• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 64- جواب ثالث عن شبهة اشتراط قصد الوجه و التمييز - الاشكال على الاحتياط في المعاملات بفقدان الجزم فلا يتحقق الإنشاء .

64- جواب ثالث عن شبهة اشتراط قصد الوجه و التمييز - الاشكال على الاحتياط في المعاملات بفقدان الجزم فلا يتحقق الإنشاء

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 
بقيت تتمة موجزة للبحث السابق :وهي جواب آخر عن شبهة لزوم قصد الوجه والتمييز في العبادات والجواب هو: انه لو تنزلنا وسلمنا بلزوم قصد الوجه والتمييز فان ذلك انما في ما اذا أمكن معرفة (الوجه) وفيما اذا أمكن تمييز المأمور به, دون ما لا يمكن, فأذا لم يمكن معرفة الوجه والتمييز فليس قصدهما معتبرا بلا اشكال, والدليل على ذلك اننا لو اوجبنا ذلك للزم الحكم بعدم صحة الاحتياط في العبادات مطلقا حتى في مثل المتحير في اتجاه القبلة في الصحراء المنغلق عليه باب الاجتهاد أو التقليد (أي المنغلق عليه باب تحصيل الحجة على القبلة ) وهذا مما لا يلتزم به احد . 
وبعبارة اخرى لو التزمنا بوجوب قصد الوجه و الامر مطلقا للزم بطلان الاحتياط حتى في صورة التحير المستقر والتالي باطل لبداهة صحة الاحتياط بالصلاة إلى الطرفين المردد كون القبلة احدهما. هذا جواب تنزلي ينفي كون الاشتراط مطلقا. 
وللسيد العم في بيان الفقه تحليل لطيف لوجه مخالفة ابن ادريس للاحتياط بالصلاة في الثوبين الذين ثبت ان احدهما نجس ولا يعلمه بالذات ,حيث ذهب ابن ادريس هنا إلى عدم صحة الاحتياط بالصلاة مرتين تارة بهذا الثوب وتارة بذاك الثوب. 
ذكر في بيان الفقه : لعل وجه قول ابن ادريس بالبطلان ذهابه إلى مبغوضية الصلاة بالثوب النجس وهذه المبغوضية راجحة بنظره ومقدمة على حسن الاحتياط , اذن هنا عنوان ثانوي في البين, اذن ليست المشكلة ناشئة من فقدان قصد الوجه والتمييز بل من وجود مزاحم اقوى ,فعلى هذا حتى مثل ابن ادريس ينبغي ان يقول بجواز الاحتياط لو لم يوجد مزاحم اقوى كما في الصلاة إلى الجهتين فيما لو ترددت القبلة فيهما وكذلك اذا ترددت الصلاة بين القصر والإتمام . 
واضيف إلى كلامه:ان هذا الاشكال الذي كان منشأ منع ابن ادريس من الصلاة في الثوبين المشتبهين لعله ليس خاصا بهذه الصورة بل هو عام للصور الست عشرة السابقة من صور الاحتياط المذموم ومنها صلاة اذ الوسواسي وعند مراجعة تلك الصور سوف نجد ان ابن ادريس وان ذكر صورة واحدة الا ان ملاكه عام ,هذه تتمة للمبحث السابق . 
انتهى الكلام من بحث الاشكال الرئيس الذي يمكن ان يورد على الاحتياط في العبادات , وهناك اشكالات اخرى يمكن معرفة الوجه في الاجابة عنها بالتأمل مثل ان الاحتياط موجب للعبث باحكام المولى ومثل ان قصد الاطاعة لا يمكن ان يتحقق بالاحتياط وغير ذلك. 
الآن ننتقل إلى الاشكالات الخاصة بالمعاملات وهي ايضا اشكالات متعددة لكن سوف نتوقف عند اهم هذه الاشكالات لكونه اشكالا مفتاحيا في البحوث الفقهية والاصولية . 
فنقول: لقد استُشكل بما يمكن بيانه من خلال قياسين من الشكل الاول : 
القياس الأول: الصغرى :المعاملات يعتبر فيها الانشاء(متوقفة على الانشاء) 
الكبرى : الانشاء متوقف على الجزم(1). 
النتيجة: ان المعاملات يعتبر فيها الجزم,ثم نجعل هذه النتيجة صغرى لكبرى 
قياس ثاني : من الشكل الاول ايضا. 
الصغرى:المعاملات يعتبر فيها الجزم. 
الكبرى:الجزم مما لايتحقق بالاحتياط 
النتيجة:ان المعاملات مما لا تتحقق بالاحتياط . 
وتوضيحه يحتاج إلى ذكر مقدمات(2): 
المقدمة الاولى:تعريف الانشاء , (هو ايجاد حقيقي لمعنى اعتباري في عالمه(في عالم الاعتبار)بالمظهِر , لفظا كان ام غيره ) وهذا التعريف يدفع بعض الاشكالات على تعريف الانشاء عكس بعض التعاريف غير الجامعة او غير المانعة 
وبقولنا(ايجاد)اخرجنا الإخبار وبذلك يتضح الفرق بين الانشاء والإخبار (3) لان الإخبار حكاية وليست ايجادا (فالمرآة تحكي ولا توجد اما الذهن فقد يخلق نارا ذهنية مثلا) وبذلك يتضح الفرق الجوهري بالبرهان الاني(اي في عالم الاثار) بين الإخبار والانشاء وهو ان الإخبار يحتمل فيه الصدق والكذب (هذا تعريف بالخاصة) اما الانشاء فلا يحتمل فيه الصدق والكذب لأن الانشاء ايجاد والايجاد أمره دائرٌبين التحقق وعدمه وكونه اما موجودا أو معدوما أي دائر أمره بين النقيضين, ويتضح هذا بملاحظة ان الايجاد هو الوجود المنسوب للفاعل والوجود هو المنسوب للقابل والوجود لا يحتمل فيه الصدق والكذب , اذالوجود هو الثبوت والواقع , وانما الصدق والكذب يجريان بملاحظة المطابقة بان يطابق القول للمعتقد فهذا صدق أو يطابق القول الواقع فهذا صدق على رأي ثاني أو يطابق القول الواقع والمعتقد على رأي ثالث فهو صدق والا فهو كذب . 
اذن فالصدق والكذب قوامهما بوجود عالمين يطابق احدهما الآخر أو يخالفه أما الايجاد فهو عين الوجود باختلاف النسبة – يعني الوجود لو نسبته للقابل يسمى وجودا ولو نسبته للفاعل يسمى ايجادا فوجودي إذا نسبته إلى الله يكون ايجادا له واذا نسبته لي فهو وجود لي لا ان وجودي وجود له كما يقول بعض الصوفية من الذاهبين إلى وحدة الوجود اذن في الايجاد لا يوجد احتمال الصدق والكذب اذ لا يوجد عالمان لوحظ تطابق احدهما مع آخر ولأن الايجاد دائر امره بين الوجود والعدم اما الإخبار فحكاية فأن طابقت فصادقة والا فكاذبة ,وهذا القيد الاول واضح وهو الايجاد. 
ثم قلنا (حقيقي) اي ان هذا الايجاد حقيقي وليس ايجادا متوهما ,وبهذه الكلمة سنجيب على العديد من الفلاسفة بما فيهم بعض المتأخرين حيث رأوا ان عالم الاعتبار عالم قائم بالذهن , و من قال بانه وهمي لاغير ونحن نقول فرق بين الوهم والاوهام وعالم الاعتبار. 
بل الاعتبار هو ايجاد حقيقي (4)لكن الرتبة الوجودية لمعلوله والموجد به ادنى , اذ الموجد تارة يكون موجد قوي كالروح (قل الروح من امر ربي)(5) وتارة يكون الموجد اضعف كسائر الجواهر وتارة يكون الموجد اضعف منهما وهو العرض مثل الكم والكيف وما اشبه وتارة يكون اضعف مما سبق وهو الانتزاعات ( وسيأتي توضيحها) وتارة يكون الموجد اكثر ضعفا وهو الاعتبار . 
اذن لا فرق بين في عالم الواقع او عالم الانتزاع أو عالم الاعتبار اذ في كلها يكون هناك ايجاد حقيقي لكن درجة الموجد أو رتبته تختلف قوة وضعفا وسيتضح لاحقا اكثر . 
فالانشاء اذن ايجاد للمعنى الاعتباري , وتعبير الوالد (قدس سره) في الاصول اولى من هذا التعبير وادق يقول:(ايجاد حقيقي للطلب أو لمعنى اعتباري آخر ) فقد جعل الطلب قسيما للمعنى الاعتباري (وانه قد يكون ايجاد طلب مثل الامر(6) أو الاستفهام(7) أو الدعاء(8) وقد يكون ايجاد شيء له اعتبار)فجعل المعنى الاعتباري قسيما للطلب كما صنع عدد من اعلام البلاغة والاصول ذلك لوجود فرق دقيق بين الطلب الذي هو قائم بالنفس فتوجده ايضا في عالم الاعتبار وبين المعاني الاخرى مثل الزوجية والملكية والقضاوة والولاية وما اشبه التى ليست كالطلب قائمة بالنفس وانما سنخها سنخ اخر وهذه اشارة والتفصيل في محله (وقد يكون ايجاد شيء له اعتبار مثل العتق والطلاق والبيع وبذلك يظهر الفرق بين (طلّقَ وطالق وطلقْ) فطلقَ إخبار فهي حكاية فيحتمل فيها الصدق والكذب وهي متوقفة على ملاحظة المطابقة بين عالمين , اما (طالق) فهذه اعتبار أي ايجاد لمعنى اعتباري في عالمه وهو(الطلاق)فهو ايجاد للطلاق لا إخبار عنه وأما (طلّق) فهو ايجاد لطلب الطلاق ف (طالق) ايجاد للطلاق و(طلّقْ) ايجاد لطلب الطلاق , نجد ان العلماء بحثوا مبحث الانشاء والطلب في مبحث الاوامر من الاصول واما بحث انشاء المعاني الاعتبارية كطالق فقد ذكروه في باب العقود والمعاملات من الفقه (9) , هذه هي المقدمة الاولى . 
المقدمة الثانية: المشهور في المنطق والفلسفة ان الوجودات اربعة:الوجود العيني والذهني واللفظي والكتبي لكن هذا التقسيم المشهور, في تصورنا ناقص وهذا النقص اثمر الخطأ الاصولي اللاحق الذي وقع فيه البعض , بيان ذلك : ان الوجودات ليست أربعة بل هي اكثر ونشير اشارة وتفصيله في محله وفنقول: لماذا ذكروا الوجود اللفظي والوجود الكتبي مع انهما ليسا وجودا حقيقيا للشيء فالنار اللفظية ليست نارا حقيقة (بالحمل الشايع الصناعي)وانما هي مرآة ؟ وما ذلك الا لانهم انتقلوا الى عالم الاثبات وفي عالم الاثبات النار اللفظية عاكسة وكاشفة ومرآة للنار الحقيقية وكذلك النار الكتبية فاذا كان ذلك كذلك فنقول : يوجد عالم خامس اولى بالذكر منهما وهوعالم الصور (10) فكما ان كلمة حديقة كاشفة عن العالم العيني الخارجي فصورة الحديقة ايضا كاشفة عنه فعالم الوجود الصوري عالم وجودي وما اكثره الان وكما تحكي الالفاظ و الكلمات عن الخارج فكذلك الصور بل لعلها اذق و اوضح . 
ونشير إلى عالم آخر اهم ومرتبته قبل عالم الصور والالفاظ و الكتابة وبعد عالم الاعيان وهو عالم الظلال المصرح به في القرآن (ولله يسجد من في السموت والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال)(11) ولأن القرآن قليل الاستخدام في الفلسفة أو نادر لذا لم يستفد منه والعلم الحديث اثبت وجود الامواج الحرارية للجسم و الكهرومغناطيسية وغيرها فهذا عالم ايضا وعالم واسع جدا ,وهذا العالم فيه تفصيل وهذا التفصيل سوف يبين حقيقة عالم الاعتبار وانه ليس عالما وهميا ولا عالما مجازيا وتفصيله سيأتي باذن الله تعالى 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
الهوامش ............................................. 
1- والادق في القياس هو ( المعاملات متوقفة على انشاء والمتوقف على الانشاء متوقف على الجزم فالمعاملات متوقفة على الجزم ) 
2- ذكر هذه المقدمات لاثبات النتائج في القياس الاول والثاني وبعض هذه المقدمات سينفع في دفع اشكالات لاحقة وهذا ايضا بحثا مفتاحيا 
3- (على عكس رأي الآخوند) 
4- ايجاد حقيقي في مقابل الوهم والمجاز اي ليس ايجادا متوهما ولا ايجادا مجازيا 
5- سورة الاسراء 85 
6- يوجد طلب هذا الشيء من العبد 
7- يوجد طلب الاستعلام 
8- يوجد طلب الاستجداء من الله 
9- لعله لم يذكر عند قدماء الفلاسفة كارسطو لأنه لم يكن للصور وجود – المقرر 
10- سورة الرعد 15 
11- وهي التي تلتقط بعضها ( ك جهاز التصوير ) فتنطبع على شكل صورة لشخص او لشجرة و غير ذلك 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=324
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 7 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23