• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 305- تحقیق کلام الشیخ: ۱- استعمالان واطلاقان للعقود ۲- مرجعیة العرف في المفاهیم حتی مع وجود مصطلح للشارع ۳- العرف مرآة للشرع والموضوع له (الصحیح المؤثر) .

305- تحقیق کلام الشیخ: ۱- استعمالان واطلاقان للعقود ۲- مرجعیة العرف في المفاهیم حتی مع وجود مصطلح للشارع ۳- العرف مرآة للشرع والموضوع له (الصحیح المؤثر)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(305)


سبق ان الشيخ قدس سره  تفصى عن إشكالي لزوم القول بالحقيقة الشرعية في العقود ولزوم عدم صحة التمسك بالمطلقات بناء عليها، بالقول بان العقود موضوعة للصحيح المؤثر فهي مستعملة حقيقة فيه لدى العرف والشرع وهي حقيقة في الصحيح المفيد للأثر، عندهما جميعاً، وقد سبق بعض التوضيح لكلامه، ونضيف: ان توضيح كلامه وتماميته موقوف على بيان أمور تتضمن كلامه([1]):

للعقود إطلاقان واستعمالان
الأول: ان للعقود ومنها البيع، إطلاقين واستعمالين:
أحدهما: استعمالها في المعنى المصدري، وثانيهما: استعمالها في المعنى الاسم مصدري، وإطلاقها عليهما، وقد سبق ان المراد بالمعنى المصدري هو الإنشاء أي إنشاء البيع أو العقد المركب من إيجاب وقبول أو فقل قولهما بعت واشتريت، والمراد من المعنى الاسم مصدري هو الحاصل بالإنشاء وهو (تمليك عين بعوض) أو (مبادلة مال بمال) أو (النقل الخاص) على الأقوال.
ومن موارد استعماله في المعنى المصدري أسماء الكتب في الفقه كـ(كتاب البيع) فإن المراد به المعنى المصدري لا الاسم مصدري كما قيل، ولعل الأصح انه أعم منهما لتضمنه مسائلهما جميعاً فان بعض المسائل عن العقد والصيغة نفسها وبعضها عن المسبّب أي التمليك والمبادلة وأحكامها فان شروط العوضين مثلاً شروط لتحقق التمليك والمبادلة وإن أمكن القول بانها شروط لصحة العقد الإنشائي أو له من حيث التسبيب. فتأمل
وحاصل كلامه: انه يصح التمسك بالإطلاقات على كلا الاستعمالين:
 

العرف مرجع في المفاهيم دون المصاديق
الثاني: ان المعروف ان المرجع في المفاهيم هو العرف إذ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ)([2]) واما المرجع في المصاديق فهو الدقة العقلية وانه بعد ان يؤخذ مفهوم الموضوع([3]) من العرف ينتهي دوره ويبدأ دور العقل في تطبيق كبرى المفهوم المأخوذ منهم على الصغريات الخارجية، فالمراد من الفرسخ مثلاً يؤخذ من العرف وانه ثلاثة أمثال مثلاً، فيتحدد بذلك حدّ المسافر بان يقصد أربعة فراسخ، اما تطبيقه على المصداق فدِقّي ولذا لو قصد أربع فراسخ إلا شبراً واحداً فانه ليس بمسافر ولا يعتنى بتسامح العرف بقوله انه لا فرق بينهما وانه كالفرسخ، إلا ان يُعدّه فرسخاً([4]) فعاد للمفهوم لا المصداق.
اما السيد الوالد فذهب إلى ان العرف مرجع في المصاديق أيضاً وان مسامحاته إذا بنى عليها العرف العام فان الشرع يبنى عليها أيضاً، مطلقاً أو في الجملة.
 

ومرجع في المفاهيم حتى لو كان للشارع مفهوم مخترع
وعلى أي فهو بحث معروف، لكن الذي لعله يستفاد من إشارات الشيخ بحث آخر غير معروف وهو:
ان الشارع لو اخترع مفهوماً مغايراً للمفهوم العرفي، أعم منه أو أخص أو كان معه من وجه أو مبايناً، فان المرجع في المراد من ذلك الموضوع (الذي اخترع الشارع له معنى آخر) لا يزال هو العرف العام، وذلك لأن كلامه ملقىً للعرف العام، واصطلاحه عرف خاص فلا يحمل عليه، اللهم إلا لو أبلغ العرفَ العام، ولو بالوضع التعيّني، باصطلاحه الجديد حتى قامت الحجة عليهم بان المعنى العرفي صار مهجوراً لديه([5]) فانه يحمل على ما اخترعه خاصة، واما لو لم يبلغ حدّ الهجران بل كثر استعماله فيه بعد وضعه فانه يكون حينئذٍ مجملاً لصيروته مشتركاً لفظياً بين المعنى القديم (العرفي) والجديد (الشرعي)، واما لو لم يكثر استعماله فيه إلى درجة صيرورته معنى آخر موازياً للأول فان اللفظ يحمل على معناه العرفي العام.
والظاهر ان الشرع وإن أضاف قيوداً وشروطاً للبيع وغيره لكنه لم يبلغ مرتبة إيجاد معنى جديد موازٍ للمعنى العرفي (فكيف بدعوى هجرانه) فهو باق على معناه العرفي كأصل عام ثم انه كلما أحرز ان الشارع أضاف شرطاً أو مانعاً التزمنا به، واما ما عداه فان العرف يكون دليلاً على مراد الشارع من ما جعله موضوعاً لأحكامه.
وبعبارة أخرى: يكون المعنى العرفي مرآة للإمضاء الشرعي أو للمستعمل الشرعي أو للمجعول الشرعي (على احتمالات) كأصل عام، وحينئذٍ فالواجب الرجوع إلى العرف فان وجدناه يطلق البيع على فاقد العربية مثلاً، علمنا بانه لدى الشرع كذلك فيتحقق موضوع (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) ويشمله حكمه قهراً. فتأمل
وللبحث صلة إذا شاء الله تعالى بعد شهر رمضان والله الموفق وهو المستعان.
 

فائدة: بحث محتملات معاني الصحيح، عام الفائدة
ثم ان هذا البحث كثير البلوى عام الفائدة، إذ يجري في كثير من عناوين موضوعات أحكام الشارع، ولنمثل له بأمثلة:
1- قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ)([6]) فهل المراد من الطيب والخبيث: الشرعي (فيلزم ان لا يؤخذ إلا من الشارع، وعليه: فيؤخذ كل من الحكم والموضوع منه) أو العرفي (فيؤخذ الموضوع من العرف والحكم يؤخذ من الشارع) أو الواقعي؟ أو غير ذلك! وقد ذكر السيد الوالد H احتمالات ثمانية في الآية الشريفة، في الفقه – الأطعمة والأشربة.
2- قوله تعالى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)([7]) فهل المراد الآصار والأغلال الشرعية (فكيف يرفع ما وضعه؟) أو العرفية؟ أو الواقعية؟
3- قوله تعالى: (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)([8]) فهل المراد الفاسق الشرعي بدعوى ان الفسق والعدالة مصطلحان شرعيان أو فقل حقيقتان شرعيتان؟ أو الفسق العرفي وهو الخروج عن الحدّ، باعتبار انه الأصل في استعمالات الشارع ويخرج عنه في حدود ما أخرج عنه؟
4- قوله تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ)([9]) و(الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ)([10]) فهل المراد النكاح العرفي أو الشرعي أو الواقعي؟ وكذا الطلاق وغيرها، كما يجري البحث، من قبل، انه هل المراد المعنى المصدري للطلاق والنكاح وهو إنشاؤهما؟ أو المراد المعنى الاسم مصدري وهو الحاصل بالإنشاء أي الفرقة والعلقة الخاصة؟.. وهكذا وهلم جرا.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَظَّ مَنْ نَقَصُوا، إِنَّ الظَّالِمَ يَنْتَظِرُ اللَّعْنَ وَالْعِقَابَ وَالْمَظْلُومَ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ))
مستدرك الوسائل: ج12 ص99.

---------------------------------------
([1]) وليست بعين كلامه بل مع إضافة وتطوير.
([2]) سورة إبراهيم: آية 4.
([3]) وغيره كالشرط.
([4]) بان يرى للفرسخ عرضاً عريضاً، لكنه بعيد.
([5]) الشارع.
([6]) سورة الأعراف: آية 157.
([7]) سورة الأعراف: آية 157.
([8]) سورة الحجرات: آية 6.
([9]) سورة النور: آية 32.
([10]) سورة البقرة: آية 229.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3162
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 21 شعبان 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16