بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الأدلة التي يمكن أن تساق على أعتبار قصد الوجه والتمييز في العبادات وان ألاحتياط غير متكفل بالقصدين.
وقد تقدم من الوجوه: انه قد ننطلق من الماهيات المُخترعة والحقائق ألاعتبارية وان هذه العبادات هي ماهيات مخترعة للشارع فلو شُك في جزئية جزء أو في شرط انه شرط أم لا؟ فلابد من ألاحتياط بتحصيل الحجة على القصدين ليحرز تحقق ذلك المركب ألاعتباري.
والمنطلق الاخر برهان الغرض وقد سبق بيانهما.
أما الجواب عن هذا الاشكال وهذه الشبهة فمن وجوه احدها: التمسك بالاطلاق المقامي لنفي جزئية او شرطية ما شك في جزئيته او شرطيته وذلك يتوقف على بيان مقدمة وهي: توضيح المراد من الاطلاق المقامي الذي هو قسيم للاطلاق اللفظي ,لأن محور الجواب الأول يتركز على ان الاطلاق المقامي يكفي في نفي جزئية ما شُك في جزئيته .توضيح ذلك: هناك نوعان من الاطلاق بل أكثر(لكن موطن الشاهد هما هذان النوعان) الاطلاق اللفظي وهو المعهود والمتداول في الالسن والاطلاق المقامي والفرق بينهما في أمور ثلاثة اجمالا:
الفرق الأول :في المصبّ أو ان شئت قل المتعلق ,فمصب الاطلاق اللفظي هو قيود الموضوع لكن مصب الاطلاق المقامي هو بدائل الموضوع أو قسائم الموضوع.
الفرق الثاني :في منشأ الاطلاق أو قل منشأ الظهور(سيأتي توضيحه)
الفرق الثالث:في نتيجة الاطلاقين فأن الاطلاق اللفظي موجب للتوسعة في دائرة الموضوع وعدمه موجب للتضييق في دائرة الموضوع,عكس الاطلاق المقامي حيث لا يوجب وجوده أو عدمه توسعة أو تضيقا للموضوع ,توضيح ذلك:
ان المولى اذا قال لعبده (اكرم العالم) فهنا يتمسك بالاطلاق اللفظي لنفي وجود قيود لموضوع هذا الحكم وانه لا فرق بين كون العالم متقيا أم لا؟ شاعرا كان أم لا؟ كاتبا كان أم لا؟ وهكذا.
اذن الاطلاق اللفظي يُتمسك به لنفي القيود المحتملة في موضوع الحكم وهو العالم,لكن اذا قال(اكرم العالم) فهل ينفي ذلك وجوب الاكرام عن الموضوعات الأخرى مثل اكرام الاب , اكرام البقال(بما هو بقال لا بلحاظ جهله)أو اكرام الصديق فهل (اكرم العالم)تعني لاتكرم اباك ,لاتكرم البقال ,لا تكرم صديقك , هنا موطن قاعدة (اثبات الشيء لا ينفي ما عداه)فاثبات الحكم لموضوع لاينفي ثبوت حكم اخر لموضوعه ,هذه القاعدة الابتدائية .
لكن (الاطلاق المقامي) لو تم فانه حاكم على هذه القاعدة، اذ ببركة الاطلاق المقامي يمكن ان ننفي ثبوت الحكم لسائر الموضوعات, فاذا قال الشارع(الأكل والشرب والجماع مفطرات للصائم) فموطن الاطلاق اللفظي قيود الاكل أي: سواء أكان الاكل قليلا أم كثيرا فانه مفطر,لكن الاطلاق المقامي موطنه نفي موضوعية القسيم الرابع الذي اسمه ألارتماس فعندما يقول الشارع(ألأكل والشرب والجماع مفطرات للصائم)فالقاعدة الأولية تقتضي ان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه أي لا ينفي كون مفطرا ايضاً، ولا ينفي ان يكون التدخين مفطرا ايضا أو اي شيء اخر من محتملات المفطرية, الا ببركة ألاطلاق المقامي لو تم ,فأن ذكر الشارع لهذه الثلاثة أو العشرة ينفي موضوعية القسيم الحادي عشر عن كونه مشمولا للحكم (وسيأتي بيان منشأ الاطلاق المقامي)
من هنا اتضحت الفروق بين الاطلاقين وانها ثلاثة: في المصب وفي المنشأ وفي النتيجة ,والآن سوف نوضح ذلك على ضوء الأمثلة:
اما في المصب(المتعلق) فمصب الاطلاق اللفظي هو قيود الموضوع، لكن مصب الاطلاق المقامي ليس الموضوع ولا قيوده، وانما هو قسائم الموضوع(بدائل الموضوع)اي الموضوعات الاخرى المباينة لهذا الموضوع التي يحتمل ان تكون الى جوار هذا الموضوع موضوعا للحكم, اذن هذا هو الفرق الاول وانه في المصب.
الفرق الثاني في نتيجة الاطلاق فنتيجة الاطلاق اللفظي التوسعة في دائرة الموضوع(الاكل قليله وكثيره، محرما كان اومحللا) لكن نتيجة الاطلاق المقامي اجنبية عن الموضوع، فلا توسعه ولا تضيقه اذ هي تتعرض لحال الموضوع الاخر.
الفرق الثالث في المنشأ: فمنشأ الاطلاق اللفظي هو مقدمات الحكمة ومنها كون المولى في مقام بيان تمام ما له مدخلية في الموضوع من القيود.
لكن منشأ الاطلاق المقامي ليس هذا لانه لا يتحدث عن هذا الموضوع وقيوده بل منشأه احدُ امرين:
اما تصريح المولى بأنه في مقام الحصر كما لو قال(الان اعدد لك مفطرات الصائم وهي كذا وكذا وهكذا) فتصريح المولى انه في مقام حصر موضوعات هذا الحكم يكون دليلاً على نفي كون القسيم الحادي عشر موضوعا للحكم.
او يكون (وهنا نقطة الافتراق) المولى في مقام (1) بيان كل موضوعات احكامه( لكنه هناك كان في مقام بيان كل قيود موضوع حكمه) فاذا كان في هذا المقام وذكر خمسة موضوعات مثلاً نفى ذلك كون السادس موضوعا.
وعلى هذا فان الاطلاق المقامي اطلاق عقلائي و صحيح، وعلى القاعدة وسيرة العقلاء جارية عليه.
وفي المقام(2) عندما نشك في جزئية او شرطية قصد الامر او قصد الوجه والتمييز ، فاذا شككنا في ذلك فهل نستطيع هنا ان نتمسك بالاطلاق اللفظي لادلة الاجزاء والشرائط.
والجواب: كلا, لان ادلة الاجزاء تقول ان (الركوع جزء) ( السجود جزء ) (الاستقبال شرط) والاطلاق اللفظي يقول ان الركوع جزء سواء كان – مثلاً - مع الخضوع ام بلا خضوع، فالمأمور هو الاعم. فببركة الاطلاق اللفظي ننفي وجود شروط اضافية في الركوع، لكن هل قوله الركوع جزء او الاستقبال شرط ينفي جزئية او شرطية موضوع اخر اجنبي او لا ينفي؟
والجواب: لا ينتفي بالاطلاق اللفظي انما ينتفي بالاطلاق المقامي لان الشارع كان في مقام (هذا الوجه الثاني) في بيان كل اجزاء هذا المركب ولم يذكر هذا كجزء فالاطلاق المقامي يقتضي نفيه.
بيان اخر: الصلاة ماهية مخترعة للشارع, فمن اين نعرف ونميز ما له دخل جزءا او شرطا في هذا المركب عن غيره؟
والجواب: لا مناص الا عن ان نأخذها من الشارع ,اذن على الشارع ان يبينها وحيث انه لم يبن الا عشرة اجزاء، فدل ذلك على نفي ما عداها.
ومبحث الاطلاق المقامي نافع في عامة البحوث الفقهية والاصولية والروائية لان الاطلاق المقامي كثير الابتلاء اذ يستعان به لنفي قسائم الموضوع(3).
وبعبارة اخرى: لابد من تمهيد المقدمات التالية لنفي جزئية او شرطية قصد الوجه والتمييز:
المقدمة الاولى ان قصد الامر والوجه مما يكثر الابتلاء به بل انه دائما مورد ابتلاء اذ في كل صلاة اما ان يقصد الوجه لوجوبه او لاستحبابه واما ان لا يقصد؟ واما ان يميز هذه الصلاة وكونها ماموراً بها ام لا؟ او كونها ظهرا او عصرا او لا يميز وهكذا.
المقدمة الثانية: قصد الامر وقصد الوجه مما يغفل عنه عامة الناس عادة, لغفلتهم عن احتمال انه قد يشترط في عبادية العبادة ان تقول اصلي صلاة الصبح لوجوبها اواصلي نافلة الصبح لاستحبابها او لا يشترط؟ وما شابه ذلك.
المقدمة الثالثة: ان قصد الامر وقصد الوجه ونظائرهما في المركبات الاعتبارية مما لا يمكن اخذها الا من الشارع فاذن لا يمكن ان يحال الى العرف او الى اي مصدر اخر.
المقدمة الرابعة والاخيرة:و حيث ان الشارع يريد التحفظ على اغراضه الملزمة وحيث ان هذا المركب الاعتباري هو المحقق لتلك الاغراض الملزمة لذا كان على الشارع لزاما بالنظر لحكمته ان يذكر اي شيء يراه جزءا في المركب أو شرطا والا لكان مخلا بغرضه .
وذلك يعني انه انسد الباب الا من الشارع للمعرفة (باب معرفة الاجزاء والشرائط منسد في المركبات الاعتبارية الا من الشارع) فلو لم يذكر الشارع الاجزاء الاخرى لكان مخلا بغرضه وحيث انه حكيم فلا يعقل ان يصدر منه هذا الاهمال او الاغفال...وللحديث صلة
__________________________
(1) هذا هو الطريق المسلوك عادة
(2) نطبق الكبرى الكلية على صغرى المقام
(3) سوف نلاحظ انه يسير الى جوار الاطلاق اللفظي ولكن البحث والنظر عادة ينصب على الاطلاق اللفظي فقط. |