• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 113- الفرق بين العناوين التنجيزية والتعليقية - سند الرواية .

113- الفرق بين العناوين التنجيزية والتعليقية - سند الرواية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(113)

 

الظلم عنوان تنجيزي ملازم للقبح، عكس الغصب

وبعبارة أخرى: ان الظلم يختلف عن مثل الغصب والكذب في انه ملازم للقبح والحرمة وانه لو تجرد مصداقه عنهما محمولاً لما كان ظلماً موضوعاً، عكس الغصب والكذب فانه قد يكون غصباً أو كذباً ويكون حسناً بل واجباً، وتوضيحه: ان غصب حبل الغير قبيح محرّم لكنه لو توقف عليه إنقاذ الغريق لكان حسناً بل واجباً رغم صدق عنوانه الموضوعي وهو انه غصب فهو غصب واجب لا انه ليس بغصب حينئذٍ، وكذلك الكذب لو كان للإصلاح فانه حسن بل واجب مع انه كذب فهو كذب لكنه واجب، فلا تدافع بين الموصوف والصفة (الغصب الواجب) أو المبتدأ أو الخبر (الغصب واجب) في بعض الحالات أي فيما لو كان لأجل أمر أهم مسلّم، فعنوان الغصب من حيث ثبوت القبح والحرمة له تعليقي أي ان وصفه بالقبح والحرمة وثبوتهما له معلق على عدم وقوعه مقدمة للأهم أو مزاحمته للأهم، اما الظلم فهو ملازم للحرمة والقبح فكلما كان ظلماً كان قبيحاً محرماً ولا يعقل وجود الظلم الحسن أو الواجب بل ان وصفه بالحسن أو الواجب وصفٌ بالمناقض لذاته فانه إذا وقع الظلم فرضاً مقدمة لواجب أهم فانه حينئذٍ ليس ظلماً أصلاً لا انه ظلم حسن؛ ألا ترى ان قطع يد الغير ظلم قبيح لكنه إذا توقفت حياته على قطع يده وإلا سرى المرض فقتله، فان قطع الطبيب ليده حينئذٍ ليس ظلماً لا انه ظلم حسن.

وكذلك أخذ الخمس والزكاة والكفارات والجزية والخراج من المسلم والكافر([1]) فانه ليس ظلماً حسناً بدعوى انه أخذ ماله منه بدون رضاه فهو ظلم ولأنه كان للأهم أي لخدمة المجتمع فهو حسن، بل انه ليس ظلماً أصلاً؛ ولذا لا يرى العقلاء أخذ الضرائب غير المجحفة (ولنفرض رضا الناس بالحكومة وكون الضرائب مما تصرف لتوفير الخدمات للناس حقاً كبناء المستشفيات وحفر الأنفاق وشق الطرق وصنع الجسور وشبه ذلك) ظلماً جائزاً بل يرونها عين العدل.

والتعبير في الرواية دقيق إذ قال عليه السلام: ((وَظُلْمٌ لَا يَدَعُهُ اللَّهُ)) ولم يقل مثلاً (وغصب لا يدعه) فانه قد يدع الغصب بل قد يوجبه اما الظلم فملازم للقبح فلذا لا يدعه. فتدبر

 

فلا يعقل تزاحم الظلمين

وعليه: فانه كلما تزاحم الظلم مع ظلم آخر كما لو تزاحم غصب حبل زيد مع غصب حبل عمرو لإنقاذ الغريق فان كانا متساويين ملاكاً، لم يكن أحدهما ظلماً بل كان أحدهما عدلاً والآخر ظلماً ولو غصبهما معاً كان ظالماً ظلماً واحداً بينما لو غصب أحدهما فأنقذ به الغريق لم يكن ظالماً وإن كان غاصباً، والحاصل انه يصدق عليه الغاصب ولا يصدق عليه الظالم.

واما لو كان أحدهما أهم كما لو دار الأمر بين غصب الحبل من الفقير المحتاج إليه أشدّ الحاجة، وبين غصبه من الغني المستغني عنه فان غصبه من الغني عدل حسن وغصبه من الفقير ظلم قبيح إذ ما دام يمكنه ان يحقق الجامع الواجب في ضمن نوع أو فرد أقل ضرراً فانه إذا حققه في ضمن نوع أو فرد أشد اضراراً كان ظلماً بلحاظه.

والنتيجة: انه لا يعقل التزاحم بين الظلمين، إذ يكون أحدهما فقط حينئذٍ ظلماً لا كلاهما، فهو([2]) من السالبة بانتفاء الموضوع([3]) فلا إطلاق للرواية ليشمل صورة التزاحم إذ يستحيل الإطلاق نظراً لضرورة الانقلاب الموضوعي حينئذٍ بمجرد التزاحم، عكس ما لو كان الموضوع في الرواية الغصب أو المحرم أو المعصية أو شبه ذلك.

 

إشكال: كل حق للنفس فهو حق لله وبالعكس

وربما يورد على الوجه الثاني الآنف وهو: (الإشكال بانها عن ظلم النفس وظلم الغير، لا عن ظلم الله وظلم الغير؛ فانه يرد على الاستدلال بالرواية انها أجنبية عن البحث من جهة أخرى، وذلك لأن محل الكلام والنقض والإبرام هو التزاحم بين حق الله وحق الناس، ومورد الرواية حق الشخص نفسه وحق الناس ((وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ: فَظُلْمُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ)) و((أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَدَعُهُ: فَالْمُدَايَنَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ)) فلو فرض دلالة الرواية على الترجيح في صورة التزاحم فانه ترجيح حق الناس على حق الشخص نفسه ولا يرتبط ذلك بالمرة بترجيح حق الناس على حق الله)([4]).

بان كل حق للنفس فهو حق لله وكل حق لله تعالى فهو حق للنفس:

اما القضية الأولى: فلأنه تعالى منشأ الحقوق كلها فما لنا من حق على أبداننا وأموالنا وحقوقنا فهو منه تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)([5]).

واما القضية الثانية: فواضحة على مسلك العدلية وذلك لتبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات فكل حق لله تعالى فهو لأنه لاحظ مصالحنا فلاحظ تحريم الخمر والميسر وغيرهما فحرّمها ولاحظ إيجاب الصلاة والصوم وغيرهما فأوجبها فان كلها في مصلحة العبد واما الأمر الامتحاني فنادر مخالف للأصل، وعليه: فالأضلاع ليست ثلاثة: حق الله وحق النفس وحق الناس بل هما ضلعان حق الله وحق النفس منه وحق الناس بل الحقوق مرجعها إلى حق واحد وهو حق الله تعالى.

 

الجواب: الفارق المصبّ

ويرد عليه: ان ذلك وإن صح إلا انه لا يخلّ بثبوت الأضلاع الثلاثة إذ الفارق في المصبّ فان كان مصب الإيجاب والتحريم حق الناس (كتحريم الغصب والسرقة) فهو حق الناس وإن كان منشؤه ومآله إلى حق الله تعالى وإن كان مصبهما حق النفس (كتحريم الاستمناء عليه أو تحريم قطع أصبعه) فهو حقه وإن كان منشؤه حق الله، وإن كان المصب لحاظ جهة مولويته تعالى وكونه خالقاً ورازقاً (كحق طاعته وعبادته) فهو حق الله وإن عاد بالنفع لا محالة للنفس وللناس، فهذا بعض الحديث عن فقه الرواية.

واما سند الرواية فقد أشكل عليه السيد العم بقوله: (وفيه أولاً: إنّ السند مشكل بالرجلين، فالمفضّل بن صالح (وإن كان من شيوخ ابن أبي عمير، وقد اعتبره بعضهم ممدوحاً كالمامقاني والزنجاني (قدس سرهما) ونصّ الصفّار والمفيد في البصائر والإرشاد على عدوله إلى التشيّع، وهو لا يخلو من إيماء – كما قيل – على إنّ الإنحراف العقيدي هو الإشكال الوحيد فيه وقد زال) إلّا إنّ تصريح النجاشي بضعفه ليوقف الشخص.

وسعد بن طريف: إمّا مجهول أو ضعيف، والتفصيل في الرجال)([6])

ولكن الظاهر ان كلا الرجلين ثقة وروايتهما معتبرة.. وسيأتي بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال الإمام الحسين عليه السلام: ((إِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخَافُ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَيَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ مِنْ ذَنْبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنَّتِهِ وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)) تحف العقول: ص239.

 

-----------------------------------------------------------

([1]) الأخيران للكافر.

([2]) التزاحم.

([3]) إذ لا يوجد حينئذٍ ظلمان ليتزاحما.

([4]) الدرس (111) بتصرف.

([5]) سورة النحل: آية 53.

([6]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول (التعادل والترجيح)، مركز التوزيع: دار الأنصار – قم، ص21.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3240
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 28 محرم الحرام 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19