• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 55- تتمة وجوه الجمع السابقة الاستدلال بالرويات الخاصة .

55- تتمة وجوه الجمع السابقة الاستدلال بالرويات الخاصة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول الاحتياط كقسيم للاجتهاد والتقليد، وأن الاحتياط قد يستدل على جوازه بالمعنى الأعم وعلى حسنه بأدلة مختلفة وذكرنا مجموعة من الأدلة بقي أن نشير إلى بعض الأدلة الأخرى. 
6-7-8 بناء العقلاء وسيرة المتشرة والإجماع فمن الأدلة على جواز الاحتياط بناء العقلاء، ومنها سيرة المتشرعة، كما نرى في مثل إجراء عقد النكاح بصيغ مختلفة، ومن الأدلة الإجماع.وهذه الأدلة الثلاثة لا حاجة لكثير بحث عنها إذ غاية ما تفيده هو الجواز في الجملة لا بالجملة، وذلك لأنها أدلة لبية يقتصر فيها على القدر المتيقن؛ فإن بناء العقلاء وكذا سيرة المتشرعة لا لسان لها كي يتمسك باطلاقه أو عمومه، وأما الإجماع فهو غالباً لا معقد له فلا يتمسك بعمومه أو اطلاقه من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فإن وجود معقد للإجماع، أي أن تكون لفظة واحدة محددة خاصة ذكرها الفقهاء بأجمعهم، أمر نادر، والحاصل: إن غاية ما تفيده هذه الأدلة الثلاثة هو رجحان الاحتياط في الجملة فلا يتمسك بها إلا في القدر المتيقن، فعلى هذا تخرج تلك الموارد الستة عشرة المتقدمة من الحسن أو الجواز، حيث تخرج بالأدلة التي أقمناها فيما مضى، أو لأنها مشكوكة على أقل تقدير فتخرج هذه الموارد من شمول هذه الأدلة الثلاثة لها إذ لا اطلاق يشملها.ويؤكد ما ذكرناه وجود موارد للنقض كثيرة فإن بناء العقلاء في مواطن كثيرة ليس على الاحتياط وكذا سيرة المتشرعة والإجماع كما يظهر من ملاحظة الموارد الستة عشرة السابقة فإن بعضها على خلاف الاحتياط وغير ذلك. 
الإشكالات على جواز الاحتياطالآن ننتقل إلى الإشكالات التي يمكن أن تورد على جواز الاحتياط أو حسنه، وتنقسم الإشكالات إلى طوائف ثلاث: 
الطائفة الأولى: الإشكالات العامة الطائفة الثانية: الإشكالات الخاصة بالعباداتالطائفة الثالثة: الإشكالات الخاصة بالمعاملات وسوف نتطرق لأهم الإشكالات من الطوائف الثلاث:1- الإشكالات الخاصة بالعبادات، منها فقد قصد الوجه والتمييز أما الإشكالات الخاصة بالعبادات فمنها أن العبادات يعتبر فيها قصد القربة أولاً، كما يعتبر فيها قصد التمييز ثانياً، والعمل الاحتياطي المأتي به بعنوان عباديته لا تتوفر فيه هاتان الخصلتان، فهو باطل، هذا هو الإشكال الأول، وهذه المسألة عامة الابتلاء وسيالة في كل عبادة من صلاة أو صوم أو حج أو غيرها، هذا إجمال الكلام أما تفصيله فيتم بذكر مقدمات: 
أ- معنى قصد الوجه والتمييز المقدمة الأولى: ماذا يعني بقصد الوجه وقصد التمييز؟ إن قصد الوجه يعني قصد الوجوب أو الندب، وبتعبير آخر قصد سنخ الطلب ونوعه، وذلك لا يكون إلا فيما لو علم بتوجه أمر إلى العبد لكن شك في نوعه هل هو أمر إيجاب أم ندب، فقصد الوجه يعني وجه هذا الاتيان أو وجه هذا الأمر بأن يقصد صوم شهر رمضان، لوجوبه. ثم إن قصد الوجه إنما يكون في ما لو دار أمر المجموع أو أمر الجزء أو الشرط بين الوجوب والندب، وذلك مثل جلسة الاستراحة لو تردد أمرها بين الوجوب والندب مع العلم أنها ليست من الأقسام الأخرى وكذلك الدعاء عند رؤية الهلال. 
أما قصد التمييز فالمراد به قصد الإتيان بالفعل لأنه مأمور به، وهذا لا يكون إلا بعد الفراغ عن كونه متعلَّقاً للأمر، فينحصر ما يتمصدق فيه قصد التمييز فيما لو دار حكم أمر بين الوجوب والاباحة أو بين الندب والاباحة، فإذا تردد الواجب بين أمرين أحدهما مباح فهنا يقال إن قصد التمييز معتبر -على القول به- يعني نميز المأمور به من غيره، مثال لذلك: الصلاة للقبلة المشتبهة المرددة بين الجهات الأربع فإن كل صلاة إلى جهة من الجهات الأربع أمرها دائر بين الوجوب والاباحة إذ عندما أصلي إلى هذه الجهة لا أعلم بكون هذه الصلاة مأموراً بها، لأن الأمر إنما كان بالصلاة إلى جهة الكعبة فقط لا إلى غيرها، هذه هي المقدمة الأولى.وكان الأولى أن يؤخر قصد الوجه عن قصد التمييز، لأن الترتيب الطبيعي هو أن نشترط قصد التمييز أولاً، ثم بعد ذلك نشترط قصد الوجه، لكن جرى في سنة الفقهاء (قصد الوجه والتمييز) ولعله لأنه أكثر سلاسة.ب- لا فرق بين الواجبات النفسية والضمنية 
المقدمة الثانية: هذا المبحث (مبحث قصد الوجه والتمييز) لا فرق فيه بين الواجبات النفسية أو الضمنية أي أن البحث جار في كلتا الصورتين، على خلاف بعض الأعلام حيث خصص البحث بالواجبات النفسية واعتبر الواجبات الضمنية مفروغاً منها، وأنه لا يعتبر فيها هذان الأمران، لكن بلحاظ سوق الأدلة نرى أعمية المبحث وشموله للقسمين، توضيحه بإيجاز:القسم الأول الذي يجري فيه الكلام والنقاش هو الواجبات النفسية، فقصد الوجه في المركب كالصلاة (وهي مركب اعتباري من سجود وركوع ونحوها من أجزاء واجبة ومستحبة) يعني أن تأتي بمجمل هذا المركب وأنت عالم بأن كل هذا المركب واجب وأن بعض الأجزاء المحددة مستحبة فيه أو مردد أمرها بين الاستحباب والوجوب، فإن لم تستطع ذلك (بالحجة أو الظن المعتبر) فاحتط (وهذا يعني أن الاحتياط لاحق وليس قسيماً للاجتهاد والتقليد بل هو خاص بصورة التردد، فيتفرع على ذلك أن الإنسان لو صلى الظهر وهو ناو وجوب القنوت فيها أي كان ناوياً بأن هذه الصلاة بأجمعها واجبة بما فيها القنوت) فلو كان عالماً عامداً بطلت صلاته، وأما لو كان مقصراً فصلاته باطلة لأنه أخل بشرطٍ مقصِّراً، إن قلنا بأن قاعدة لا تعاد لا تشمل المقصر الغافل حين العمل، ولو التزمنا بذلك فإن أكثر عبادات الناس ستواجه الإشكال، فمثلاً في الحج فإن الكثير من الناس لا يعلمون أن هذا العمل واجب أو مستحب بل يسير خلف المرشد ولا يقوم كل مرشد بتوضيح أن هذا واجب أو مستحب بل إن كثيراً من الناس يتصور بعض المستحبات واجباً، فمثلاً يعتقد بأن لمس الحجر الأسود -الأسعد- واجب وأنه لو لم يلمس الحجر لكان حجه باطلاً، أو أنه أخل بواجب، وكذا الشرب من ماء زمزم، فالتباس الواجب بالمستحب خاصة في الحج كثير بل حتى بعض الأفاضل قد لا يتحققون في ذلك. 
والحاصل: أن قصد الوجه وقصد التمييز (قصد الأمر) تارة يبحث في انطباقه على العبادة بأكملها وأنه في حال اتيان هذا المركب الاعتباري عليه أن يعلم أن هذا كله واجب أو كله مستحب أو تلك الأجزاء واجبة وتلك مستحبة، وهذا هو الذي يقول بعض الأعلام أنه مورد بحث قصد الأمر والوجه.
المورد الثاني الذي نقول أيضاً إن الأدلة تشمله هو الواجبات الضمنية فلو أن شخصاً في خصوص جلسة الاستراحه عندما أتى بها لم يأتِ بها لاستحبابها أي بقصد استحبابها فبناءً على الاشتراط يكون هذا الجزء باطلاً ولا يقع عبادة وتبطل الصلاة إن كان عامداً أو مقصراً ملتفتاً. 
الأدلة على اشتراط قصد الوجه والتمييز 
المقدمة الثالثة (وهي لب المبحث): ما هو الدليل على ذلك، أي على أن قصد الوجه وقصد التمييز معتبران في العبادة ككبرى كلية (وكصغرى جزئية قلنا إن الاحتياط لا يحقق ولا يوفر هذين الأمرين مثلاً شخص تردد بين القصر والإتمام فإذا أتى بالقصر فهو لا يعلم أنها واجبة وعندما يأتي بالإتمام فهو لا يعلم أنها واجبة فقد أخل بقصد الوجه بل بقصد الأمر) 
والجواب: هناك عدة أدلة بين نقلية وعقلية يمكن أن تذكر: 
1- العقل: إذ لا إطاعة بدون القصدين 
الدليل الأول: إن الحاكم في باب الاطاعة -اطاعة الله تعالى ورسله وأوصيائهم- هو العقل وهذا مما لا شك فيه فإنه من المستقلات العقلية، قيل: وليس الشرع إذ لو كان الحاكم هو الشرع للزم الدور، وقد تأملنا في ذلك في كتاب الأوامر المولوية والإرشادية ومباحث الأصول. فالحاكم في باب أصل الاطاعة العقل وكذلك هو حاكم في الكيفية، إلا لو تصرف الشارع في الكيفية. 
وفي المقام (تطبيق الكبرى الكلية على المقام): لو أن العبد أتى بالعبادة لا بقصد التمييز أو لا بقصد الوجه، فإنه لا يعد مطيعاً، لأن الاطاعة تعني نسبة الفعل الصادر من العبد للمولى، ومن لا يعلم بأن هناك أمر أم لا كيف ينسب هذا الفعل للمولى، فلا يمكنه إذن أن يقصد الأمر، ويجري نفس الكلام في قصد الوجه، فإن العبد لو أتى بصوم شهر رمضان لا لوجوبه فلا يعد مطيعاً، لأن الله قد أوجبه عليه فلو أنه أتى به لا لوجوبه أو لم يأت به لوجوبه، فلا يعد مطيعاً، وستأتي المناقشة في ذلك بإذن الله تعالى، كما سيأتي أن هذا البحث بالأساس تسرب إلى الفقه والأصول من المتكلمين، ومنهم نصير الدين الطوسي، لكن حسب بعض التتبع فإن عبارات بعضهم على الأقل هنالك لا تدل على هذا بل مقصودهم شيء آخر سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=315
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 14 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23