• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 57- معاني وانواع قصد التمييز الاشكال بعدم الحسن العقلي في فاقد احد القصدين .

57- معاني وانواع قصد التمييز الاشكال بعدم الحسن العقلي في فاقد احد القصدين

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين و اللعنة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول الإشكالات التي يمكن أن تُورد أو التي أوردت على الاحتياط, وذكرنا ان بعض هذه الإشكالات عام مشترك وبعضها خاص بالعبادات وبعضها خاص بالمُعاملات. 
وبدأنا بالإشكال الأول من الإشكالات الخاصة بالعبادات وهو إن الاحتياط والإتيان بالعمل ألعبادي على وجه الاحتياط يفتقد قصد الوجه وقصد التمييز فهو باطل إذن فلا بُد إذن من تحصيل الحُجة اجتهادا او تقليدا على الأحكام الشرعية المرتبطة بالعبادات بأجزائها وشرائطها لكي يتسنى لنا عندئذ قصد الوجه وقصد التمييز. 
هذا ما مضى واشرنا الى ان قصد التمييز يُراد به تمييز المأمور به عن غيره ,ونظيف اليوم اضافة مهمة (قبل اكمال الأستدلالات) وهي ان قصد الوجه قد يُفسر بمعاني أُخرى ايضا هي هامة وكثيرة الابتلاء بل بعضها دائم الابتلاء. 
فالتمييز ما الذي يراد به؟ يراد به اضافة الى ما سبق التمييز في العبادة بين: 
(1) كونها اداءا او قضاءا. 
(2) التمييز بين كونها قصرا او تماما. 
(3) التمييز بين كونها عن نفسه او نيابة عن غيره. 
(4) التمييز بين كونها فريضة او نافلة كمن يصلي صلاة الصبح بنافلتها فيجب ان يُميز بين النافلة والفريضة. 
(5) التمييز بين كونها ظهرا او عصرا . 
(6) التمييز في الأجزاء ومحتملات الُجزئية بين كونها أجزاء او غير أجزاء. 
فهذه كُلها تندرج في قصد التمييز,ولعل الانسان اذا استقرأ يعثر على موارد اخرى يُبحث فيها هذا العنوان(قصد التمييز) فهل قصد التمييز وقصد الوجه معتبر في كل هذه الصور السبعة ام غير معتبر؟ 
هناك تفصيل وخلاف بين الفقهاء, وهذا البحث يُعد من مواطن تنقيح هذا المبحث,ونشير الان الى رأيين بايجاز ثم نُكمل الاستدلال: 
الرأي الاول للسيد البروجردي: يُفصل فيه بين خصوصيات المأمور به وبين خصوصيات الأمر. 
توضيح كلامه: يقول يجب تعيين ما أُخذ في متعلق الامر من العناوين القصدية التي لا ينصرف العمل المشترك الى احدها الا بالنية كالظهر والعصر وكالقضاء ( لا الاداء اذ ان من يصلي الظهر في اول الوقت ينصرف الى الظهر الادائية , اما في القضاء فالعمل لا ينصرف الى شيء ولا يتحدد بذاته بل يجب ان يحدد كونه قضاء وأنه قضاء ماذا ؟ ) وكذلك النافلة والفريضة كما مثلنا بصلاة الصبح ونافلتها, ماعدا مثل تلك العناوين القصدية يقول السيد البروجردي انه لا يجب فيه قصد التمييز والتعيين( ) . 
اذن بناءا على هذا الرأي يتولد الاشكال وهو: ان قصد التمييز ما دام مُعتبراً (على مثل هذا الرأي) فأن الاحتياط بدون تحصيل حجة على ما هي خصوصية المأمور به, هذا الاحتياط غير متكفل بإحراز ذلك العنوان القصدي ,فالعبادة باطلة. 
هذا الرأي الاول يتطرق لاكثر الصور السبعة التي اشرنا اليها. 
الرأي الاخرللاخوند الخراساني حيث يتطرق فيه لصورة واحدة وهي اخر صورة ذكرناها وهي الجزئية ,أي أنه عندما يأتي المصلي بالركوع فهل ينبغي ان يقصد جزئية الركوع للصلاة ام لا؟ فلو ركع غير قاصد للجزئية فهل صلاته باطلة ام لا؟ 
فعلى القول بالاشتراط لا تصح لانه قد أُمر بالإتيان بالصلاة التي جزؤها بل ركنها الركوع وهو لم يقصد الجزئية فلم يطابق المأتي به للمأمور به (بحسب هذا الرأي). 
والاخوند رأيه بالاتجاه المُعاكس تماما اذ يقول :واحتمال دخل قصدها (أي الجُزئية) في حصول الغرض (من العبادة )ضعيف للغاية وسخيف الى النهاية . توضيح رأيه: الاخوند يقول يكفي قصدك الانبعاث في هذا الركوع عن الامر المولوي أي الحكم التكليفي ولا يشترط التصور ثم التصديق للحكم الوضعي فلو أتيت بالركوع لأن الله امرني به كفى وتحققت الاطاعة واما ان اقصد اتياني به لانه امرني به واعتبره جزء واصدق بذلك فلا يجب. 
اذن قصد التمييز له مصاديق أو انواع عديدة هذه الانواع كل منها قابل للبحث وفيها تفصيل ولا يمكن ان نسوقها بعصا واحدة . 
تقدم البرهان العقلي الاول على اعتبار قصد الوجه والتمييز في العبادة وتمحور الدليل على عنوان الاطاعة وصدق الطاعة وان العقل الحاكم في باب الطاعة لا يرى عبادتك المأتي بها وانت غير قاصد بها للوجه والتمييز لا يراها طاعة ولا يراها عبادة هذا هو الوجه الاول. 
الوجه الثاني:وقد ذكر بعض الاعلام ان عمدة القائلين باعتبار قصد الوجه والتمييز هم المتكلمون استنادا الى: ان العقل يستقل بحسن اتيان العبادة بقصد الوجه والتمييز أي أن ياتي بصلاة الظهر مميزا اياها عن غير المأمور به من الصلوات ومميزا اياها عن المستحبات أي يأتي بها بما انها مأمور بها وواجبة,اما الفاقد للقصدين او لاحدهما فان العقل لايستقل بحسنه( ) فان من تعبده الله بالطاعة لو اتى بالعبادة بدون هذين القصدين فانه يشك في انه حقق العبودية ام لا؟ فمع الشك لا يحكم العقل بحسنه فاذا لم يحكم العقل بحسنه فانه لا يجزي في مقام التقرب الى الله, والعبادة قوامها التقرب الى الله سبحانه وتعالى . 
وبتعبير اخر :ان العقل دليل لُبي لا اطلاق له والقدر المتيقن من العبادة الصحيحة الحسنة هي تلك العبادة الواجدة للقصدين واما غير ذلك فمشكوك فيه ولا اطلاق للدليل العقلي. 
وقد ذكر البعض ان علماء الكلام اشترطوا هذا الشرط واستشهد ببعض عباراتهم, لكن الحق ان التأمل في بعض عباراتهم لا يدل على ما نسب اليهم من رأي. 
ولنذكر عبارة الشيخ نصير الدين الطوسي في التجريد التي ادعى استنادا اليها ان الشيخ يعتبر قصد الوجه بصريح العبارة:( ويستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيح والاخلال به بشرط فعل الواجب لوجوبه او لوجه وجوبه والمندوب كذلك). 
فظاهر العبارة صريح في ذلك (بشرط فعل الواجب لوجوبه او لوجه وجوبه) خاصة اذا اوضحناها بالبرهان الاني اذ اذا اردنا ان نعرف (حسن فعل) فهناك طرق ومن الطرق مدح العقلاء فنسكتشف منه الحسن العقلي ,ومن الطرق استحقاق الثواب فانه كاشف عن الحسن . 
لكننا بالتأمل نجد ان هذه العبارة :( لوجوبه او لوجه وجوبه) غير دالة ,لان الظاهر ان الحصر هنا اضافي في مقابل ان يفعل الواجب للتشهي او عبثا او تقوية البدن فيصلي الظهر لا لوجوبها أي ليس بداعي الانبعاث عن امر المولى بل يأتي بها رياضة مثلا ,فالشيخ الطوسي في مقام نفي ما لا يُسند فيه الفعل الى الله كما لو فعله رياضة فالحصر اضافي ولا ربط له بالمقام وبتعبير اخر فالخواجة عندما يقول (بشرط فعل الواجب لوجوبه) لا يريد المقابلة لما لو فعل الواجب بقصد مطلق الامر لا بقصد صنف الامر الذي هو مورد كلامنا ونقاشنا (وهو ما لو قصد مطلقا أي أتى بصلاة الظهر قربة لله تعالى لان الشارع حبذها لكنه لم ينو لوجوبها او لاستحبابها) . 
فظاهر كلام المحقق الطوسي ذاك وليس هذا وحمله على هذا خلاف الظاهر جدا , سلمنا لكن لا أقل من كون العبارة مرددة بين هذا المعنى وذاك المعنى فلا نستطيع ان ننسب لعلماء الكلام استنادا لمثل هذه الجملة انهم يقولون بقصد الوجه ,والقرينة على ذلك هي تعليقه استحقاق الثواب و المدح ,على (الاتيان بالعمل لوجوبه) فان الثواب في الاتكاز العقلائي يصلح تعليقه على اصل نسبة العمل الى المولى , ولو النسبة الاحتمالية ولا يصلح تعليقه على قصد خصوص سنخ الطلب اذ المهم لدى العقل قصد امتثال ما طلبه الله منه لا ان يكون بداعي التشهي او تقوية البدن,ولايهمه كون الأمر وجوبا او ندبا . 
اذا القرينة هي استحقاق الثواب ونحن نرى بناء العقلاء على ذلك وان المولى اذا امر عبده بفعل ما وانبعث العبد عن ذلك الامر استحق الثواب وان لم يلاحظ خصوص وجوبه او ندبه ,اما اذا كشف حاله عنه , او قال اني اقوم بهذا الفعل لا لانك امرتني بل لاني اشتهيته فهنا لا يستحق الثواب. 
فهذه القرينة العقلية على ما ندعي فلو ظهرت لاحدهم بوضوح فهو وان تردد فلا يمكن على ذلك ايضا , ان ننسب الى علماء الكلام ذلك استنادا الى مثل هذه الجملة نعم لابد من تتبع سائر كلماتهم . 
بقي وجهان يمكن ان يستند اليهما لاثبات وجوب قصد الوجه والتمييز يأتي الكلام عنهما لاحقا باذن الله تعالى . 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=317
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء 24 صفر 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23