• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 61- إشكال (المصباح) على النائيني و الجواب عنه .

61- إشكال (المصباح) على النائيني و الجواب عنه

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان البحث حول الاحتياط ,وان من الإشكالات التي يُمكن أن تُورد عليه: ان الاحتياط غير متكفل بقصد الوجه والتمييز فلا يجدي في العبادات . 
ثم ذكرنا الادلة التي يمكن ان تستعرض كدليل على اعتبار قصد الوجه والتمييز ,وكان من الادلة برهان الغرض، واجبنا اولاً بالتمسك بالاطلاق المقامي، وثانياً: بالتفصيل الذي ذكره الميرزا النائيني قدس سره حيث ذكر انه تارة يعلم ان الغرض نسبته للمأمور به نسبة المعلول الى علته التامة فهنا المجرى مجرى الاحتياط، وتارة اخرى نعلم ان نسبة الغرض للمكلف به نسبة المعلول للعلة المعدة (الاعدادية)فهنا المجرى مجرى البراءة، لأن الغرض ليس مقدورا . 
(وبتعبير مني للتوضيح: تارة تكون الاغراض من قبيل المسببات التوليدية ،و اخرى تكون من قبيل المسببات الاعدادية من باب الوصف بحال المتعلق لأن الاسباب توليدية أو اعدادية ) والافضل ان نصطلح كذلك. 
الصورة الثالثة: ما لو شككنا ان الغرض من قبيل المسببات التوليدية التي يكون المكلف به علة تامة لها أو من قبيل المسببات الاعدادية .فما هو المرجع لحسم الشك؟ 
المرجع حسب قول الميرزا النائيني هو لسان الدليل فلو تعلق الامر بالغرض كشفنا من ذلك ان الغرض من المسببات التوليدية اي ان المكلف به والمركب علة تامة لها، وان تعلق الامر بالمركب، كشفنا ان الغرض من المسببات الاعدادية غيرالمقدورة ,هذا ما مضى 
اعترض السيد الخوئي (قدس سره) في المصباح (1)على كلام الميرزا النائيني (قدس سره) في خصوص المسببات الاعدادية حيث ذكر الميرزا النائيني ان المسببات الاعدادية هي مجرى البراءة فهنا موطن اشكال السيد الخوئي(2) اذ يقول: 
ان الفعل المأمور به (الصلاة مثلا) يترتب عليها غرضان ,غرض اقصى وغرض اخر ادنى. بتعبير منا: الغرض الاقصى هو تلك الاغراض غير المقدورة للمكلف والتي بعض مقدماتها غير اختيارية .
وبتعبير آخر :الغرض الاقصى هو تلك المسببات الاعدادية التي لا تدخل تحت قدرة الانسان, هذا هو الغرض الاقصى، وهذا غير مأمور به لأنه غيرمقدور. 
اما الغرض الاخر، فهو يقع في طول الغرض الاقصى وهو ما نعبر عنه بالغرض الادنى (عبر عنه السيد بالغرض الاعدادي وهذا التعبير ليس بصحيح ولعله من خطأ النساخ ، لأنه اصطلاحا لا يعبر عنه بالغرض الاعدادي بل يعبر عنه بالغرض التوليدي، وهو ما كان الفعل المأمور به علة تامة له (فهذا يسمى بالتوليدي في الفلسفة والاعدادي ما كان علة معدة. 
اذن ف(الغرض الادنى)بحسب تعبيرنا و(الاعدادي) بحسب تعبيره، هو غرض توليدي. 
وكفائدة مهمة لها مساس بصميم البحث نقول:ان المسالك في حقيقة العلية في عالم التكوين، وفي دائرة الممكنات، متعددة , يشير اليها قوله : وهل بتوليد او اعداد ثبت او بالتوافي عادة الله جرت 
فمصطلح الميرزا النائيني يشير الى هذا المبحث ,فهنا ثلاثة اقوال: 
القول الاول: (التوليد) بمعنى كون السبب علة تامة للمسبب كالنار للأحراق مع اجتماع الشرائط كالمحاذات وفقدان المانع وغيرها، فالرأي الاول يرى وجود علة تامة في الكون غير الله سبحانه وتعالى , وان الاحراق قهري لو توفرت الشروط، وان لله تعالى ان يمنع تحقق الشروط او يمنع وجود النار لكن لو وجدت بشروطها وفقدت الموانع تحقق الاحراق قهراً، ولا مجال لأن لا يشاء الله ذلك. 
القول الثاني : يرى الاعداد وان العلة التامة هي الله سبحانه فقط وما نحن الا علل معدة حتى النار رغم اجتماع كل الشروط فأن الله لو لم يأذن لم تحرق، بل تتحول برداً وسلاماً، وانه حتى لو فريت الاوداج الاربعة فان الله لو لم يشأ زهاق روحه ستبقى حيا. 
القول الثالث: هو التوافي وهذا رأي متطرف ايضا يقول :لا ربط بين المقدمات والنتائج اصلا ، وانما هو صورة وشكل، فنسبة النار للإحراق كنسبة الثلج للتبريد ، فكلاهما اجنبي عن المعلول بالمرة، انما شاءت مشيئة الله انه عند حدوث النار يحدث الاحراق وعند حدوث الثلج يحدث البرد(عندية فقط لا علية تامة ولا علية ناقصة). 
اذن ثلاثة اراء في المقام والظاهر ان الرأي الصحيح هو الثاني ، وان العلل هي علل معدة فلا هي علل تامة بحيث تسلب قدرة وارادة الله عن الحيلولة دون حدوث المسببات رغم حدوث اسبابها الظاهرية، ولا هي بالموافاة بأن تكون المقدمات اجنبية عن النتائج(3). 
نرجع الى كلام الميرزا النائيني ونقد المصباح له، يقول المصباح: صحيح ان هناك غرضاً اقصى اعدادياً غير مقدور، لكنه ايضاً يوجد هناك غرض ادنى (حسب تعبيره غرض اعدادي وحسب الواقع ادنى او توليدي) هذا الغرض الادنى مقدور، لان نسبته بالنسبة الى المركب نسبة المعلول لعلته التامة، فلو قلنا بوجوب تحصيل غرض المولى الملزم (اذ قد لا نقول بذلك ولا علاقة لنا بأغراض المولى بل المهم اوامر المولى لكن الرأي الاخر يقول هناك محوران لوجوب الاطاعة والامتثال، المحور الاول: هو الامر ,والمحور الثاني :هو الغرض فلو كان هناك امر : اقم الصلاة فيجب الاطاعة، و لكن لو لم يكن امر لكن كانت روح الامر موجودة (اي كان الغرض موجوداً) كما لو ان المولى لم يعلم بسقوط ابنه في البئر فلم يأمر فهل على العبد ان ينقذه ام لا؟ هنا لا شك في الوجوب) فعلى القول بوجوب تحصيل الغرض كقسيم للامر . 
فان كون الغرض الاقصى غير مقدور لي والناتج عنه : انه لا يجب الاحتياط في مشكوك الجزئية او مشكوك الشرطية هذا بمفرده لا ينفع الميرزا النائيني لان الغرض الاقصى وان كان غير مقدور فالمجرى 
مبدئيا مجرى البراءة لكن الغرض الادنى(المسبب التوليدي) مقدور فاذا كان مقدورا فالمجرى مجرى الاحتياط والاشتغال. 
اذن الميرزا النائيني لا يمكنه ان يقودنا الى البراءة بحجة: ان بعض المسببات اعدادية اي غير مقدورة، اذ – والكلام للمصباح – صح انها غير مقدورة، لكن في طولها توجد اغراض دنيا مقدورة فالمجرى – ببركتها- مجرى الاحتياط.) انتهى كلامه بتصرف وتوضيح. 
ففي مثل(4) قصد الامر وقصد الوجه فان الغرض للصلاة هو:معراج المؤمن) وهو ليس مقدورا للعبد بل هو بيد الله، وكذا غرضية كون الصلاة قربان كل تقي هي الاخرى غير مقدورة، و كذلك الامر في كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، اذ تتوسط كل هذه الاغراض مقدمات غير اختيارية، اذن ليست الصلاة لتلك الاغراض القصوى علة تامة، بل هي علة معدة فقط ,فلو ان هذه الاغراض القصوى لوحظت بمفردها، لكان المجرى مجرى البراءة، لكن هناك غرض ادنى ملاصق للصلاة ، وهو مسبب توليدي وهو مقدور لنا، فعليه يُلزمنا الاتيان بمشكوك الجزئية ومشكوك الشرطية كقصد الوجه وقصد الامر، كما سبق في الصورة الاولى من كلام الميرزا النائيني . 
والظاهر ان هذا الاشكال غير وارد. توضيحه: هناك وجهان لعدم تمامية هذا الاشكال على الميرزا :
اولا: ما الدليل على هذا المدعى في مقام الاثبات؟ نعم في عالم الثبوت من الممكن ان تكون للصلاة او الصيام وغيرها من العبادات(5) اغراض طولية ،بعضها قصوى غير مقدورة (اعدادية)، وبعضها دُنيا مقدورة (توليدية)، ويحتمل ذلك في عالم الاثبات، لكن ما الدليل على ذلك ؟ 
انه ( قدس سره) لم يقم عليه دليلا ولعلنا في العديد من العبادات لا نجد على ذلك دليلا، وان وجدنا دليلا على ذلك في موطن فانه استقراء ناقص، واثبات الشيء لشيء لا يدل على ثبوته لشيء اخر، و لا ينفع في اثبات كلية لزوم الاحتياط في العبادات استناداً الى هذا الوجه. والحاصل: ان المستشكل لابد ان يثبت اولا انه حتى لو كانت هناك اغراض اعدادية فان تحتها حتما توجد اغراض توليدية . 
ثانيا: لو فرض وسلمنا الكبرى بأن كل عبادة كانت لها اغراض قصوى اعدادية، فان لها اغراض دنيا ايضا، ولكن نقول من اين لنا ان نعرف ان هذه الاغراض الدنيا هي توليدية ؟ اذ لعلها اعدادية ايضا فكونها ملاصقة ليس دليلا على انها توليدية، اذ سبق ان الاقوال في العلة ثلاثة : (الاعداد، التوليد، التوافي) فاذا كان المسلك (الاعدادية) بقول مطلق، وانه لا علة حقيقية في الكون سوى الله سبحانه وتعالى اذن حتى تلك الاغراض اللصيقة ليست الا اغراضاً اعدادية، اي غير مقدورة، هذا لو قلنا بذاك المبنى، لكن لعل المستشكل لا يقول بهذا المبنى ويقول بغيره ، و انه توجد لنا اغراض توليدية واغراض اعدادية، - لان القائل بالتوليد يقول بوجود علل معدة ايضاً – لكن نقول: من اين نعلم ان اغراضه الدنُيا توليدية ،اذ لعلها اعدادية، فان العام لا يتكفل بالخاص، فالاذعان بوجود مسببات توليدية لا يثبت ان الاغراض الدنيا توليدية، اذ لعلها اعدادية . 
ويقول السيد الخوئي بالنسبة للمسببات التوليدية المُعبرعنه في كلام بعض الاساطين بسد باب العدم من ناحية هذه المقدمة. 
توضيح كلامه اولا ثم الاشكال عليه: المعلول لا يوجد الا لو انسدت ابواب عدمه سواء اكانت تلك الابواب على سبيل البدل ام كان هناك باب واحد مركب من اجزاء , فلو كانت هناك الف باب لعدم الشيء واغلقنا (999) بابا لبقي معدوما , فهذه الابواب كلها يجب ان تغلق حتى يتحقق امر وجودي معين. ولعل المستظهر انه يذكر هذا الكلام بمنزلة الدليل على المدعى (سد باب العدم لهذه الاغراض اللصيقة او الدنيا) ففي المقام لو شككنا في جزء او شرط ولم نغلق باب العدم من جهته لما تحقق الغرض. 
ونقول: ذلك غير تام ايضا لوجهين: 
الوجه الاول :هو ان قاعدة سد باب العدم وان كانت في محلها صحيحة، لكنها لا تتكفل باثبات وجود غرضين طوليين للعبادة ولا تتكفل باثبات وجود غرض توليدي ادنى فالقاعدة صحيحة بحد ذاتها لكنها اجنبية عن المدعى بالمرة هذا اولا. 
الوجه الثاني: نقول ثبت العرش ثم انقش، اي يجب اثبات ان هذا المشكوك الجزئية والمشكوك الشرطية هو باب عدم لهذا الغرض التوليدي ثم القول بـ(اغلق باب العدم) بان تقصد الامر ووجه ، لكن هذا اول الكلام اي: هذا المدعى هو اول الكلام، فسدّ باب العدم متفرع على كون هذا الباب باب عدم حتى يجب ان نغلقه اي: هذا الكلام تام في ما عُلم انه جزء او شرط، فنغلق باب العدم لكي يتحقق الغرض، لكن الفرض ان كونه باب عدم هو المشكوك فيه هو اول الكلام فكيف يستند الى سد باب العدم( القاعدة المطلقة) لاثبات كون هذا المشكوك فيه باب عدم وانه ينبغي ان يغلق,هذا لايصح الا على وجه سيأتي لاحقا ان شاء الله. 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.... 
الهوامش ................................................................................ 
1- مصباح الاصول ج 2 ص 437 
2- نذكر الاعتراض ثم نرى هل الاعتراض وارد ام لا. 
3- هذا المبحث مبني على ذلك المبحث المطروح في الفلسفة 
4- هذا تطبيق للكبرى على الصغرى. 
5- لان اشكال قصد الوجه والتمييز عام في كل العبادات 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=321
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 4 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23