونه بشرط لا وقوام كونه مردداً بينهما كونه لا بشرط عن الآخر بل بشرط شيء بدلياً عنه، والحاصل: أن كونه مردداً ثبوتاً مستحيل فلا يعقل أن يكون الفرد (الممكن الوقوع بل الواقع فإن كل موجود فهو فرد) مردداً.

(أحدهما) عنوان منتزع صادق على كليهما حقيقةً
وأما (أحدهما) و(إحداها) و(أحدهم) فليس هو الفرد المردد، لأن التردد في (أحدهما) إثباتي وليس ثبوتياً وتحقيقه: إن عنوان (أحدهما) عنوان منتزع من كل منهما وإن كلّاً منهما يصدق عليه ثبوتاً أنه أحدهما حقيقةً إذ كل من هذا الكتاب وذاك الكتاب هو أحد الكتابين حقيقة فهذا العنوان قائم بكل منهما على نحو الانتزاع وليس اعتبارياً صرفاً وإلا لكان مرتهناً بالاعتبار ومنقلباً بانقلابه مع أن صدق عنوان أحد الكتابين على كل منهما مما لا ينقلب بعدم اعتبار المعتبرين.
ويتضح ذلك أكثر بالمقارنة بين العناوين الثلاثة: أقواهما، الموازي منهما، وأحدهما:
أما (أقواهما) فإنه معين ثبوتاً، مجهول إثباتاً فيما إذا كان أحدهما الأقوى (إذ لدى التساوي لا يصح الوصف بأقواهما) فهو وصف قائم بواحد معين منهما واقعاً، إن كنا نجهله.
وأما (الموازي) فإنه وصف قائم بهما إذ كل من الخطين موازٍ للآخر ويستحيل أن يكون أحدهما موازياً للآخر من دون عكس، لأن المتضايفين متكافئان قوة وفعلاً.
وأما (أحدهما) فإنه وصف قائم بهما ايضاً، لا في مثل (رأيت أحدهما) وقوله تعالى: (قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ)([3]) مما دلت القرينة على أن أحدهما مبهم إثباتاً ومحدد ثبوتاً فالمشار إليه هو أحدهما خاصة أي ما رآه، بل في مثل (بعتك أحدهما)، لكن فرقه عن سابقه هو أن (الموازي منهما) قائم بهما جميعاً بشرط شيء او فقل بشرط الاجتماع، وأما (أحدهما) فقائم بهما جميعاً لا بشرط، وبشرط البدلية إن وقع متعلقاً للأمر. فتأمل.
 وللبحث تتمة ومزيد توضيح، بإذن الله تعالى فانتظر.
سؤال تمريني: قوله تعالى: (أَحَدُهُمَا) في (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)([4]) من أي القبيلين؟

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام علي عليه السلام: ((الشَّيْ‏ءُ شَيْئَانِ فَشَيْ‏ءٌ لِغَيْرِي لَمْ أُرْزَقْهُ فِيمَا مَضَى وَلَا آمُلُهُ فِيمَا بَقِيَ، وَشَيْ‏ءٌ لَا أَنَالُهُ دُونَ وَقْتِهِ وَلَوْ أَجْلَبْتُ عَلَيْهِ بِقُوَّةِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَبِأَيِّ هَذَيْنِ أَفْنَى عُمُرِي)) تحف العقول: ص212.

 

---------------------------
([1]) الكلي الطبيعي.
([2]) وهي أن الإنسان وضع للكلي الطبيعي والفرد وضع له مع الخصوصيات والمشخصات.
([3]) سورة يوسف: آية 36.
([4]) سورة النحل: آية 76.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3113
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 20 رجب 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29