• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 299- فرق أصل الصحة أو الفساد، في الشبهات الحکمیة عن الأصل في الشبهات الموضوعیة - علی الصحیحي فهل المراد الصحیح شرعاً أو عرفاً أو واقعاً أو لغةً أو شخصاً .

299- فرق أصل الصحة أو الفساد، في الشبهات الحکمیة عن الأصل في الشبهات الموضوعیة - علی الصحیحي فهل المراد الصحیح شرعاً أو عرفاً أو واقعاً أو لغةً أو شخصاً

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(299)


أصالة الصحة أو الفساد في الشبهات الحكمية أو الموضوعية؟
ثم ان (أصالة الصحة أو الفساد) في العقود ليست أصلاً واحداً بل هي أصول: أصالة الصحة أو الفساد في العقود في الشبهات الحكمية، وأصالة الصحة أو الفساد في الشبهات الموضوعية أو الشبهات المصداقية، والأول هو مورد البحث ههنا، ولا تلازم بين الأصول فقد يقال بأصالة الصحة في الشبهات الحكمية ويقال بأصالة الفساد في الشبهات الموضوعية أو المصداقية، وتوضيح ذلك:

المراد من الشبهات الحكمية
ان المراد من الشبهات الحكمية ما كان الشك فيها ناشئاً من الشك في شمول الحكم وعمومه نظراً لفقد النص أو إجماله أو تعارض النصين، فكل ما كان منشأ الشك لجهة ترجع إلى الشارع (وهي الجهات الثلاث) كانت الشبهة حكمية، وذلك كالشك في اشتراط الشارع في صحة البيع الموالاة أو العربية أو التنجيز أو الترتيب بين الإيجاب والقبول أو اللفظ، فلو شك في اشتراط العربية في صحة البيع ولم يدل دليل على أحد الطرفين، فهل الأصل في فاقد هذا المحتمل الشرطية (وهو البيع بالفارسية مثلاً) الصحة أو الفساد؟

المراد من الشبهات الموضوعية
والمراد من الشبهات الموضوعية، ما كان الشك فيها ناشئاً من إجمال مفهوم الموضوع والشك في سعة مفهوم الموضوع وضيقه أو الشك في المراد به لدورانه بين المتباينين أو بين العامين من وجه، وهي المسماة بالشبهة المفهومية أيضاً، وهي الناشئة من إجمال اللفظ من جهة معناه وحدوده، وذلك كالشك في سعة مفهوم الماء ليشمل المياه الزاجية والكبريتية أيضاً أو لا، أو الشك في سعة مفهوم البيع ليشمل بيع ما لا فائدة له أصلاً كبيع حبّةِ رملٍ من حديقةِ منزله أو دودةٍ لا فائدة فيها أو ورقة مصفرّة ساقطة من شجرة، أو هل يشمل بيع الحقوق مثلاً كبيع حق السبق، أو شك في ان مفهوم العالم يتسع ليشمل العالم بالسحر أو الموسيقى أو لا، أو شك في ان الإناء يشمل الإبريق والطست والمسمى بالسماور أو لا.

المراد من الشبهات المصداقية
والمراد من الشبهات المصداقية، ما كان مفهوم الموضوع واضحاً غير مجمل وكانت دائرة الحكم وسعته محددةً، ولكن شك في فرد ما انه مصداق هذا الموضوع أم لا أو انه تحقق شرطه وقيده أو لا، وذلك ناشئ من اشتباه الامور الخارجية، كما لو شك في ان زيداً عالم أو لا بعد الفراغ عن معنى العالم وحدوده وعن الحكم وهو وجوب إكرامه مثلاً وعمومه، وكما لو علم باشتراط قصد الإنشاء في تحقق العقد أو اشتراط العربية أو الموالاة في صحة البيع، ثم شك في ان العقد الذي أجراه أمس هل كان بالعربية أم الفارسية؟ وهل توالي الإيجاب والقبول أم لا، وهكذا.
وقد قيل: ان كل شهبة مصداقية فهي موضوعية أيضاً ولا عكس أي ليست كل شبهة موضوعية هي مصداقية. نعم تستلزمها قهراً، لكن، على حسب تعريفنا، ظهر التباين وإن أمكن تعميم الموضوعية لتشمل المصداقية. فتأمل

الشك في تحقق معلوم الشرطية والجزئية، والأصل فيه
وليست الشبهة المصداقية هي مورد البحث هنا ولا الموضوعية المفهومية، بل الحكمية، ولكن نشير إلى إحدى الصور إشارة موجزة جداً وهي: ان الأصل الأولي كلما شك في تحقق معلوم الشرطية أو الجزئية([1])، هو عدم تحققه لأنه أمر وجودي شك في تحققه فالأصل عدمه، وليس المراد من الأصل العدم الأزلي خاصة ليناقش بانه غير عقلائي، بل المراد أصالة عدم أي حادث محتاج في حدوثه إلى علة إذا شك في حدوثه أو شك في تحققها في الزمن الذي يمكن أو يحتمل أو يناسب أن يقع فيه ويحدث.
وعليه فالأصل الأولي في ما صدر منه مشكوكاً انه جامع للشرائط، الفساد، لكنه محكوم بأصالة الصحة في عمل المسلم بل في عمل الإنسان، كما صار للعموم السيد الوالد؛ لبناء العقلاء، ويرشد إليه الكبرى الارتكازية المصرح بها في الرواية في قاعدة التجاوز والفراغ ((قُلْتُ لَهُ الرَّجُلُ يَشُكُّ بَعْدَ مَا يَتَوَضَّأُ قَالَ هُوَ حِينَ يَتَوَضَّأُ أَذْكَرُ مِنْهُ حِينَ يَشُكُّ))([2])، بل وحتى مثل ما ورد:
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ ((كُلُّ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِمَّا قَدْ مَضَى فَامْضِهِ كَمَا هُوَ))([3])
وموجز القول: ان مدرك أهل الصحة إن كان هو بناء العقلاء أو العقل فهو دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما كان ملتفتاً حين العمل إلى الشرط وإلى شرطيته، واما لو كان هو الدليل اللفظي كـ((ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ...))([4]) و((اطْلُبْ لِأَخِيكَ عُذْراً فَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَهُ عُذْراً فَالْتَمِسْ لَهُ عُذْراً))([5]) فتأمل([6]) فيمكن القول بالعموم، ولكن تنقيح ذلك وتفصيل الأخذ والرد فيه موكول لمحله.
فالبحث إذاً في المقام عن الشبهة الحكمية أي ما لو شك في صحة العقود والإيقاعات من جهة الشك في أخذ شرط أو قيد فيها وعدمه.

ألفاظ العقود موضوعة للصحيح شرعاً أو عرفاً أو واقعاً أو لغةً؟
ثم انه إن قيل بان ألفاظ العقود موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد فالأمر سهل إذ يمكن حينئذٍ التمسك بإطلاق مثل (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)([7]) و(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([8]) لتصحيح كل معاملة شك في اشتراط أمر فيها شرعاً وذلك إذا صدق عليها البيع عرفاً فانه يؤخذ حينئذٍ الموضوع من العرف والحكم بالحِلّية من الشرع فيقال: هذا بيع عرفاً (وإن فقد الموالاة أو التنجيز) وكل بيع قد أحله الله تعالى، فهذا بيع قد أحله الله.
اما إذا قيل بانها موضوعة لخصوص الصحيح من العقود وان الفاسد ليس ببيع أصلاً، فاللازم تحقيق المراد من الصحيح فان الاحتمالات فيه خمسة: الصحيح شرعاً، أو عرفاً، أو لغةً، أو واقعاً، أو شخصاً.

بناء على انها موضوعة للصحيح شرعاً
فان قيل بان البيع موضوع للصحيح شرعاً فلا يمكن، وكما سبق في أوائل البحث، التمسك بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لدى الشك في مدخلية شرط في صحته شرعاً لأنه يكون حينئذٍ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ كلما شك في شرطية أمر، كالموالاة، في صحة العقد فقد شك في صدق مفهوم البيع عليه، فكيف يتمسك والحال هذه بـ(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) إذ (ثبِّت العرش ثم انقش) فانه لا بد من إحراز انه بيع ليشمله (أَحَلَّ).
وحيث انه لا شك في ان الشارع لم يضع ألفاظ العقود بوضع تعييني لمعاني جديدة أوسع أو أضيق أو من وجه مع معانيها العرفية، فيبقى مجرد احتمال ان يكون قد وضعها بالوضع التعيني، لكنه أيضاً ثابت العدم على ما حقق في محله بل الأصل (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ)([9]).

وبناء على وضعها للصحيح عرفاً أو واقعاً أو لغةً
وإن قيل بانه موضوع للصحيح عرفاً، فكل ما رآه العرف صحيحاً شمله (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ).
واما إن قيل بانه موضوع للصحيح واقعاً، فلا طريق له إلا مرآة العرف أو تصريح الشارع، وحيث فقد الأخير بقي الأول، فان فقد لإبهامٍ وإجمالٍ لديهم أو لتعارض الأعراف، فالأصل الفساد إذ الحدوث بحاجة إلى محرز.
واما القول بانه موضوع للصحيح لغة، فلو تم فانه غير مجدٍ لان الأحكام تدور مدار الموضوعات العرفية لا اللغوية إذ النسبة بينها من وجه وقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ) وللبحث تتمة وصلة بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((أَرْبَعَةٌ تَلْزَمُ كُلَّ ذِي حِجًى وَعَقْلٍ مِنْ أُمَّتِي قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُنَّ؟ قَالَ: اسْتِمَاعُ الْعِلْمِ وَحِفْظُهُ وَنَشْرُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ)) تحف العقول ص57.

 

------------------------------
([1]) والمراد الشك في ان ما تحقق هل هو مصداق جامع الشرائط أو لا؟
([2]) الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص344.
([3]) المصدر نفسه: ج1 ص101..
([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص362.
([5]) الشيخ الصدوق، الخصال، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج2 ص622.
([6]) إذ الكلام عن حال المكلف نفسه لا عن غيره بالنسبة له.
([7]) سورة البقرة: آية 275.
([8]) سورة المائدة: آية 1.
([9]) سورة إبراهيم: آية 4.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3142
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 7 شعبان 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29