• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 302- جريان الصحة والفساد في المعاملات حتى بناء علي وضعها للأسباب، ومناقشة مع الميرزا النائيني .

302- جريان الصحة والفساد في المعاملات حتى بناء علي وضعها للأسباب، ومناقشة مع الميرزا النائيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(302)

بناءً على ان العقود موضوعة للأسباب؛ فالأمر سهل
سبق: (فانه بناء على أن ألفاظ العقود موضوعة للأسباب، فقد قيل بان الأمر سهل فانه إذا قال أحدهما بعت والآخر اشتريت مثلاً فهو بيع وإن كان بدون تنجيز أو موالاة مثلاً (مادام لفظ البيع موضوعاً للأسباب وهي لفظة بعت واشتريت أي العقد المركب من الإيجاب والقبول) فالموضوع متحقق بالوجدان حتى مع فقد محتمل الشرطية([1]) والجزئية (وهو التنجيز والعربية والموالاة وغيرها) والحكم يؤخذ من الآية الشريفة (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) ([2]).
واما بناء على انها موضوعة للمسببات فالأمر مشكل إذ مع فقد ذلك المحتمل مدخليته في صحة البيع فانه يشك في تحقق البيع أصلاً (أي تحقق النقل والمبادلة وتمليك مال بمال) إذ غير الصحيح ليس بناقل ولا بمملِّك فيشك في صدق البيع عليه فلا يصح التمسك بـ(وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

المناقشة: بل مشكل ووِزانه وِزان القول بالوضع للمسببات
ولكن يرد عليه([3]): ان ذلك إنما يصح كلما علم بصدق البيع على العقد المركب من الإيجاب والقبول (وهو السبب) ولو مع فقد ذلك المحتمل مدخلية في الصحة، ولكن ذلك ليس مورد الكلام إذ مورد الكلام هو كلما شك في صدق البيع عليه للشك في مدخلية جزء أو شرط في صحته بحيث عاد الشك في صحته إلى الشك في صدق اسم البيع عليه، فان ذلك هو الموازن لما إذا قيل بانه موضوع للمسبب وشك في صدق البيع عليه للشك في صحته وفساده نظراً لفقد ما يحتمل شرطيته أو جزئيته مع عود الشك في صحته وفساده إلى الشك في صدقه (صدق عنوان البيع) وعدمه. لأنه إذا كان فاسداً فلم يحصل النقل أي لم يحصل المسبب فلم يحصل البيع فإذا احتمل الفساد لم يعلم صدق البيع وتحققه.
وتوضيحه: ان بعض الشروط أو الأجزاء (أو محتملها) لا شك في عدم مدخليته في صدق اسم البيع (أي العقد المركب من إيجاب وقبول) عليه، كما في بعض شروط المتعاقدين ككونه بالغاً فان الصادر من المميز بيع عرفاً قطعاً([4]) عكس الصادر من غير المميز (كما لو صدر من الرضيع فرضاً بجريان اللفظ على لسانه تقليداً) فانه اما ليس ببيع أو هو مشكوك فيه، وكما في بعض شروط العوضين ككونه ذا فائدة محللة فانه إذا اجرى العقد على فاقدها يصدق عند العرف انه بيع (أي عقد مركب من إيجاب وقبول) وإن كان أحد العوضين خنزيراً مثلاً.
لكن بعض الشروط أو الأجزاء يشك مع عدمها في صدق نفس إطلاق لفظ البيع عليها حتى بناء على انه موضوع للسبب، كما لو شك في بعض أنواع اللحن انه يصدق معه البيع أو لا([5]) مع العلم بانه لا يصدق قطعاً مع بعض أنواعه الأخرى؛ فمن الأول: ما لو قال بدل بِعتُ بكسر الباء بَعتُ بفتحها فهل هو بيع عرفاً؟ ولو قيل بالصدق عرفاً (فرضاً) مثّلنا بما لو قال بعتَ بفتح التاء أو قال انا سأبيع الكتاب قاصداً بعته فعلاً، ومن الثاني ما لو قال بدل بعت ابدعت الكتاب بدينار أو بلّعتك الكتاب مثلاً.
نعم غاية الأمر ان دائرة أفراد ما يشك في صدق اسم البيع عليه إذا قيل بانه موضوع للسبب، أضيق جداً وأقل من دائرة ما يشك في صدق اسم البيع عليه إذا قيل بانه موضوع للمسبب فتدبر.

النائيني: إذا قيل بانها أسماء للأسباب، فهي لها بما يترتب عليها من المسببات
واما الميرزا النائيني فان قوله (وأما بناءً على كونها ألفاظاً للأسباب فلأنها (ح) للأسباب بما يترتب عليها المسببات، ومن المعلوم أن هذا البيع أيضا غير متصف بالصحة والفساد، وليس للشارع اختراع بالنسبة إليه حتى يكون مجال للنزاع المعروف بين القوم في انها موضوعة للصحيح أو الأعم، وعلى هذا فما افاده الشهيدان قدس سرهما من كون ألفاظ العقود كالبيع ونحوه حقيقة في الصحيح ومجازا في الفاسد، مشكل)([6]) يرد عليه:

المناقشات: هذا من تفسير مبنى بمبنى آخر
أولاً: ان قوله (فلأنها حينئذٍ للأسباب بما يترتب عليها من المسببات) خروج عن المبنى، فهو إشكال مبنوي لا بنائي مع ان مقتضى القاعدة ان يشكل عليها مع التحفظ على المبنى، وذلك لوضوح كونهما مبنيين فانه قد يقال بان (العقد المركب من إيجاب وقبول أي قول أحدهما بعت والآخر قبلت) هو نفس الموضوع له لفظ البيع مع قطع النظر عن ترتب المسببات عليه، وقد يقال بما قاله قدس سره.
ولعل الذي أوقعه في تفسير هذا المبنى بذاك، هو لفظ (السبب) (إذ قال: واما بناءً على كونها ألفاظاً للأسباب) إذ لا يكون السبب سبباً إلا إذا لوحظ ترتب المسبب عليه لما سبق من كونهما متضايفين، لكنه غفلة عن ان الخلاف ليس منصباً على ان البيع موضوع للفظ البيع بقيد اتصافه بانه سبب في مقابل من يرى انه موضوع للمسبب وان القول الأول يرى انه موضوع لـ(بعت واشتريت) بوصف انهما سبب للنقل كي يلزمه ان له مسبباً بل القول الأول يرى ان البيع موضوع لنفس لفظ (بعت واشتريت) الذي قد يكون سبباً للنقل والتمليك وذلك إذا كان صحيحاً، وقد لا يكون وذلك إذا كان فاسداً، فانه قيل انه موضوع لسبب البيع الاسم المصدري قاصداً انه موضوع لهذا اللفظ (بعت/ اشتريت) لا له بما له من عنوان السببية.
وبعبارة أخرى: البيع موضوع لذات السبب وهو (بعت واشتريت) على هذا القول لا له بما له من وصف السببية وعنوان السبب، وذلك نظير قولك: زيد موضوع لذات ابن بكر لا له بما له من وصف انه ابن ليلزم دلالته على الأب بالمضايفة.
ومما يوضح ذلك أكثر ان قول الميرزا النائيني خلاف المرتكز العرفي وان القول بوضع البيع وشبهه للأسباب (أي لذواتها) هو المعهود للناس فانهم يطلقون على نفس العقد المركب من إيجاب وقبول انه بيع ثم إذا كان ناقلاً مؤثراً وصفوه بالصحة وقالوا انه بيع صحيح وإذا لم يكن ناقلاً مؤثراً وصفوه بالبطلان، فنفس جعلهم البيع مقسماً للصحيح والباطل دليل على انهم يرونه موضوعاً للسبب أي لذات السبب وهو بعت واشتريت لا بما يترتب عليه من المسببات وإلا لكان يجب ان يقولوا عن الفاسد انه ليس ببيع لا انه بيع فاسد، ولا يرون انفسهم متجوزين في قولهم انه بيع فاسد، نعم للطرف الآخر ان يناقش في صحة ذلك ويرفضه وينقض أدلته لكنه ليس من الصحيح تفسير مبنى غيره بمبناه أي تفسير هذا المبنى بما يرجع إلى ذلك المبنى، فانه تفسير بما لا يرضى صاحبه. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.             وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام علي عليه السلام: ((كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ)) نهج البلاغة: ص505.


-------------
([1]) أي الشرطية للصحة.
([2]) راجع الدرس (301).
([3]) على الشق الأول، اما الشق الثاني (بناء على وضعها للمسببات) فسيأتي الجواب عنه مفصلاً بإذن الله تعالى.
([4]) أي بناء على ان البيع اسم لنفس العقد المركب من إيجاب وقبول
([5]) لا انه يعلم انه بيع لكن يشك في صحته.
([6]) الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، تقريرات الشيخ محمد تقي الآملي، المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج1 ص108.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3156
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 18 شعبان 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20