• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 67- جواب (بيان الفقه) و (الرسائل) عند الاشكال وتقييمهما .

67- جواب (بيان الفقه) و (الرسائل) عند الاشكال وتقييمهما

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 
كان الحديث عن الإشكالات التي اوردت علي صحة الاحتياط او منشئيتها للاثر , ومن ضمنها الإشكالات الخاصة بالمعاملات ومن أهمها : ان المعاملات متوقفة على الإنشاء والإنشاء متوقف على الجزم والجزم لا يتحقق بالاحتياط فهذه مقدمات ثلاث ونحن توقفنا عند المقدمة الثانية وهي ان الانشاء متوقف على الجزم واجبنا عن الاشكال بما مضى ( اشكال الاستحالة هو ان الانشاء ايجاد ولا يعقل في الايجاد الترديد( وأجبنا انه يوجد تردد في عالم الاثبات ولا يوجد ترديد في عالم الثبوت وان الايجاد متوقف على توفير و تحقيق العلة لا على العلم بالعلية , هذاما مضى . 
هناك جواب عام اخر يذكره بعض الاعلام دفعا لهذه الشبهة - اي شبهة (عدم توفر بعض صور الاحتياط على قصد الجزم) - وهذا الدفع سيال ويجري في شتى ابواب المعاملات ويحتاج للتوجه والتدقيق فهو بحث مفتاحي (وسوف نرى هل ينفع لدفع الاشكال ام لا؟ ( 
والجواب: هو ان الانشاء اعتبار والاعتبار خفيف المؤنة لأن الاعتبار عبارة عن نية (هو نوع نية) والنية سهلة وهي في متناول يد الانسان وشرائط تحققها ليس بالامر العسير بل تحتاج إلى مجرد توجه النفس نحو الشيء الاعتباري وعقد العزم عليه كاف عكس الفعل الخارجي اذ هو صعب بالقياس لنيته اما النية فسهلة في الجملة ولا مجال للاشكال على المحتاط بانك غير جازم من حيث التردد في ان هذا هو المحقق للاثر ام ذاك او ان هذا هو الممتثل به او ذاك (في مثل القبلة المرددة) او للتردد ان هذا مأمور به أم ليس مأمورا به كالدعاء عند رؤية الهلال والحاصل ان المحتاط ينوي اتيان هذا العمل امتثالا لأمر الله ولا استحالة فيه . 
هذا الجواب الذي استند اليه البعض كثيرا في دفع امثال هذه الشبهة فهل هذا الجواب صحيح ام لا؟ و هذا الجواب لا ينهض كجواب عن اشكال الاستحالة انما ينفع جوابا عن الاستغراب والاستبعاد ودعوى عدم الوقوع بعد الفراغ عن الامكان . 
توضيحه: 
لو كان الاشكال بأن الانشاء غير ممكن عقلا كما في اشكال عدم معقولية الترديد في الايجاد فالجواب بأن الانشاء اعتبار وان الاعتبار خفيف المؤنة غير تامٍ (وهنا مكمن الخطأ المشهور على بعض الالسنة) لأن الاحكام العقلية حاكمة حتى على عالم الاعتبار والمستحيلات العقلية ليست خاصة بعالم الخارج والعين بل هي ايضا حاكمة في عالم الذهن وعالم الاعتبار . 
ومنشأ الشبهة والتوهم ان بعض المتكلمين وبعض الاصوليين وجدوا ان الصور الذهنية لا تمتلك الكثير من 
خواص الحقائق الخارجية , فليكن مقامنا منه , مثلا النار الخارجية محرقة بالضرورة لكن النار الذهنية ليست محرقة , واذن الوجود الذهني يختلف عن الوجود العيني في عدم ترتب كثير من الاثار (لوازم الوجود لا لوازم الماهية)على الوجود الذهني ,فهذا منشأ التوهم وتصويره في المقام : ان الايجاد الخارجي لا يعقل فيه الترديد اما الايجاد الذهني فما دام عالمه خفيف المؤنة فلا امتناع في كون امره دائرا بين الوجود والعدم , كما كان يفتقد الكثير من خواص العالم الخارجي وهذا هو منشأ الشبهة الاول. 
المنشأ الثاني : هو ان المستحيلات العقلية تقع موضوعا للاحكام الذهنية (هذه صغرى) وثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له اذن المستحيلات موجودة في الذهن , فليكن المقام منها , كما في قولك (النقيضان لا يجتمعان) فثبوت شيء وهو المحمول(لا يجتمعان) فرع ثبوت المثبت له (النقيضان) فينبغي ان يكون النقيضان موجودين في الذهن حتى يحكم عليهما فإذا امكن وجود النقيضين في الذهن فليكن (الايجاد واللاايجاد الذهنيين) أي الترديد الثبوتي في عالم الذهن وهذا هو منشأ الشبهة ولذا كثر على السنة البعض تعليل حتى ما لا يمكن , بكون الاعتبار خفيف المؤنة 
والجواب عن هذه الشبهة اننا عندما نقول (ان النقيضين لا يجتمعان) فان (النقيضين) بالحمل الشايع الصناعي ليسا بنقيضين وانما هما بالحمل الذاتي الاولي نقيضان اي : هذه صورة نقيضين , فكلمة (النقيضين) هي رمز دال على النقيضين , والحاصل ان الوجود الذهني والكتبي للنقيضين ليس مصداقا للنقيضين وهو الذي يعبر عنه ب(الحمل الشايع الصناعي) الذي ملاكه المصداق بل هو مجرد مرآة للنقيضين, نعم بالحمل الذاتي الاولي الذي هو حمل (هو هو) في مقابل حمل ( ذوهو) هما نقيضان وهو المصحح لحمل (لايجتمعان) عليه , وبعبارة اخرى : الحمل الاولي ملاكه النظر إلى المفهوم نفسه فانه مفهوم النقيضين لكن ليس مصداقا للنقيضين 
اذن المحالات العقلية جارية حتى في الذهن و في علم الاعتبار (اذ يستحيل ان يكون هناك اعتبار ولا يكون في الوقت نفسه هذا غير ممكن مع اجتماع الشرائط الثمانية او التسعة للتناقض والتي منها وحدة الرتبة ,واما شبهة الخواص فقد اشرنا اليها ضمنا فان خواص النار الوجودية لا تترتب على النار الذهنية لأنها ليست نارا حقيقة وجودا , اي ان لوازم الوجود الخارجي لا تترتب على النار الذهنية لكن لوازم الماهية مترتبة 
فظهر من هذا البيان الموجز ان هذا الدفع غير تام فان المستشكل يقول : الانشاء ايجاد , والايجاد لا يعقل فيه الترديد والدفاع بان الانشاء اعتبار والاعتبار خفيف المؤنة لا يصلح جوابا عن اشكاله , ويصلح جوابا لتوهم اخر سنوضحه . 
وانما الذي يرد الاشكال هو ما اشرنا اليه من انه (لا ترديد) في عالم الثبوت وانما هناك (تردد) في عالم الاثبات أي عدم علم بان ايهما علة لا انه في الواقع الخارجي الوجود مردد . 
من هذا الكلام اتضح ان هذا الاشكال الذي ذكره السيد العم في بيان الفقه لابد ان نرى ما هو المقصود منه ؟ فان كان المقصود منه بيان الاستحالة فجواب بيان الفقه لا ينهض جوابا عن هذا الاشكال (بالبيان السابق) وان كان المقصود منه بيان عدم الوقوع والاستبعاد فقط بعد الاقرار بالامكان في رتبة سابقة فجوابه تام . 
هذا نص كلامه : ( كيف يقصد بشيء "الانشاء"وقوع شيء"المعنى الاعتباري كالملكية"ما لم يعلم وقوعه به ) اي انك لا تعلم انه يوجد هذا بهذا ام لا؟ ولا يتحقق قصد الانشاء مع الشك في ترتب الاثر (الملكية مثلا)على هذا اللفظ المراد به إنشاءه وايجاده . 
ويوجد في المقصود من كلام البيان احتمالان: 
الاول : بيان الاستحالة الذي اشرنا اليه وانه كيف يقصد بشيء وقوع شيء , لم يعلم بوقوعه به فهذا مستحيل . 
الثاني: ان هذا غير واقع بعد الفراغ من امكانه و يجري الاحتمالان في قوله (ولا يتحقق قصد الانشاء) فهل لا يتحقق من باب الامتناع او من باب عدم الوقوع رغم الامكان , كلاهما محتمل . 
فان كان المقصود هو الاول اي )الاستحالة) فذلك الجواب غير تام وان قصد الاحتمال الثاني اي (عدم الوقوع) فالجواب تام . 
نص جوابه : ( قصد الانشاء خفيف المؤنة ويمكن اتيانه بأدنى لحاظ ) اي بمجرد توجه النفس ( ما دام المتكلم ليس عابثا ولا ساهيا ولا نائما ونحوها وكان قاصدا لمضمون كلامه فهو قاصد للأنشاء ( بيان الفقه ج1 ص 123 
هذا الجواب اتضح انه يصح جوابا بعد الفراغ عن مبنى امكان الوقوع فليتدبر. 
اما الشيخ الانصاري في الرسائل فانه اجاب عن اشكال الجزم في الانشاء بطريق اخر: ( أن قصد الانشاء انما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة ) اي اذا قلت (بعتك الدار) وقصدت تحقق مضمون الكلام ومضمون الصيغة , لا الإخبار, فقد تحقق البيع والمضمون وهو الانتقال في البيع والزوجية في النكاح 
والشيخ يرد اشكال عدم حصول قصد الانشاء , بانه يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة وانه ينسجم حتى مع القطع بالفساد شرعا فكيف بصورة التردد(1) اي حتى اذا كنت قاطعا بأن مضمون الصيغة لا يتحقق عند الشرع لكنه لا يضر بإنشائك وقصدك فكيف اذا كنت مترددا ودليل الشيخ في ذلك هو انشاء الغاصب والمقامر حيث يقول ( الا ترى الناس يقصدون التمليك في القمار وبيع المغصوب وغيرهما من البيوع الفاسدة) فالغاصب العالم بالحكم قاطع بانه الشارع لا يراه مالكا ولا يراه ذا صلاحية لنقل هذا الملك , و لكنه عندما يبيع نرى بالوجدان انه يقصد نقله ولا نراه مازحا ولا ممثلا بل لا شك في انه يقصد تحقق الاثر وهو نقل الملكية إلى ذلك الطرف وان كان عاصيا بفعله . إذن برهان الشيخ يستند للوجدان . فهل كلام الشيخ تام ام لا ؟ 
في بيان الفقه استشكل عليه : ب ( الاستدلال بفعل الغاصب والمقامرغير واضح لانه ليس فيه قصد جدي بل مجرد عمل خارجي ) توضيحه : انه عندما نتوغل في اعماق نفس الغاصب فاننا نجده يعلم بعدم حصول الانتقال فاذن هو (ممثل) في الواقع لكنه متقن لعملية التمثيل حتى يكاد يخدع نفسه 
اذن خلاصة الاشكال على كلام الشيخ ان الغاصب لا قصد جدي له بالنقل والانتقال اذ كيف يقصد الجدية وهو يعلم قطعا بعدم تاثير قصده ؟(2) فهل اشكاله تام؟ 
والظاهر ان الحق مع الشيخ(3) وان القصد الجدي موجود ويتضح ذلك بما تقدم تحقيقه حول حقيقة عالم الاعتبار(4) حيث ذكرنا ان عالم الاعتبار عالم حقيقي وليس صرف توهم وانه بالانشاء يوجد في عالم الاعتبار امرٌ له ثبوت وتقرر في عالم الواقع والعين وليس مجرد امر ذهني 
فاننا قلنا سابقا بان المنشئ موجد للاعتبار في عالمه (الانشاء ايجاد حقيقي لمعنى اعتباري في عالمه(
وخلاصة الجواب: ان العوالم متعددة فهناك : عالم اعتباري للشارع وهناك عالم اعتباري للغاصب مثلا ولا تنافي بين العالميين فالغاصب قاصد للنقل في عالمه وان كان عالما بعدم تحقق النقل في عالم اعتبار الشارع وسيأتي توضيحه ان شاء الله . 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين..... 
الهوامش------------------------------------------ 
1- الاشكال بعدم تحقق الجزم مع التردد بان هل يقع البيع بغير العربية مثلا ام لا. 
2- وهذه مسالة ابتلائية فالدول كثيرا ما تغصب وايضا ما اكثر السراق و ما اكثر ما يجرونه من المعاملات على تلك المغصوبات او المسروقات فهؤلاء هل عندهم قصد انشاء ام لا؟ 
3- هل يمكن القول بالتفصيل باعتبارين ففي الجهل المركب فالحق مع الشيخ لان الغاصب يعتقد انه اصبح مالكاولو بالغصب المحرم فيقصد الانشاء اما اذا لم يكن جهل مركب فالحق مع بيان الفقه لان الغاصب حينئذ في اعماقه يرى انه غير مالك فهو يمثل صورة المالك فلا قصد للانشاء – المقرر 
الجواب : مصب كلام الشيخ بل صريحه هو صورة القطع الغاصب بالفساد شرعا حيث صرح ب ( وهذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا فضلا عن الشك فيه ) ومورد النزاع هو صورة (الشك) – واولى منه صورة القطع بالفساد- اذا كيف يتحقق قصد الانشاء مع الشك في كونه موجدا للاثر 
4- وبعض مباحث الاصول كهذا المبحث اي (عالم الاعتبار) تتوقف عليه بحوث واستنباطات كثيرة و لابد للاصولي والفقيه او الكلامي لتنقيح تلك المباحث ان يرجع للعلوم الحديثة ليرى ما توصلت اليه من التحقيقات فلعلها تخدمه او لعله يرفضها (فبعض المباحث لا تخضع للقواعد المادية وبعضها يخضع) وتفصيله في محله وسنحاول التطرق للعلاقة والتكامل بين الاصول وبعض العلوم الحديثة كعلم الالسنيات و الفيزياء والكيمياء فبعض المباحث هناك نافعة وهذا يحتاج إلى بحث مستقل . 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=327
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 13 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23