• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاخبار .
              • الموضوع : لننشر ثقافة الغدير .

لننشر ثقافة الغدير

بسم الله الرحمن الرحيم

هنالك بعض الأفراد عرفوا ثقافة الغدير فتحولوا وبإمكان كل واحد منّا أن يكون له دور في نشر هذه الثقافة
 في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام تحل ذكرى عيد الغدير، وكما يبدو من بعض الروايات أن هذا العيد هو أعظم الأعياد في هذه الأمة.
يدخل الراوي على الإمام أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) ويقول له: هل لهذه الأمة عيد غير عيد الأضحى وعيد الفطر ويوم الجمعة؟ ــ لأن كل يوم من أيام الجمعة عيد من أعياد هذه الأمة ــ فيقول الإمام (صلوات الله عليه): (نعم وأعظمها حرمة، فيقول الراوي وأي عيد هو؟) ــكأن إجراءات التعتيم الإعلامي التي قامت بها الحكومات المتعاقبة حجبت عن الأذهان هذا العيد، ورغم انه كان في عهد الإمام الصادق (صلوات الله عليه) شيء من الحرية ولكن إجراءات التعتيم تجعل هذا السائل لا يعرف حتى هذا اليوم ـ فقال الإمام (صلوات الله عليه): (نعم أعظمها حرمة وهو عيد الغدير الذي عيّن فيه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) علياً أميراً للمؤمنين، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه)، يقول الراوي: فقلت وأي يوم هو؟ فيقول الإمام: (هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة)(1)، ولعل وجه الأهمية في هذا العيد؛ أنه يرتبط بقضية القيادة في الأمة، وهي قضية مهمة جداً، وإذا أردنا أن نقرب دور القيادة في المجتمع، يمكن أن نمثل لذلك بهذا المثال؛ وهو دور الأب في العائلة؟ فإذا كان الأب متديناً، فكيف تنشأ هذه العائلة في ظله؟ وإذا كان الأب غير متدين وكان طالحاً وليس بصالح، فان النتيجة تكون عكسية.
سألت أحد المؤمنين: كيف هو صهرك؟. فقال: الحمد لله ليس من المدمنين على المخدرات! ويبدو أنه كان قانعاً بهذا المقدار، لاحظوا إلى أي حال وصلنا، فافترضوا لو أن الأب مدمن على المخدرات في العائلة، كيف ستنشأ؟ ألا يدمر هذا الأب عائلته؟ إن كل العائلة ستُدمّر وُتمزَق، بينما موقع القيادة في المجتمع ربما أهم من موقع الأب في العائلة، لأن الأب في العائلة ربما ليس بيده كل القدرات وكل الإمكانات، إنما بيده إمكانات محدودة، فيما تمتلك الدولة، لاسيما في هذا العهد، حيث الدول تتبنى النظام الشمولي والنُظم الأُحادية التي تضع يدها على كل شيء، حتى رغيف الخبز، وحتى النُظم التي لا تملك هذا النحو وهذا النمط، فان لها إمكانات هائلة لا يمكن أن نتصورها. فإذا كانت القيادة صالحة، يكون المجتمع صالحاً، أما إذا كانت القيادة طالحة فان المجتمع سيكون طالحاً، أو هذا من العوامل المهمة في توجيه المجتمع، فلا عجب بعد ذلك، ولا ينبغي أن يتعجب الانسان من عظمة عيد الغدير، ويتساءل الرجل: لماذا هو أعظم الأعياد؟ في هذه الرواية (أعظمها حرمة)، يقول الشاعر:

عيد الغدير أعظم الأعياد.....كم فيه لله من الأيادي(2)
هنالك ثلاثة أبعاد في قضية القيادة وقضية الغدير، أُشير إليها على نحو الاختصار:
البعد الأول: النصّ..
البعد الثاني: الشخص..
البعد الثالث: المنهج..

البعد الأول: النصّ والتعبّد الشرعي
إن قضية التعبد، قضية مهمة جداً للفرد المتدين، فمرةً يكون الإنسان غير متدين، أي لا ينطلق من منطلق الإيمان، وهذا الفرد لا كلام لنا معه، ولكن الفرد المتدين الذي ينطلق في مواقفه من الدين فان قضية التعبد الشرعي تكون مهمة جداً عنده، حتى في الأمور الصغيرة، فكيف بهذه الأمور الكبيرة، أضرب لكم مثالا معروفا.
الشيطان عبد الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي كان يحب هو، فقال الله تعالى له: أسجد لآدم، فقال الشيطان لله تعالى: أنا أعبدك بأي شكل، ولكن اعفني من هذا، فقال الله: أنا أحب أن أُعبد من حيث أريد لا من حيث تُريد(3)، وإلا لن تسمى هذه (عبادة)، وهذه المسألة لا تقتصر على القضايا الدينية، فإذا أتيتم بخادم في بيتكم وأراد أن يعمل كما يريد هو، هل تقبلون به؟! أنتم تريدون من يخدمكم وفق ما تريدون، ــ مثلاً ــ تريدونه يحضر في الساعة العاشرة، عليه أن يأتي في الساعة العاشرة، أما أن يقول: لن آتي في الساعة العاشرة، وإنما أجيء في الساعة الثامنة، هل تقبلون هذا؟! كلا لن تقبلون، وهو شيء واضح.
لذا يجب علينا أن نلاحظ ماذا قال الله تعالى في كل قضية؟ وماذا قال الوحي؟ لا ماذا يقول الرأي، أو ماذا يقول رأيي؟
فهذا هو الفاصل بين الإيمان واللاإيمان، وبين التدين واللاتدين، وهذه القضية تشكل الفرق بيننا وبين الآخرين، وهم الفرق والمذاهب الأخرى، أما بقية البحوث فهي بحوث ثانوية وتأتي في المرتبة الثانية، حيث إن أهم قضية عندنا هي:
هل قال الله تعالى: اتبعوا علياً أو لم يقل؟
وهل قال النبي (صلى الله عليه وآله): علي خليفتي من بعدي أو لم يقل؟
هذا هو المحور، أما بقية البحوث، مثل أن هذا يصلي مكتفاً أو يصلي غير مكتف، أو أن يسجد على التربة أو لا يسجد على التربة، أو أن يطوف في الحج طواف النساء أو لا يطوف، أو يطوف طواف الوداع، فهذه كلها بحوث ثانوية، لكن البحث الأهم والذي يتكفله بوضوح حديث الغدير هو أن النبي (صلى الله عليه وآله) هل قال: علي خليفتي أو لم يقل ذلك؟
نحن نعتقد أن قضية الغدير (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (4)، هي قضية واضحة، لا يوجد فيها أي غموض، وقد ذكرت لأحدهم وكان من الأفراد المتشددين العنيفين في أحد البلدان: هل تقبل حديث الغدير؟ قال: نعم أقبله، وكان حافظاً أيضاً، وقال: فلان... ذكره في كتابه في الصفحة الفلانية... ثم أخذ يتلو الحديث في صحاحه، فقلت له: إذا قال حاكم البلدة أيها الناس إنني يوشك أن أرحل بينكم وأُدعى فأجيب، ولن تروني بعد ذلك، فمن كنت أنا وليه ففلان وليه، فإذا قال الحاكم هذا الكلام، ماذا يفهم الناس من هذا المنطق، ومن هذا القول؟ هل يفهمون شيئاً آخر غير قضية القيادة والخلافة؟ وقد طال بيننا البحث، فقلت له: ما قلته لك هذا يُحتجّ به عليك يوم القيامة، لا تقول أنا لم اسمع هذا.

القضية الثانية: الشخص
إن قضية شخصية الحاكم مهمة أيضاً، فنحن لا يمكننا أن نأتي بحاكم من الشارع ونسلّم إليه مقاليد الأمور، بل يجب دراسة شخصية هذا الحاكم، ويجب أن تعرف أبعاد شخصيته، فعامل الشخصية مؤثر، وهي مؤثرة في الفكر وفي اتخاذ القرار وفي اتخاذ الموقف وفي التوجيه.
عندما يأتيكم خاطب ليخطب كريمتكم، فانتم تدرسون شخصية هذا الخاطب، وتحققون من معارفه ومن أقربائه، إحدى المحرمات الشديدة في الدين هي الغيبة، لكن تسقط حرمتها في هذا المجال، فإذا جاءكم شخصٌ وقال فلان... جاءني خاطباً إبنتي، وأنتم تعرفون عنه عيوباً خفية، فان كشف العيب الخفي يُعد غيبة محرمة ومن الكبائر، ولكن في هذا المجال، يكون لا مانع فيه، بل ربما يكون عدمه نوعاً من أنواع الخيانة لماذا؟ لأنكم تريدون أن تشكلوا أسرة صغيرة، أو أنتم تريدون أن تخطبوا فتاة وتريدون أن تعرفوا صفاتها، فلا بأس عندما تستشيرون أحداً، ولا مانع من أن يكشف عيوبها الخفية، لأن المرأة إذا كانت ذات شخصية غير سويّة، ستدمر بشخصيتها حياتكم وحياة أولادكم.
وبعيداً عن قضية التعبّد الشرعي، عندما نقارن بين شخصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وشخصية الذين يوضعون في عداده، حتى قال الإمام (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر... فالبون شاسعٌ وبعيد جداً.
والحقيقة، إذا كان الدهر منصفاً لما كان يضع هؤلاء في عداد الإمام علي (صلوات الله عليه)، إذن، قضية الكفاءة العلمية مهمة جداً، ولا يَقُلِ البعض إن العلم لا دخل له في القيادة، بل إن العلم مؤثر في القيادة، فالقائد الجاهل يكون فاقداً للأفق، والفرد إنما يتخذ القرار على ضوء آفاقه المعرفية وهذا واضح، أما الفرد الجاهل مثل الحكام الذين حكموا العراق، حيث يأخذهم الغربيون من المقهى ويضعونهم رؤساء على رقاب الشعب، وبغض النظر عن بقية الجهات؛ الجهات الأخلاقية والجهات الدينية والجهات الاجتماعية، فإنكم إذا أتيتم بعامل في مقهى أو سافل ومتسكع في الشوارع، وأعطيتم بيده القدرة، فانه لن يتغير، بل يبقى رجل الشارع الذي كان يقوم بأعمال البلطجة و(الشقاوة) في المحلة، والفرق هو الآن بيده القدرة الكبيرة.
وقد رأيتم ماذا فعل أولئك الحكام بالعراق، وكيف دمروا هذا البلد، وهذه جرائمهم، ولعلها ستمتد إلى مائة عام، فلا تتصوروا أن الجرائم خاصة بفترة زمنية معينة.
فهذا حال الحاكم الجاهل، هو يقول: (كل الناس أفقه منك يا فلان... حتى المخدرات في الحجال) (5)، وقد كتبوا ذلك في كتبهم ولم نكتبها نحن في كتبنا، فيأتي هذا الحاكم الجاهل ويصبح القائد الأعلى ويكون كل شيء بيده.
أو هذا الذي كان البارحة سمساراً لبيع الحيوانات في الأسواق، وهو من قال: (ألهانا الصفق في الأسواق)(6)!
ولكم أن تضعوا هذا في مقابل من يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني)(7).

الإمام علي (عليه السلام) عالم بكل العلوم
هنالك رواية في نهج البلاغة يشير فيها الإمام (صلوات الله عليه) إلى قضية فيزيائية، وهذه العبارة في الله سبحانه وتعالى، يقول الإمام علي (صلوات الله عليه): (كل بصير غيره ــ يعني غير الله تعالى ــ يعمى عن خفي الألوان) (8)، فالألوان التي نراها تُعد في علم الفيزياء ويذكرونها ببعض الألوان، لأننا لا نرى كل الألوان، لأن رؤيتنا لها متعلقة بطول موجات اللون ووفق طول موجاته، فنحن نرى بعض الألوان ولا نرى بعضها الآخر، وهذا مذكور في علم الفيزياء، فيما الإمام (صلوات الله عليه) يتحدث في نهج البلاغة عن هذه النظرية ويقول: (كل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان)، بمعنى هنالك ألوان خفية لا نراها ولكن الله يراها، إنها حقاً عبارة لطيفة، فأي بشر أدرك هذا الشيء؟
في تصنيف نهج البلاغة هذه هي الرواية الأولى، يقول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (لو شئت لجعلت لكم من الماء نوراً وناراً...) (9)، إن الطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية مصنفة في نهج البلاغة، فالإمام علي عالمٌ بكل العلوم، وفي مقابله من يخطأ في آية من كتاب الله قال: أصابت امرأة وأخطأ فلان! (10) لأنها وقفت أمامه وحاجّته بكتاب الله.

الحاكم بين الرحمة والعنف المقنع
إن الرحمة من الصفات الشخصية للحاكم، فالحاكم يجب أن يكون رحيماً، (ولا تكونن سبعاً ضارياً تغتنم أكله)(11)، فكانت الرحمة عند أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مقابل الشدة والخشونة التي كانت عند الآخرين، فكان العنف والشدة عند بعضهم ظاهرة وعند بعضهم الآخر مقنّعة، لقد ظهرت رحمة الإمام (صلوات الله عليه) حتى مع أشقى الآخرين، قارنوا هذه الرحمة بالعنف الظاهر والمقنع الذي كان عند الآخرين.
يوصي الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ولده بابن ملجم الذي هو أشقى الآخرين ــ هذه الرواية في البحار ــ ويقول له: (إرفق يا ولدي بأسيرك، ـ أي إن الأسير تحت يديك فارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، لاحظوا التأكيد ـ وبحقي عليك فأطعمه يا بني مما تأكله واسقه مما تشرب ولا تقيد له قدماً ولا تغل له يداً) (12)..
وفي مقابل هذا تجدون الشدة والغلظة في النظائر، فقد كان الثاني مضرب المثل في الشدة والغلظة، كتبوا في كتب التاريخ، أن امرأة حاملاً رأته فأسقطت جنيناً من خوف رؤيته! (13).
لاحظوا في التاريخ، ماذا فعل خالد بن الوليد؟ كان يأخذ الأفراد ويرميهم من المرتفعات، وهم ليسوا أعداء الدولة، إنما الذين لا يخضعون للدولة، فكان يأخذهم إلى المرتفعات ويقذفهم إلى الأسفل، أو يلقي بهم في الآبار أو يحرقهم بالنار، فقد كان خالد بن الوليد يمثل العنف المقنع، فيما الثاني كان واضحاً في غلظته وعنفه وشدته، وكان يقف خلف خالد بن الوليد الذي لا يتمكن أن يفعل شيئاً دون أن يكون مسنوداً.
إذن، العلم، الرحمة، الحكمة، الشجاعة التي كانت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) وجبن الآخرين الذين لم يسجل لهم التاريخ ولا موقفاً واحداً في تاريخهم، لا في بدر ولا في أحُد ولا في الخندق ولا في أيَّة معركة.
فأين الثريا وأين الثرى.....وأين معاوية من علي؟ (14)

القضية الثالثة: المنهج والمنهجية
نترك التعبد الشرعي جانباً ونترك الصفات الشخصية جانباً، ونسلط الضوء على المنهج الذي يحكمون به العالم الآن.
هنالك في العالم اليوم قضية مثارة تسمى (الإرهاب)، وأنتم تلاحظون الآن مظهراً من مظاهر الإرهاب في العراق ــ نسأل الله أن ينجي المؤمنين جميعاً من ذلك ــ فهذا الإرهاب له جذور سياسية، ونحن عندما نلاحظ هذه الظاهرة يجب أن نبحث عن جذورها السياسية.
إن الأنظمة العالمية والقوى العظمى هي التي تولد الإرهاب بسياساتها، فالجذور اقتصادية؛ لذا فالأنظمة الحاكمة هي التي تولد الإرهاب وتستأثر بالثروة وتضيق على الأمة فيتولد الإرهاب، وهنالك نقطة ثالثة يجب أن لا تغيب عن بالنا وهي الجذور الاقتصادية إلى جانب الجذور السياسية والجذور الاجتماعية، ولكن هنالك جذر آخر رابع وهو جذر مهم، ألا وهو الجذور الدينية، فهذا الإرهاب ليس إرهاباً جديداً فمن الذي وطأ سعد بن عبادة في السقيفة بأقدامه وقال أقتلوه قتله الله؟(15).
إن هؤلاء هم أتباع ذاك وأتباع أولئك كيف؟ لمجرد أنه لم يرضَ بأن يبايع رجلاً، وقال سعد بن عبادة: منّا أمير ومنكم أمير، فمن الذي قتل سعد بن عبادة عندما خرج من المدينة ورفض أن يبايع فمن الذي قتله بسهمين في فؤاده؟ إنه هذا الرجل، أليس هذا إرهاباً ومنهجية الإرهاب؟ ومن الذي هجم على دار علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) ومن أحرق البيت بالنار؟(16) أليس هذا إرهاباً؟ ومن الذي قتل مالك بن نويرة لأنه رفض أن يخضع للحكومة القائمة آنذاك؟ حين قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) عيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنا لا أدفع زكاتي لكم، فذهبوا وقتله خالد ثم زنى بزوجته وجعل رأسه أثفية للقدر!(17) أليس هذا إرهاباً؟ فماذا يعني الإرهاب؟ ومن الذي قال هؤلاء الستة ليجلسوا في البيت؟ إذا خالف اثنان واتفق أربعة فاضربوا عنق الإثنين، فأية انتخابات هذه؟!! وهل توجد هكذا انتخابات في كل الدنيا؟
وكذلك الحال مع صلاح الدين الأيوبي الذي طالما يمجدون به، وهو البنيان الذي بُني على تلك القاعدة وهي قاعدة المناوئين لعلي (صلوات الله عليه)، فقد هاجم صلاح الدين الأيوبي بلدة واحدة وكان في تلك البلدة خمسون ألف إنسان فأحرقهم جميعاً بالنار، شيوخاً وأطفالاً، كباراً وصغاراً، وإذا جاء الآن شخص ويحرق بيتاً فيه حفلة زواج، أو يفجر سيارة مفخخة ويقتل ــ مثلاً ــ عشرة أشخاص، فإنه لم يفعل شيئاً جديداً، فهذا من ذاك المنهج، لماذا تنكرون على هؤلاء؟ فهؤلاء أتباع أولئك، فإذا كان عندكم إنكار أنكروا على أولئك الماضين، بايع وإلا ضربنا عنقك...! فإذا يُقال لعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه): بايع وإلاّ ضربنا عنقك فماذا يُقال للآخرين؟

منهج الحرية في مقابل منهج القمع
هذا منهج، ومنهج أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو منهج الغدير منهج آخر، فالإمام (عليه السلام) لم يُكرِه أحداً على بيعته، فأي شخص رغب في المبايعة بايع، ومن لم يحب لم يبايع، فالقضية ليست فقط في قضية علي (عليه السلام) ومعاوية وإنما هي قضية منهجين، ونحن سنظل إلى ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) نعاني نتائج المنهج الآخر، وهو منهج باق، فقد قال الإمام (عليه السلام) : لا تُكرهوا أحداً على البيعة. أرادوا أن يصلوا صلاة التراويح التي هي بدعة واحتج عليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقبلوا بها، فقال لابنه الحسن (صلوات الله عليه): اتركهم فلا إكراه، وهذه مفردة من مفردات المنهج الذي يحتاجه العالم اليوم.
إن مال الأمة للأمة، فهل ثمة دولة في العالم تقول: إن مال الأمة للأمة؟! أو نفط الأمة للأمة؟! والحقيقة إذا كانوا يعطون النفط للأمة الآن، هل كان يبقى فقير؟ إذا كان المنهج الذي يساوي بين جميع الناس ويقول: (لو كان المال مالي لساويت بينهم فكيف والمال مالهم) (18)، قائم الآن، وتُعطى الثروة النفطية لكل الأمة، فكم كان يحصل كل شخص؟ وهكذا...

الرفاه والرغد في حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام)
ننقل لكم روايتين:
الرواية الأولى عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (لو أن الأمة منذ قبض الله نبيه اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم رغداً إلى يوم القيامة)(19)، والرغد بمعنى الطيب الهنيء، فمتى يكون الأكل طيباً وهنيئاً؟ عندما يكون النظام الاقتصادي وكذلك النظام السياسي صحيحاً، فلا تكون هنالك مشكلة، وفي غير ذلك لا يكون الأكل رغداً إلى يوم القيامة، فهؤلاء أفسدوا المنهج إلى ظهور الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
الرواية الثانية: ينقلها أحمد بن حنبل إمام الحنابلة في كتابه فضائل الصحابة، ينقل عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، وهذه نتيجة ذلك المنهج، يقول: (ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعماً) (20)، أي منعمّاً، والظاهر إن كلمة (ناعماً) في الاقتصاد الحديث مرادفة لكلمة (الرفاه)، وهذا من بحوث الاقتصاد، وهنالك كتب حول الرفاه، في عاصمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي كان فيها ظاهراً أربعة ملايين نسمة لم يكن هنالك إنسان في الكوفة إلاّ ناعماً، وأما في البلاد الإسلامية كلها والتي كانت أكبر وأقوى دولة في العالم، فلعل هنالك فقير في الأطراف البعيدة، وهذه نتيجة هذا المنهج.
من هنا ينبغي علينا أن ننشر ثقافة الغدير بمختلف الأشكال، والحقيقة إن العالم والناس لا يعرفون ثقافة الغدير، لاحظوا كتاب (المتحولون)(21)، هنالك بعض الأفراد عرفوا ثقافة الغدير فتحولوا، وبإمكان كل واحد منّا أن يكون له دور في نشر هذه الثقافة.
ينقل العم(22) (حفظه الله) هذه القضية ويقول: شاب من إحدى البلاد التي ليس فيها موالون لأهل البيت (صلوات الله عليه) إلا قليل، فكان هذا الشاب يأتي عندي ويسألني بعض الأسئلة، وأنا كنت أظنه من الخط الآخر، وفي يوم من الأيام سألته في مناسبة، ما هو مذهبك؟ فقال أنا من أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، فقلت له: كيف وأنت لست من عائلة موالية لأهل البيت؟ فقال: كلا، إن كل عائلتي من الخط الآخر، ولكني أنا لي قضية وهذه القضية، أني كنت في إحدى البلاد الأجنبية أدرس في الجامعة وكان معنا صديق، وفي يوم من الأيام ذهبت إلى بيت هذا الصديق، وجلست في غرفته، فيما هو ذهب ليحضر أقداح الشاي ــ مثلاً ــ أو ما أشبه فرأيت عنده مكتبة ولاحظت في المكتبة دورة من الكتب تحمل عنوان (الغدير)، قلت لأرى هذا الكتاب فأخذت هذا الكتاب، ورأيت انه يبحث عن قضية مجهولة عندي، وعندما جاء صديقنا قلت له: هل أنت شيعي؟ قال: نعم، قلت له: ولماذا لا تظهر لنا ذلك؟ فلم يقل شيئاً، فقلت: هل تسمح أن آخذ هذا المجلد الأول من كتاب (الغدير) لأطالعه؟ وكان هذا الشاب في البلد الأجنبي قد جلب معه دورة (الغدير)، يقول أخذت المجلد الأول وفوجئت بمعلومات عجيبة لم أكن أعرفها من قبل، ثم أخذت المجلد الثاني ثم الثالث إلى أحد عشر مجلداً كاملة، فرأيت أن هذا هو الحق، ومنذ ذلك الوقت انتميت إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
يقول العم: عندما حصلت هذه القضية كان العلامة الأميني(23) على قيد الحياة، وكان في مستشفى بمدينة طهران، حيث كان مريضاً، فأنا قلت لبعض الأصدقاء إن العلامة الأميني الآن راقدٌ في مستشفى في طهران ــ وقد توفي فيما بعد في علته ــ لاحظوا أثر هذا الكتاب؟ وماذا صنع العلامة الأميني وكتابه، ثم كان يعلّق العمّ تعليقاً لطيفاً، كان يقول: العلامة الأميني في مستشفى طهران ولم يكتب هذا الكتاب وهو في أيام شيخوخته، إنما في أيام شبابه، وعندما كان شاباً، فهذا الاندفاع الذي كان عنده جعله يذهب ويطالع ويقضي الليالي، يقول الوالد (24) (رحمه الله): من كثرة ما جلس وطالع انفلت شيء في عموده الفقري! ولذلك كان يعاني من آلام الظهر من كثرة المطالعة، فقد كان عنده هذا التوجه في أيام شبابه، وقد مات العلامة الأميني وانتهى ولم يبق منه أثر، ولكن هذا الأثر قد بقي، ولعله يبقى إلى مئات الأعوام.
لقد ساهم العلامة الأميني بكتابه في خدمة ثقافة الغدير، وهنالك ملاحظة دققوا في هذه الملاحظة وفكروا فيها...

الحياة دائماً في حالة تجدد
لاحظوا أنتم في أي بعد من الأبعاد وأي شخص يأتي كان يظن أن القضية انتهت، فجاء وطرح جديداً وهذا الجديد فرض ذاته، الشيخ الأعظم (25) (رحمة الله عليه) كان فارضاً نفسه على الحوزات العلمية، وإذا طالب أفغاني وهروي فقير لا يملك مالاً حتى لينتقل من طهران إلى العراق وإلى النجف الأشرف(26)، وإذا به يأتي ويطرح جديداً وهو كتاب (الكفاية) وإذا به يشق موقعه في الحوزات العلمية، والآن (الكفاية) هو قبل بحث الخارج، فما انتهت القضية عند فرائد الشيخ (الكفاية)، حتى جاء وفتحت طريقها، لكن هل انتهت هذه بالكفاية؟ وهل الكفاية هي الكفاية؟! كلا، جاء طالب إلى النجف ولم يكن يعرفه الكثيرون، بل كان يهاجمه الكثيرون بأشياء، فمرة كان يشكو هو لبعض الذين نعرفهم فقال يأخذون عليّ ثلاثة نقاط، ولا عليّ بالنقاط، فهي نقاط هامشية، كتب أصول المظفر(27)، وإذا به فتح مجاله في الحوزات العلمية، وفيما مضى لم تكن (المراجعات)، وقد ظنّ الناس أن القضية انتهت عند هذا الحد، لكن جاء شاب له همة وطرح كتاب (المراجعات) ففتح له هذا الأفق الكبير، وهل انتهت القضية عند المراجعات؟ كلا، بل جاء شخص آخر وألف (الغدير) وجاء آخر و ألف الكتاب الكذائي... وهذا يدل على أن لا وجود لحد معين، فأنتم تظنون في علم الأصول انتهت القضية، فهذه هي النهاية، كلا، هذه ليست النهاية، أو في علم الفقه هذا هو الخط الأخير! كلا، لا يوجد خط أخير في علم العقائد، ولا يوجد كتاب أخير.
إن الحياة دائماً في حالة تجدد ودائماً تحتاج إلى كتاب جديد مع أن القديم يحفظ موقعه فلعل الكتاب الذي ألفتموه أنتم في الغدير فتح له آفاقاً واهتدى به الملايين.
ونحن يجب علينا أن نحاول أن نعمم ثقافة الغدير بالقلم والبيان والقدم والمال وكل ما في إمكاننا حتى نكون ممن يشملهم دعاء النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حين قال في يوم الغدير: (اللهم انصر من نصره)، وفي تلك القضية المعروفة قال له الإمام (عليه السلام): (وأنت نصرتنا فنصرناك)(28)، وأن لايشملنا هذا الدعاء: (واخذل من خذله).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
*من محاضرات الفقيه آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، التي طبعت في كتاب تحت عنوان (منهج الغدير)


----------------------------------
(1) راجع: الكافي، الشيخ الكليني: ج 4 ص 149.
(2) من شعر الشيخ محمد حسين الاصفهاني الغروي.
(3) بحار الأنوار: ج 11، ص 141.
(4) سورة ق: 37.
(5) بحار الأنوار: ج 48، ص 97.
(6) الاحكام: ابن حزم: ج 2، ص 143 (ألهاني الصفق في الأسواق)
(7) نهج البلاغة: من كلام له (عليه السلام) في تقسيم الإيمان.
(8) نهج البلاغة: من خطبة له (عليه السلام) في تنزيه الله.
(9) تصنيف نهج البلاغة: ص 782.
(10) تفسير القرطبي: القرطبي: ج5، ص 99.
(11) نهج البلاغة: من عهد له (عليه السلام) إلى مالك الأشتر.
(12) مستدرك الوسائل: ج 18، ص 256.
(13) مناقب آل أبي طالب: ج 2، ص 188.
(14) من شعر منسوب لعمرو بن العاص.
(15) راجع: بحار الأنوار: ج 28، ص 336.
(16) راجع كتاب الانتصار للحر العاملي: ج6، ص437.
(17) راجع كتاب السلفية بين أهل السنة والإمامية، للسيد محمد الكثيري: ص 697.
(18) راجع: نهج البلاغة: من كلام له (عليه السلام) في التسوية في العطاء.
(19) الاحتجاج: الشيخ الطبرسي: ج 1، ص 223.
(20) فضائل الصحابة: الرقم 852.
(21) تأليف الشيخ هشام آل قطيط الذي استبصر باعتناقه مذهب أهل البيت %.
(22) المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله).
(23) العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي (1320 ـ 1390 هـ).
(24) المجدد الثاني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (1347 ــ 1422 هـ).
(25) الشيخ الأعظم مرتضى بن الشيخ محمد أمين الأنصاري (1214 ـ 1281 هـ).
(26) وهو الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني صاحب كتاب كفاية الأصول.
(27) وهو الشيح محمد حسن بن محمد المظفر، صاحب كتاب أصول الفقه.
(28) راجع كتاب بحار الأنوار:ج52،ص75، قصة أبي راجح الحمامي الحلي.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3211
  • تاريخ إضافة الموضوع : 17 ذو الحجة 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28