• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 65- تحقيق حول حقيقة (الانشاء) وحقيقة عالم الاعتبار .

65- تحقيق حول حقيقة (الانشاء) وحقيقة عالم الاعتبار

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان البحث حول الاشكالات التي استُشكل بها على الاحتياط في المعاملات ولعل اهمها هو اشكال افتقاد الاحتياط لشرط الانشاء فان الانشاء متوقف على الجزم وفي الاحتياط في الدوران بين المتباينين مثلا لاجزم ,ولتوضيح ذلك مهدنا مقدمات. 
المقدمة الاولى : هي في حقيقة الانشاء حيث ذكرنا ان الانشاء هو (ايجاد حقيقي) وليس وهميا كما قال البعض وليس ايجادا مجازيا بل انه ايجاد حقيقي لمعنى اعتباري في عالمه بمظهِر ,لفظا كان المظهِر او غيره . 
واوضحنا ان العوالم هي اكثر من اربعة فقد ذكر مشهور المناطقة وتبعهم عدد من الاصوليين إلى ان العوالم هي عالم الوجود العيني وعالم الوجود الذهني وعالم الوجود اللفظي وعالم الوجود الكتبي لكن ذكرنا إن العوالم اكثر وان حصرهم للعوالم في هذه الاربعة ان أُريد به الحصر العقلي فلا دليل عليه وان اريد به الاستقراء فهذا الاستقراء ناقص كما انه ليس بالمُعلل ثم استشهدنا على عدم صحة الحصر بوجود عالميين اخرين احدهما عالم الصور وان استُشكل البعض بانه في زمن ارسطو والازمنة السابقة لم تكن الصور الفوتوغرافية فلم يذكروا عالم الصور لذلك ونقول في الجواب ان لم تكن هذه الصور موجودة فلقد كانت (المرآة) موجودة والصور فيها ليست وجودا كتبيا ولا لفظيا بل هي اقوى في الكاشفية من الوجود الكتبي واللفظي لان هذين الوجوديين رمزان اما الصورة فهي انعكاس للصور الفعلية وكذلك الصور في (الماء) وسائر الاشياء الشفافة التي كانت تنعكس بها صور الاشياء هذا اولا 
وثانيا ليس من شأن المنطقي ان يقيم قاعدة على ضوء عدم معرفته بالحقائق , وبتعبير اخر المنطق شأنه القواعد الكلية مثل الشكل الاول الذي ينتج دائما او العكس المستوي او الموجهات وغيرها , و هذا الحصر لم يكن عقليا بل كان استقراءا ناقصا والقضايا المبنية على الاستقراء الناقص ليست من شأن المنطق والخلاصة القول ان هذا عالم اخر(العالم الخامس( . 
العالم السادس : هو عالم الظلال وهنا موطن الشاهد حيث يقول تعالى (الم تر إلى ربك كيف مد الظل)(1) اذن الظل ليس امرا عدميا والا لم يكن متعلقا للمد (ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) لاحظ الدقة في الاية فالشمس عندما تشرق على الاجسام يكون الظل في الجانب الاخر ونحن نظن ان الشمس هي التي اوجدت الظل لكن الله سبحانه وتعالى في الاية يصرح بكون الشمس دليلا اي ليس موجدا للظل فذلك اي (دلالة الشمس) ليس في عالم الثبوت بل هو في عالم الاثبات ففي عالم الاثبات كانت الشمس دليلا على وجود الظل (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) اي كاشفة فالشمس لم تكن موجِدة للظل بل هو موجود قبل الاشراق - وهذا بحث يفتح منه ابواب - لكن نحن لانراه والشمس تكون دليلا وكاشفا عن وجوده والعلم الحديث يثبت ذلك ويقول بان الجسم يصدر اشعة وامواج حرارية هذه الاشعة الحرارية مصداق من مصاديق الظل , وانّ فارق النور بين الاجسام وما خلفه , هو الذي يرينا هذا الظل او يرينا تلك الامواج الحرارية , وكذلك الامواج الكهرومغناطيسية , وكذلك سائر انواع الامواج والاشعة فهذه من عالم الظلال , والعلم الحديث يعبر عنها بالطاقة والظلال من مصاديق للطاقة مثل الصوت والنور والامواج والاشعة . 
وكلامنا هو ان عالم الاعتبار هو من هذا العالم اي ان عالم الاعتبار من مصاديق عالم الظلال الذي يعبر عنه بالعلم الحديث بالطاقة فعندنا مادة وطاقة , اذن ليس عالم الاعتبار شيئا متوهما على ما هو المشهور عند الكثير من الفلاسفة والاصوليين من ان عالم الاعتبار عالم وهمي , اذ نقول هناك فرق بين عالم الوهم وبين الاعتبار بداهة انه عندما يُنشئ الانسان زوجية هذه المرأة لهذا الرجل , زوجيته لها ليست متوهمة بل حقيقة لكن بعض الاصوليين تبعا للفلاسفة يعتبره وهما ,وفي عبارة احدهم بالنسبة لعالم الاعتبار يقول هكذا (انه وان كان عالما وهميا) نحن نقول كلا بل هو عالم حقيقي اي هناك علقة حقيقية بين الزوج والزوجة في الخارج وليس امرا متوهما والدليل على ذلك اننا نفرق بين توهم الزوجية وبين حقيقة الزوجية فلو ان شخصا توهم ان هذه زوجته فهل تكون زوجته بالفعل وهل تترتب الاثار ؟ والجواب كلا قطعا فأين توهم الزوجية من وجود علقة الزوجية الحقيقية بالانشاء . 
ولنذكر تتمة كلامه , قال : (انه وان كان عالما وهميا كنفس الاعتبار لكن رحى الحياة تدور على هذه الامور الوهمية الطارئة على موضوعات حقيقية كالاعيان والاموال) واللطيف ان كلامه يتضمن ردا له اذ كيف تدور رُحى الحياة الحقيقية على امور وهمية وكذلك الاية الشريفة يقول سبحانه وتعالى (ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم) اي الظلال تخضع وتسجد اذن فليست شيئا عدميا والا كيف تسجد ؟ فان العدم لا يوصف ولا يوصف به ,وهنا كلام طويل عن هذه الاية وعن عالم الظلال نتركه إلى محله في علم الكلام والتفسير . 
المقدمة الثالثة: ان الحكماء وتبعهم الاصوليون قسموا العوالم إلى عالم الاعيان وعالم الامور الانتزاعية وعالم الامور الاعتبارية. فعالم الواقع هو عالم العين وعالم الثبوت اي ما له بازاء في الخارج والمعبر عنه بالوجود الحقيقي كالجواهر والاعراض اما عالم الانتزاعيات وسموه الوجود الانتزاعي وهو ما ليس له بازاء مستقل في الخارج ولكنه منتزع من الخارج اذن هو الذي له وجود في الخارج لكن ليس وجوده مستقلا عن وجود منشأ انتزاعه مثل الامكان للممكن (كامكان زيد) فانّ زيدا 
ممكن في الخارج لا في الذهن , وامكانه خارجي لكن ليس له ما بازاء في الخارج مستقل , اذ لو كان له ما بازاء في الخارج مستقل, للزم ان يكون معروضه (في ذاته) غير ممكن , وهو خلف ويلزم منه التناقض , وكذلك الزوجية للاربعة هذا هو الوجود الثاني. الوجود الثالث هو الوجود الاعتباري والمشهور ذهب إلى ان الوجوب الاعتباري لا حقيقة له في الخارج بل هو قائم بذهن المعتبِر فقط وبتعبير اخر هو امر وهمي, ونحن استظهرنا ان الوجود الاعتباري له رتبة من الوجود في الخارج لكن فرقه عن الوجود الانتزاعي ان الوجود الاعتباري له خالق وجاعل بالاستقلال وهو المعتبِر لكن الوجود الانتزاعي لا جاعل له بالاستقلال بل هو مجعول بعين جعل منشأ انتزاعه. 
وهنا سنشير اشارة مختصرة إلى عناوين ادلتنا على المدعى وتفصيلها نتركه لعلم الكلام والمدعى هو ان عالم الاعتبار موجود في الخارج والدليل على ذلك اولا الوجدان وثانيا البرهان الاني وثالثا الظواهر وسيأتي دليل اخر. 
اما الوجدان : فنحن بالوجدان نجد ان هذه المرأة هي في الخارج حقيقة زوجة لزيد وليس انه في الخارج لا علقة بينهما اصلا وهو اجنبي عنها وانما نتوهم في ذهننا علقة , كذلك بالوجدان ندرك وجود علقة خارجية بين الممتلكات والمالك 
وغيرها من الامور الاعتبارية والحاصل ان الفرق واضح بين افتراضه انها زوجة , فهذا وهم لا واقع له وبين كونها زوجة بالفعل فانه كذلك في عالم الاعيان . 
الدليل الثاني : البرهان الاني فأن من الثابت في الحكمة ان العلة اقوى وجودا من المعلول والا لما امكن ان تكون علة ولامكن ان يصدر كل شيء من كل شيء, ولو كانت مساوية لمعلولها لما كان صدور المعلول عنها اولى من صدورها 
منه . وفي الامور الاعتبارية (والفلاسفة يذعنون بذلك) انه لاشك ان الوجودات الاعتبارية تؤثر تأثيرا حقيقيا في العالم الخارجي فأذا كانت وجودات وهمية وذهنية صرفة والوجود الذهني لا شك انه اضعف من الوجود الخارجي , فكيف يؤثر الوجود الذهني الاضعف في الاقوى ؟ لا يُعقل ذلك , و قد صرحوا بان الامور الواقعية تدور على الامور الاعتبارية فعلقة الزوجية امر اعتباري تترتب عليه اثار خارجية حقيقية من مقولة الفعل وغيره كانفاقه عليها , وعلة الانفاق هو وجود هذا الاعتبار ولماذا تنقاد له ايضا ؟ لوجود هذا الاعتبار وهكذا غيرها من الاعتبارات الاخرى فان العالم يسير بالاعتبارات . 
ومنها القوة الشرائية للنقد فانه امر اعتباري لكن هذا الاعتبار هل هو وهم قائم بالذهن فقط ؟ كلا اذ لو توهم شخص ان ورقة الدينار قيمتها مليار فلا يكون مليار حقيقة اذن الاعتبار امر والتوهم امر اخر, اذن البرهان الاني (الانتقال من المعلول 
إلى العلة) يقودنا إلى ان الاعتبار امر خارجي حقيقي يؤثر في الخارجيات وهو اقوى من الخارجيات التي يؤثر فيها (وتحليله يترك لموضعه) لكن خلاصته ان الاعتبار من عالم الطاقة وعالم الطاقة اقوى من عالم المادة . 
والدليل الثالث : ظواهر الايات والايات فعندما تقول الرواية (من حاز ملك) فان ظاهرها انه ملك في الواقع الخارجي لا انه في ذهنه توهم انه ملك ولا ان (من حاز في الواقع الخارجي , ملك في الوجود الذهني )! والبحث في هذا الموضوع طويل. اذن هذه هي المقدمات المفتاحية للوصول للمدعى وسيأتي إتمام الكلام . 
 
الهوامش .................................................... 
(1) سورة الفرقان45 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=325
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 11 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23