• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 114- توثيق سعد بن طريف وتحقيق تعارض النجاشي مع الشيخ .

114- توثيق سعد بن طريف وتحقيق تعارض النجاشي مع الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(114)

 

تتمة: الإشكال بان المعصية بسوء الاختيار، ظلم

وقد يعترض على ما ذكر من استحالة تزاحم الظلمين لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع لانقلاب العنوان بالتزاحم لأن عنوان الظلم تنجيزي إلى آخر ما سبق، بالنقض بصورة تقصيره واضطراره إلى فعل المعصية أو قسره عليها بسوء اختياره فانه ظالم حينئذٍ وإن كان مضطراً أو مقسوراً حالياً، فلو اضطر إلى ارتكاب أحد الظلمين المتزاحمين، بسوء اختياره فان التزاحم لا يخرج ذلك الفعل (كالغصب) موضوعاً عن كونه ظلماً.

 

الجواب: تفويت القدرة ظلم، وليس العمل نفسه حينئذٍ ظلماً

والجواب: انه ليس بظلم حينئذٍ وإن كان معصية، بل الظلم ما سبقه من تفويته قدرته، فالخلط بين الظلم والمعصية، وبين كون الفعل الحالي ظلماً وكون سببه ظلماً هو الموقع في اللبس، وتوضيحه: انه لو كان قادراً على إنقاذ الغريق مثلاً بدون غصب حبل الغير كما لو كان له حبل فاتلفه عمداً فانحصر إنقاذ الغريق بغصب حبل الغير فاضطر إلى غصبه وتوقف عليه إنقاذه (بسوء اختياره) فان غصب حبله حينئذٍ ليس ظلماً فعلاً أبداً بل هو عدل أو إحسان، غاية الأمر انه ظالم بتفويته قدرته حينذاك بإتلافه حبله المسبب لاضطراره لغصب حبل الغير لينقذ الغريق، فالظلم ذاك أي ان تعجيزه نفسه في الماضي وهو ملتفت قاصد، ظلم، واما الغصب فعلاً فليس بظلم، نعم يستحق العقاب على غصبه الحالي لسوء اختياره لكن استحقاق العقاب أعم من كونه ظلماً بل هو لكونه معصية كان يمكنه تداركها مع فرض كونها حراماً مطلقاً لا مشروطاً فتدبر.

 

البحث عن سند رواية (ظُلْمٌ يَغْفِرُهُ وَظُلْمٌ لَا يَدَعُهُ)

واما سند الرواية فقد أشكل عليه بالرجلين المفضل بن صالح عن سعد بن طريف عن الإمام الباقر عليه السلام والرواية هي: ((الظُّلْمُ‏ ثَلَاثَةٌ: ظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لَا يَدَعُهُ اللَّهُ. فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ: فَالشِّرْكُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يَغْفِرُهُ: فَظُلْمُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَدَعُهُ: فَالْمُدَايَنَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ))([1]).

 

بحث عن وثاقة سعيد بن طريف

ولكن الظاهر وثاقة كليهما:

 

توثيق الطوسي وتضعيف النجاشي

اما سعد بن طريف الحنظلي الاسكاف الكوفي، وهو من أصحاب الإمام السجاد والباقر والصادق عليهم السلام، فقد وثّقه الشيخ الطوسي وضعّفه النجاشي كما قيل، وتفصيله: ان الشيخ عبّر عنه بـ(وكان صحيح الحديث) اما النجاشي فعبّر عنه بـ(يُعرف ويُنكر).

 

المعاني الثلاثة لـ(يُعرف ويُنكر)

اما قول النجاشي (يُعرف ويُنكر) فالمحتملات في المراد به ثلاثة: انها توثيق، أو تضعيف، أو لا هذا ولا ذاك، فان المحتمل في قوله (يعفر وينكر): ان مرجع الضمير هو الراوي أو الرواية والحديث، والأخير يحتمل فيه وجهان فالاحتمالات ثلاثة:

1- ان معنى (يعرف وينكر) ان الراوي يُعرف لدى بعض علماء الرجال ويُنكر لدى بعضهم، أي انه مما تعارض فيه التوثيق والتضعيف، فإذا كان هذا هو المراد فانه يعني ان النجاشي بنفسه متوقف فيه إذ رأى التعارض فلم يُبدِ رأياً بل نقل انه يُعرف ويُنكر، وعليه فلا يقوم مقابل توثيق الطوسي له وتصحيحه لحديثه.

لا يقال: لكنه حاك عن تعارض الجرح والتعديل، والجرح مقدم؟.

إذ يقال: أولاً: لا إطلاق لتقدم الجرح إلا إذا أحرز ان الجارح أطلع على ما لم يطلع عليه المعدّل وكان مما لو أطلع عليه لجرحه أو كان مبنى الفقيه موافقاً لمبنى الجارح، فتدبر.

ثانياً: سلمنا، لكن الجرح إنما يتقدم على التعديل لو علمنا شخص الجارح وكلامه والموثق وكلامه، واما المقام فليس كذلك إذ الموثِّق معلوم الشخص والكلام([2]) اما الجارح فمجهول الشخص والكلام([3]) وبناء العقلاء لو كان على تقديم الجرح فليس في مثل هذه الصورة، ولا أقل من كونه لبّياً لا يعلم شموله للمقام، ويؤكده: ان عبارة الجارح قد تكون ظاهرة الدلالة على الجرح وقد تكون ضعيفة الدلالة وقد يكون الجارح متثبّتاً وقد لا يكون، فإذا تعارض جرح غير المتثبت أو المتسرع كابن الغضائري مع تعديل المتثبت تقدم الأخير، ويؤيده توقف النجاشي فانه على مبنى تقدم الجرح على التعديل لا معنى لتوقفه فحيث أحال على يعرف وينكر ولم يبدِ رأياً فانه يدل على تردده اما لضعف الجارح أو لضعف مستند جرحه أو لضعف دلالة عبارته ولكن لم يبلغ الضعف درجة السقوط عن الحجية بالمرة وإلا لتقدم التوثيق عليه، بل مجرد ان لا يكون أرجح من الموثِّق ولذلك توقّف. فتأمل

وعلى أي فان هذا المعنى الأول، بعيدٌ.

2- ان المراد يعرف حديثه وينكر من حيث إسناده، أي انه يعرف إن كان إسناده إلى الثقات فهو لذلك يعرف، وينكر إن كان إسناده إلى المجاهيل أو الضعاف فينكر لأجل ذلك، أي ان جهة كونه يعرف وينكر، إسناده، فإذا كان هذا هو المراد كان توثيقاً له؛ إذ يدل على انه لا كلام فيه وفي وثاقته إنما الكلام فيمن يروي عنه هو فان كان ثقة فروايته معتبرة (للفراغ عن حسن حاله هو) وإلا فعليلة، فعلى هذا يطابق قوله([4]) توثيق الشيخ الطوسي.

3- ان المراد يعرف حديثه وينكر من حيث ذاته ومضمونه ومن جهة انه إذا احتفّ حديثه بقرائن الصحة فيعرف وإذا احتف بقرائن السقم فينكر، وهذا ما فهمه المشهور كما قيل، وهو على هذا قدح إذ يدل على عدم وثاقته وانه لا بد من الرجوع للمضمون والقرائن فإن كان مطابقاً للقواعد وأيدته القرائن كان معتبراً وإلا فلا، وعلى هذا يعارض كلام الطوسي، وقد يقال انه ليس دليل القدح بل هو مجرد عدم توثيق وإرجاع، لأجل ذلك، للمضمون أو القرائن.

وقد يقال ان عبارة الطوسي نص في التوثيق وعبارة النجاشي اما مجملة بين هذه الثلاثة أو ظاهرة ظهوراً ضعيفاً في الثالث، فيتقدم عليها توثيق الطوسي فتأمل.

 

محتملان لـ: (صحيح الحديث)

واما قول الطوسي (صحيح الحديث) فيحتمل فيه وجهان:

الأول: ان مراده انه صحيح الحديث من جهة شخصه لأنه عدل ضابط إمامي (أو ثقة).

الثاني: ان مراده انه صحيح الحديث من جهة مضمونه أي ان الطوسي استقرأ مضامين رواياته كلها فوجدها صحيحة.

ولكن مما يضعّف الأخير ويقوي الأول: ان شأن الرجالي في كتب الرجال توثيق الراوي أو جرحه، لا توثيق الرواية إلا استطراداً ولدى الانسداد وانحصار الطريق في جرحه أو تعديله بالرجوع لمضامين رواياته وهو خلاف الأصل.

وعلى أي فانه على كلا التقديرين فعبارته نافعة:

أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فلأنها توثيق من الطوسي لمضامين كافة رواياته غاية الأمر انه يخرج منها بعضها مما ادعي ان فيه غلواً، فيبقى الباقي ومنها رواية البحث فان مضمونها على طبق القواعد، لكنّ هذا موقوف على حجية توثيق الفقيه للمضمون، على الفقيه الآخر، وهو المنصور لكنه غير المشهور فتدبر.

 

الإشكال على روايات سعد، بالغلو: الصلاة تتكلم والقرآن يتكلم!

ثم انه أشكل على سعد بن طريف بروايته روايات الغلو وأهمها (منها: ما في الكافي ج2 باب فضل القرآن ص 596 بإسناده عنه، عن أبي جعفر عليه السلام في رواية شريفة مفصّلة في تمثّل القرآن يوم القيامة. ((قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ وَهَلْ يَتَكَلَّمُ الْقُرْآنُ؟ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ الضُّعَفَاءَ مِنْ شِيعَتِنَا، إِنَّهُمْ أَهْلُ تَسْلِيمٍ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ يَا سَعْدُ، وَالصَّلَاةُ تَتَكَلَّمُ وَلَهَا صُورَةٌ وَخَلْقٌ تَأْمُرُ وَتَنْهَى. قَالَ سَعْدٌ: فَتَغَيَّرَ لِذَلِكَ لَوْنِي وَقُلْتُ: هَذَا شَيْ‏ءٌ لَا أَسْتَطِيعُ أَنَا أَتَكَلَّمُ بِهِ فِي النَّاسِ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: وَهَلِ النَّاسُ إِلَّا شِيعَتُنَا؟ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الصَّلَاةَ فَقَدْ أَنْكَرَ حَقَّنَا، ثُمَّ قَالَ: يَا سَعْدُ أُسْمِعُكَ كَلَامَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ سَعْدٌ: فَقُلْتُ بَلَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)([5])، فَالنَّهْيُ كَلَامٌ وَالْفَحْشَاءُ وَالْمُنْكَرُ رِجَالٌ وَنَحْنُ ذِكْرُ اللَّهِ وَنَحْنُ أَكْبَرُ)) ونقله بتمامه في كمبا)([6]).

أقول: لنشرح أولاً بعض فقرات الحديث شرحاً موجزاً: قوله (رَحِمَ اللَّهُ الضُّعَفَاءَ مِنْ شِيعَتِنَا، إِنَّهُمْ أَهْلُ تَسْلِيمٍ) ووجه تخصيصهم بالذكر والتعليل بانهم أهل تسليم هو: ان الضعفاء حيث لا يحيطون بالمطالب فهماً وعلماً وفقهاً فعليهم التسليم أو هم مسلّمون، أما الحكماء الفقهاء من شيعتنا فانهم يفهمون ما نقول ويعقلونه فليس إذعانهم بمجرد التعبد فهؤلاء يسلمون وأولئك يفهمون.

قوله عليه السلام: (وَهَلِ النَّاسُ إِلَّا شِيعَتُنَا؟) يستفاد منه ان للناس إطلاقاً آخر غير الإطلاق الأعم الذي يراد به عامة الناس، وهو إطلاق أخص يراد به شيعتهم، ولعل وجهه انه مأخوذ من الأنس والشيعة هم الذين يأنسون بأحاديثنا ومعارفنا ولا ينفرون منها.

قوله (وَنَحْنُ ذِكْرُ اللَّهِ) لأنهم المذكِّرون بالله وأيّ مذكّر بالله أعظم من الرسول وأهل بيته؟ فانهم أعظم آيات الله الدالة على صفات جلاله وجماله، (وفي كل شيء له آية تدل على انه واحد) وهم أعظم تلك الآيات وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((مَا نَقَلَ اللَّهُ عَبْداً مِنْ ذُلِّ الْمَعَاصِي إِلَى عِزِّ التَّقْوَى إِلَّا أَغْنَاهُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَ أَعَزَّهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ وَآنَسَهُ مِنْ غَيْرِ بَشَرٍ))

الكافي: ج2 ص76.

---------------------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص330-331.

([2]) وهو الشيخ الطوسي.

([3]) إذ لم يذكره النجاشي.

([4]) قول النجاشي (يُعرف ويُنكر).

([5]) سورة العنكبوت: آية 45.

([6]) الشيخ علي النمازي الشاهرودي، مستدركات علم رجال الحديث، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج4 ص33.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3242
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 29 محرم الحرام 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16