• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 317- بحث عن اصالة اللزوم فيما لو نقل الجامع - مناقشة الفقه مع الشيخ .

317- بحث عن اصالة اللزوم فيما لو نقل الجامع - مناقشة الفقه مع الشيخ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

((317))

 

تتمة: تمليك عين بمال بشرط لا أو لا بشرط؟

ووجه التأمل: ان (تمليك عين بمال))([1])) نحوان: فقد يؤخذ بشرط لا فهو حينئذٍ قسيم للصلح والهبة المعوّضة وغيرهما، وقد يؤخذ لا بشرط فهو حينئذٍ مقسم أو كالمقسم لتلك الأقسام لأن اللابشرط يجتمع مع ألف شرط لأن الصلح مبادلة عين بمال لأجل تأليف القلوب أو على وجه التصالح والهبة المعوّضة مبادلة عين بمال على وجه الصِّلة والتفضّل وهكذا، فإذا أخذ بشرط لا كان ما قاله الشيخ تاماً وإذا أخذ لا بشرط كان ما ذكره الوالد تاماً، ولعل كلا منهما لاحظ احدى الجهتين فذهب إلى ما ذهب إليه، وبهذا يقع الصلح بينهما أي ان الشيخ لاحظ ان قصد المتعاطيين مبادلة عين بمال بشرط لا فحكم بانه بيع لا محالة والوالد لاحظ ان قصدهما مبادلة عين بمال لا بشرط فحكم بان التمليك بالعوض وعلى وجه المبادلة أعم من البيع والصلح و... فتأمل

كما أشكل الوالد على الشيخ بـ(كما يرد على الجواهر الذي ذكر([2])) الوجهين الأخيرين في كلام الشيخ (قدس سره))، أن أول وجهيه من إدخال مقام الإثبات في الثبوت، فإن قوله: ولا تصريح بالإباحة، لا يلائم قوله: من غير قصد البيع))([3])) والإشكال صحيح: فقد قال الشيخ (أحدهما: أن يقع النقل من غير قصد البيع ولا تصريحٍ بالإباحة المزبورة، بل يعطي شيئاً ليتناول شيئاً فدفعه الآخر إليه))([4])) والدقيق ان يقول: من غير قصد البيع ولا قصد الإباحة المزبورة، فان القصدين من عالم الثبوت، واما التصريح أو التلميح والتكنية أو الإجمال أو الإبهام ونظائرها فانها من عالم الإثبات.

 

تتمة: لو قصد جامع التمليك فهل هو جائز أو لازم؟

وقد مضى (أقول: للمسألة صور عديدة وتفصيل: بين حكم المعطي كذلك وحكم الآخذ فان المعطي ديناراً لمن يطلبه وهو مستحق للخمس في الوقت نفسه (وهذه إحدى الصور)) ولم يقصد كونه خمساً أو أداءً للدين، تارة يقصد مجرد الإباحة فحينئذٍ يكون باقياً على ملكه وله استرجاعه، وتارة يقصد التمليك الجامع بين أداء الخمس والدين فلا يقع خمساً ولا ديناً، ولكن هل هو جائز أو لازم؟ أي هل يفيد الملك المستقر أو المتزلزل؟ سيأتي))([5]))

 

أدلة الشيخ السبع على أصالة اللزوم

وتحقيق ذلك: ان أصالة اللزوم في العقود بالأدلة السبع التي أقامها الشيخ عليها في المكاسب وإن سلّمنا فرضنا بها إلا انها لا تتكفل بأصالة اللزوم في مثل المقام لأن ذلك المقام أجنبي عن هذا المقام، وتوضيحه: ان الشيخ استدل على أصالة اللزوم في العقود([6])) بـ:

1- الاستصحاب للشك في زوال الملك بمجرد رجوع مالكه الأصلي.

2- وبعموم الناس مسلطون على أموالهم (فإنّ مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيّته بغير اختياره، فجواز تملّكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه منافٍ للسلطنة المطلقة.

فاندفع ما ربما يتوهّم: من أنّ غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه، ولا نسلّم ملكيّته له بعد رجوع المالك الأصلي))([7])).

3- وبـ: (ومنه يظهر جواز التمسّك بقوله (عليه السلام)): «لا يحلّ مال امرئٍ إلّا عن طيب نفسه»؛ حيث دلّ على انحصار سبب حِلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك، فلا يحلّ بغير رضاه))([8])).

4- وبـ: (يمكن الاستدلال أيضاً بقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ))، و لا ريب أنّ الرجوع ليست تجارة، و لا عن تراضٍ، فلا يجوز أكل المال))([9])).

5- وبـ: (هذا كلّه، مضافاً إلى ما دلّ على لزوم خصوص البيع، مثل قوله (صلّى اللّه عليه وآله وسلم)): «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»)).([10]))

6- وبـ: (وقد يستدلّ أيضاً بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ))؛ بناءً على أنّ العقد هو مطلق العهد، كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان، أو العهد المشدّد، كما عن بعض أهل اللغة، وكيف كان، فلا يختصّ باللفظ فيشمل المعاطاة.

7- وكذلك قوله (صلّى اللّه عليه و آله وسلم)): «المؤمنون عند شروطهم»؛ فإنّ الشرط لغةً مطلق الالتزام، فيشمل ما كان بغير اللفظ.

والحاصل: أنّ الحكم باللزوم في مطلق الملك وفي خصوص البيع ممّا لا ينكر))([11]))

 

المناقشة بحكومة الأصول في جانب المملِّك

أقول: أولاً: قد يناقش في الأدلة السبعة كلها أو بعضها، إلا ان ذلك ليس محل الكلام الآن، ومع ذلك نشير إلى إحدى المناقشات وبها يظهر النقاش في سائرها، وهي ان (الناس مسلطون...)) في جانب المعطي المملِّك حاكمة على (الناس مسلطون...)) في جانب المعطى المملَّك؛ فانه من السببي والمسببي فان البائع مثلاً مسلط على ما له مطلقاً خرج منه ما لو أحرز لزوم تمليكه ويبقى فيه ما شكك في لزومه وجوازه فله استرجاعه.

لا يقال: انه قد خرج عن ملكه حتماً حسب الفرض، منتهى الأمر لا يعلم انه متزلزل فله الرجوع أو مستقر فلا؟

إذ يقال: المحرَز خروجه مقيداً اما خروجه مطلقاً فمشكوك فيبقى على الأصل، أي ان الذي حصل مسلماً انه خرج عن ملكه إذا لم يسترجعه اما الخروج عن ملكه مع استرجاعه له فليس بمعلوم فيبقى على الأصل([12]))، أو يقال: المسلم هو الخروج الجامع بين المستقر والمتزلزل والمتزلزل هو القدر المتيقن من الخروج فيبقى الباقي على أصالة سلطنته عليه([13])). فتأمل

 

وفرق المقام عن محل كلام الشيخ

ثانياً: وعلى أي فلو سلمنا تمامية الأدلة السبعة، فانها غير جارية في المقام، وذلك لأن محلها أصالة اللزوم (أو الجواز)) من حيث ذات المعاملة منسوبة لتلك الأدلة، وليس أصالة اللزوم من حيث انه أوقع الجامع المردد بين اللازم وغيره، توضيحه:

 

إذا تعلق العقد باللازم أو الجائز

ويوضحه: ان (أوفوا)) هي في رتبة المحمول فلا تتصرف في ذات العقد وماهيته التي هي الموضوع فالعقد إن كان لازماً في حد ذاته كالبيع والهبة المعوّضة أفاد أوفوا وجوب إتمامه على حسب مقتضى ذاته وهو لزومه، وإن كان جائزاً في حد ذاته كالوكالة وكالمضاربة على المشهور كان (أوفوا)) بحسبه فيجب الوفاء به على ما هو عليه أي ان يتمّه جائزاً (فأوفوا)) إنما هو بحسب المتعلَّق ولذا لا ينافي جواز العقد في حد ذاته ولا لحوق الخيار به أو التقايل.

 

إذا تعلق العقد بالجامع

وحينئذٍ: إذا تعلق العقد بالجامع بين اللازم كالبيع والجائز كالهبة غير المعوّضة (بناء على انها عقد)) إذا كانت لغير ذي الرحم والزوجة، أفاد لزوم إتمامه على ما هو عليه في حد ذاته فلا يفيد (أوفوا)) لزومه ولا جوازه، بل يفيد: (اتممه على حسب ما هو عليه فإذا مَصْدَقَهُ، بالقصد اللاحق أو بحكم الحاكم أو القرعة أو غير ذلك، في العقد اللازم كان ملكه، أي المشتري بالمعاطاة، مستقراً، وإذا مَصْدَقَهُ بالقصد اللاحق أو غيره في العقد الجائز كان ملكه متزلزلاً، فلا يصح الاستدلال بأوفوا بالعقود على لزوم مثل هذا العقد المتسع في حد ذاته للعقد اللازم والجائز والشامل في حد ذاته للتمليك المستقر والمتزلزل.

ويعرف حال سائر الأدلة من ذلك فانه سلّطة وملّكة تسليطاً وتمليكاً أعم من الملك اللازم المتزلزل، فيكون تعيين أحدهما تابعاً لقصده أو القرعة أو الحاكم، ولا يفي دليل الناس مسلطون بنفسه بتحديد نوعه، وهذا في رتبة الناس مسلطون السببي. فتدبر وتأمل والله العالم.

وللبحث صلة بعد أيام الأربعين إذا شاء الله تعالى ويسّر انه الموفق المستعان

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام السجاد عليه السلام: ((افْعَلِ الْخَيْرَ إِلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ)) الكافي: ج8 ص152.

 

-------------------------------------

([1]) أو مبادلتها به.

([2]) الظاهر ان (الجواهر الذي ذكر) زائدة خطأ والجملة صحيحة بدونها إذ ذلك هو ما ذكره الشيخ لا الجواهر.

([3]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب البيع، مؤسسة الفكر الإسلامي – بيروت، 1410هـ، ج1 ص56.

([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص23.

([5]) الدرس (316).

([6]) بل على أصالة اللزوم في الملك بقول مطلق، فتأمل.

([7]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص53.

([8]) المصدر نفسه: ص54.

([9]) المصدر نفسه: ص54 – 55.

([10]) المصدر نفسه.

([11]) المصدر نفسه: ص56.

([12]) بعبارة أخرى: انه خرج عن ملكه في قطعة الزمان المحصورة بين تمليكه وبين استرجاعه، فيبقى ما بعد استرجاعه على عموم الناس مسلطون إذ كان له امتداد لكل الأزمنة اللاحقة.

([13]) بناء على ان السلطنة مشكك وأعلى مراتبها الملك فإذا أزال الأعلى لا يزول الأدنى.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3258
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 6 صفر 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29