• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 298- هل ألفاظ المعاملات موضوعة للسبب أو المسبب أو التسبيب أو التسبّب؟ - هل تعقل الصحة والفساد إذا کانت موضوعة للمسبب؟ .

298- هل ألفاظ المعاملات موضوعة للسبب أو المسبب أو التسبيب أو التسبّب؟ - هل تعقل الصحة والفساد إذا کانت موضوعة للمسبب؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(298)


أصالة الصحة أو الفساد في العقود
البحث معقود لبحث أن الأصل في العقود، لدى الشك، هل هو الصحة أو الفساد؟ والمراد انه إذا شك في جزئية جزء أو شرطية شرطٍ لعقد بنحو الشبهة الحكمية، ولم يكن هناك دليل محرز لأحد الطرفين فهل الأصل مع فقده صحة العقد أو فساده؟
وتحقيق ذلك يتوقف على رسم أمور وتحقيقها:
الأول: ان ألفاظ المعاملات من عقود وإيقاعات، كالبيع والطلاق، موضوعة لماذا؟ ثم هي مستعملة([1]) في ماذا؟
الثاني: انها، بعد الفراغ عن وضعها لغةً لمعنىً، هل هي موضوعة شرعاً بوضع تعييني أو تعيني لمعنى آخر أخص أو أعم أو لنفس المعنى بوضع جديد (بناء على إمكان الوضع بعد الوضع) وعلى تقدير عدم الوضع فهل هي مستعملة، شرعاً، في نفس الموضوع له لغةً أو في الأعم أو الأخص تجوزاً؟
الثالث: انها موضوعة للصحيح منها أو للأعم منه ومن الفاسد؟ وقد سبق التطرق لأدلة الطرفين مفصلاً.
الرابع: انه هل يصح التمسك بإطلاق مثل (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)([2]) و(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([3]) لتصحيح كل بيع([4]) فَقَدَ أمراً شك في شرطيته أو جزئيته، كما لو شك في شرطية الموالاة أو الترتيب بين الإيجاب والقبول أو التنجيز أو العربية، لصحة البيع.

المحتملات في الموضوع له في ألفاظ المعاملات
اما الأمر الأول: فنقول بإيجاز، إذ قد مضى تفصيله، انه قد اختلف في وضع ألفاظ المعاملات والموضوع له فيها، على أقوال كثيرة، لكن أصولها ترجع إلى مبانٍ ثلاثة يضاف إليها محتمل رابع وهي: انها موضوعة للسبب، أو للمسبّب، أو للتسبيب، أو للتسبُّب:

انها موضوعة للأسباب
فالأول: انها موضوعة للأسباب، فالبيع مثلاً موضوع للسبب الناقل وهو المعنى المصدري، وهو (إنشاء تمليك عين بمال) على قول، أو هو نفس العقد المركب من إيجاب وقبول أي نفس لفظي بعت وقبلت منشِئاً بهما التمليك([5])، والفرق بين كون البيع هو الإنشاء بلفظ كلفظ بعت واشتريت وبين كونه لفظهما منشئاً بهما، كبير([6]).
وعلى الأول فيطلق على منشئ النقل الخاص باللفظ الخاص انه بائع وعلى إنشائه انه بيع.
وعلى الثاني يطلق على المتلفظ بالإيجاب والقبول قاصداً به الإنشاء انه البائع وعلى نفس لفظي بعت واشتريت البيع.

انها موضوعة للمسببات
الثاني: انها موضوعة للمسببات، بمعنى ان البيع مثلاً موضوع للمسبب عن إنشاء التمليك أو النقل أو المسبب عن لفظ العقد (بعت واشتريت) وهو المعنى الاسم مصدري وهو (النقل الخاص) أي نقل المال في مقابل نقل المال أو نقل الملكية في مقابل نقل الملكية – على الرأيين – أو هو (المبادلة الخاصة): مبادلة مال بمال أو ملكية بملكية أو هو (تمليك عين بعوض).
والتمليك مسبب عن الإنشاء أو عن لفظ العقد وكذا المبادلة أو النقل فانها مسببات عن أسبابها الاعدادية وهو الإنشاء بألفاظ بعت وشبهها أو الألفاظ المنشَأ بها معانيها.
بل قد يقال بان لفظ البيع موضوع للمسبب عن المسبب وهو (الملكية الخاصة الحاصلة بالسبب الخاص) فانها مسببة عن النقل المسبب عن الإنشاء أو اللفظ الخاص، فتدبر وراجع الدروس الماضية([7]).
وعلى هذا فيطلق على الناقل انه بائع أي بلحاظ نفس نقله، لا بلحاظ لفظ بعت أو لحاظ إنشائه للنقل، فانهما سبب توليدي، وعلى نفس عملية النقل الحاصل بالإنشاء أو بالألفاظ الخاصة، انه بيع.

انها موضوعة للتسبيبات
الثالث: انها موضوعة للتسبيبات، بمعنى ان البيع مثلاً موضوع للتسبيب الخاص أي التسبيب بهذا (كلفظ بعت) إلى هذا (النقل المعاوضي الخاص) وعلى هذا فالبيع هو التسبيب بلفظ بعت وأشباهه إلى النقل المعاوضي، فلو قال: (انكحتك كتابي) قاصداً به نقل الكتاب إليه لم يصح إذ انه أراد التسبيب بلفظ النكاح إلى النقل المعاوضي، كعكسه إذ لا يصح التسبيب إلى حصول علقة الزوجة بلفظ البيع بان تقول: بعتك نفسي قاصدة تزويجها نفسها له.
والحاصل: ان التسبيب بألفاظ مخصوصة لمعانٍ مخصوصة هو البيع أو النكاح، أو سائر العقود، لا بأي لفظ لأي معنى، إلا في الصلح على رأي. فتأمل.

انها موضوعة للتسبّبات
الرابع: انها موضوعة للتسبُّبات، والتسبّب من باب التفعل مقابل التسبيب من باب التفعيل، فيكون الموضوع له، على هذا الاحتمال، هو التسبب الخاص عن السبب الخاص أي تسبب النقل المعاوضي عن اللفظ الخاص، ولكنّ هذا يطلق على الشراء لا على البيع([8])، ولا يتوهم انه ظاهر من عرّف البيع بانه الانتقال الذي وقع في تعريف المبسوط وغيره والذي رده الشيخ H بانه لا يوجد منه في اللغة ولا في العرف عين ولا أثر، وذلك لأن الانتقال هو المسبّب وليس التسبب.

المحتملات في معنى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)
وهذه المحتملات والأقوال كلها مما يبنى عليه تفسير الآيات الكريمة والروايات الشريفة، فقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) يفسر فيه (البيع) على الأقوال:

المحتملات الأربع في معنى (البيع) في الآية
فعلى القول الأول: بـ(أحل الله إنشاء البيع) أو (أحل الله أن تتلفظ ببعت قاصداً به إنشاءه).
وعلى القول الثاني: يفسّر بـ(أحل الله النقل المعاوضي) الحاصل بذلك الإنشاء أو (أحل الله التمليك بعوض) أو شبه ذلك.
وعلى القول الثالث: يفسّر بـ(أحل الله التسبيب) بلفظ بعت ونظائره إلى النقل المعاوضي.
وعلى القول الرابع: يفسّر بـ(أحل الله التسبّب للنقل الخاص عن اللفظ الخاص).
وقد يتوهم انه لا معنى لتفسيره بالأول إذ الإنشاء مما لا يحتمل حرمته، بل الكلام إنما هو عن صحته وبطلانه؟.
وفيه: ان الشارع حرَّم أنواعاً من الإنشاء بما هو إنشاء، نظير إنشاء الظهار، وإنشاء عقد النكاح للمُحرِم، وإنشاء البيع وقت النداء وغيرها([9])، وحيث ان الشارع اتى بدين جديد وكل تشريع فيه محتمل، لذلك كان لا بد من إمضائه أو رفضه، وقد أمضى البيع الإنشائي وأحله ورفض الربا الإنشائي وحرّمه.

المحتملان في معنى (أَحَلَّ) في الآية
ثم ان تفسير (أَحَلَّ) في الآية الشريفة يختلف على حسب تفسير البيع فانه:
على القول الأول: يحتمل في (أَحَلَّ) الحلّية التكليفية كما مضى، ويحتمل فيها الحلية الوضعية أي أنفذ الله البيع أي هذا الإنشاء فجعله نافذاً ماضياً مؤثراً، وعلى كلا الاحتمالين فـ(أَحَلَّ) يحتمل فيها الخبرية والإنشائية.
وأما على القول الثاني: فقد يقال بانه لا معنى للحلية الوضعية، إذ هي، كما سبق، المضي والنفوذ، ولا معنى لأن يقال ان هذا النقل نافذ مؤثر بل حاصل أو لا، والحاصل: ان النفوذ والتأثير يطلقان على الأسباب لا على المسببات إذ ان معنى هذا نافذ مؤثر هو انه يؤثر في حصول معلوله ومسبّبه، وكيف يطلق ذلك على المعلول والمسبب نفسه؟ اللهم إلا إذا أريد تأثير النقل في مسبّب له، لكنه خروج عن موضوع البحث فتدبر. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الباقر عليه السلام: ((يَا صَالِحُ اتَّبِعْ مَنْ يُبْكِيكَ وَهُوَ لَكَ نَاصِحٌ وَلَا تَتَّبِعْ مَنْ يُضْحِكُكَ وَهُوَ لَكَ غَاشٌّ وَسَتَرِدُونَ عَلَى اللَّهِ جَمِيعاً فَتَعْلَمُونَ)) الكافي: ج2 ص638.

 

----------------------------------------
([1]) أي عرفاً، أما شرعاً فسيأتي في الأمر الثاني.
([2]) سورة البقرة: آية 275.
([3]) سورة المائدة: آية 1.
([4]) أو أي عقد آخر.
([5]) أو بعت خاصة، أو بعت المتعقَّب بالقبول، أو بعت بعد حصول القبول، على الأقوال.
([6]) (اللفظ) هو البيع أو آلة حصول البيع.
([7]) راجع الدرس (240) وغيره.
([8]) فتأمل.
([9]) كإنشاء العقد على الأم مثلاً فانه محرم في مرحلة إنشائيته وإن لم يرتب عليه الأثر، كما صرح به السيد الوالد؛ لأنه مستنكر في ارتكاز المتشرعة أشد الاستنكار ولغيره ذلك.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3140
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 6 شعبان 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28