• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 68- تتمة التقييم والجواب بتعدد العوالم واجنبية الامضاء عن الانشاء .

68- تتمة التقييم والجواب بتعدد العوالم واجنبية الامضاء عن الانشاء

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 

كان البحث حول مشكلة الجزم في قصد الانشاء في المعاملات وانه حيث لا جزم في الاحتياط فيها فلا انشاء فلا معاملة , وذكرنا وجوها للاجابة على هذا الاشكال: 

من الوجوه ما ذكره الشيخ الانصاري قدس سره من ان قصد الانشاء يتحقق بقصد تحقق مضمون ومفاد الصيغة وهذا يتحقق حتى مع القطع بالفساد كما في الغاصب والمقامر أو بائع الخمر أو الخنزير لغير المستحل بل للمستحل ايضا في الخمر وفي الخنزير على رأي. 

السيد العم في بيان الفقه ذهب إلى ان الغاصب والمقامر واشباههما لا قصد جدي لهما حيث انهما يعلمان بفساد عقدهما فما يقومان به هو صورة عقد وصورة انشاء وليس بانشاء حقيقة . 

وذكرنا انه قد يستظهر ان الحق في هذه المسألة مع الشيخ وذلك استنادا إلى هاتين الحقيقتين : 

الحقيقة الاولى :ان عوالم الاعتبار متعددة ولا مانعة جمع بينها . 

الحقيقة الثانية: ان الاعتبار امر تكويني يوجد بوجود اسبابه التكوينية . 

توضيح ذلك : ان الغاصب عند انشاء البيع هل يقصد ايجاد (التمليك في نظر الشارع) ؟ 

والجواب: كلا فهو يعلم ان عقده في نظر الشارع غير معتبر اذن فهو يقصد (نقل الملكية في نظره) هو لا نقل الملكية في نظر الشارع اذن هذا عالم وذاك عالم , ويتضح ذلك اكثر بملاحظة النقاط الاتية : 

النقطة الاولى: هي ان الغاصب ونظائره يرى فعله او انشاءه موجد للاعتبار في عالمه . 

النقطة الثانية: ان الغاصب يرى نفسه قادرا على ايجاد هذا الاعتبار في عالمه ولا يرى ذلك مستحيلا او غير ممكن . 

النقطة الثالثة: ان الغاصب يهمل عدم اعتبار الشارع لقصده وانشائه او يُخطّئ الشارع اذا كان معاندا او ما شابه 

النقطة الرابعة: ان الشارع لم يَحُل تكوينا دون ايجاد ذلك الغاصب (للاعتبار في عالمه) لأن الشارع بما هو شارع ليس من شأنه التكوينات بل شأنه التشريع فقط . 

هذه المقدمات تتضح اكثر اذا وضعنا الحقيقة الثانية بنظر الاعتبار وهي(ان الاعتبار امر تكويني يوجد بوجود اسبابه التكوينية) ويوضح ذلك اكثر ان الحقائق الخارجية وان شئت قل المعاليل الخارجية توجد بوجود عللها وان ردع الشارع عنها تشريعا, فالظالم اذا كسر اناء الغير فرغم ان الشارع رادع عن ذلك لكن الكسر يتحقق قطعا لأن الكسر امر عيني خارجي له علله التكوينية شاء الشارع واجاز( بما هو مشرع) ام ابى ومنع فلا يمنع نهيه التشريعي من تحقق الانكسار(1) والجائر قد يقتل مع انه محرم شرعا ,فأذا امكنه ان يقتل الغير فكيف لا يمكنه ان يوجد اعتبار نقل الملكية في عالمه لمجرد منع الشارع التشريعي او عدم امضائه ,فاذا كان ذلك حال الحقائق الخارجية العينية فما بالك بالحقائق الاعتبارية وهي اسهل مؤنة أو اخف مؤنة (وهذا هو مورد القول بان الاعتبار سهل مؤنة( وجوهر الكلام يعود إلى ان االشارع لم يحل تكوينا دون ايجاد الغاصب اعتبارا في عالمه وان حال تشريعا فبناءا على هذا فالغاصب لمّا يقول (بعتك الدار) فهو قاصد للنقل حقيقة لكن النقل في عالم اعتباره لا في عالم اعتبار الشارع . 

والنتيجة:انه لو كانت هناك مشكلة فانما هي من جهة عدم امضاء الشارع لهذه المعاملة وليست من جهة انه غير قادر على قصد الانشاء فينبغي ان لا يحصل خلط بين الامرين فان المشكلة الموجودة في بيع الغاصب هي ان الشارع لم يمضِ هذا في عالم التشريع وليس في عدم قدرة الغاصب على النقل 

ونوضح ذلك بأن نطرح القضية ببيان آخر: هو ان عوالم الاعتبار قد تكون عرضية وقد تكون طولية فالعرضية كما لو كان هناك دينان او قبيلتان احدهما تُعتبر الحيازة مملكة والثانية لا تعتبرها مملكة ,فتلك القبيلة ترى الحيازة مملكة في عالم اعتبارها وهذه تراها غير مملكة في عالم اعتبارها ولا مانعة جمع ولا تناقض فلا يلزم وجود النقيضين (2) ومثال آخر شخصان (كرئيسين مثلا) احدهما اعتبر هذا المال واجدا للقوة الشرائية وذاك اعتبره فاقدا لها فلا يلزم التناقض لأن هذا يوجد في حدود سلطته ذلك الاعتبار وذاك ينفي وجود الاعتبارفي حدود سلطته , ولكن المشكلة تنشأ لو تعارضا وتضاربا بان اثبت احدهما و اوجد نفس ما نفاه الاخر بعينه بكافة الشرائط فما الذي يحصل حينئذ؟ 

والجواب : ان ما يحصل في عالم التكوين من الكسر و الانكسار يحصل هنا كما لو اراد هذا كسر الاناء و اراد الاخر حفظه فالاقوى سلطة والاقوى نفوذا سيكون هو النافذ فعله والموجد للمعلول وكذلك في عالم الاعتبار حيث يستحيل ان تكون هذه العملة واجدة للاعتبار وفاقدة لها في وقت واحد ومكان واحد في نفس العالم , فان ايهما كان اقوى اعتبارا يتقدم واذا تساويا نرجع إلى ما سيحدث في عالم التكوين اذا تساوت القوة المحطمة مع القوة الحافظة فاما الاستصحاب التكويني او قصور الذاتي او غير ذلك . 

ومما ذكرنا يظهر وجه اشكال على ما تقدم منا لأن الشارع هو الاقوى والغاصب هو الاضعف فلو توافقت الدائرتان لذهب اعتبارُ الشارع باعتبار الغاصب ولمَنَعَه وافناه فكيف يقال بوجود ما اعتبره بانشائه وان كان في عالمه ؟ رغم منع الشارع ؟ وهذا الاشكال يعد نوع دفاع عن كلام بيان الفقه ايضا . 

والجواب ظهر مما تقدم لأن الفرض ان الشارع لا يتدخل بما هو مكوّن وانما يتدخل بما هو شارع اذن لم يلغِ تكوينا اعتبار الغاصب (الحقيقة الثانية التي تقدمت وان الاعتبار امر تكويني يوجد في عالمه باسبابه التكوينية) فأن الشارع لا يقول انا بما انا مكون امنع الغاصب من ان يوجد هذا الاعتبار بل يقول : لا امضي الاثار . 

وبتعبير آخر: الشارع لا يحول دون ان يقصد الغاصب الجد( وهو المهم ومدار البحث ) لأن الشارع لم يمنعه تكوينا من ذلك انما الشارع قال :اذا قصدت الجد ياغاصب فانا لا اعتني به, اذن المشكلة في عقد الغاصب لا تنشأ من قدرته أو عدم قدرته على ايجاد الامر الاعتباري وانما تنشأ من ان الشارع لم يمضِ وبعبارة اخرى ان المشكلة ليست ان الغاصب يستطيع ان يقصد الجد او لا يستطيع وانما تنشأ من ان قصد الغاصب الجدي نافع في نظر الشارع أم لا؟ فالظاهر هو ان كلام الشيخ الانصاري (قدس سره) على القاعدة . 

والذي يدل على ذلك ايضا ان هذا الغاصب لو لم يكن غاصبا في الواقع وكان قاطعا بانه غاصب(كما لو كان غاصبا لمال ابيه ومات والده وهو لايعلم وكان الوريث الوحيد لأبيه)فهذا الغاصب ظاهرا المالك ثبوتا وواقعا هل يتأتى منه قصد الجد أو لا؟والجواب نعم يتأتى منه القصد الجدي ويقع عقده صحيحا ويمضيه الشارع اذ الشارع علق النقل على ان يكون الناقل مالكا ذا حق في النقل وهذا موجود ثبوتا في هذا الغاصب اثباتا و اذا قلنا بأن الغاصب لا يتأتى منه قصد الجد فيجب ان نلتزم بان كافة معاملات و ايقاعات الشخص اذا كان مالكا واقعا وغاصبا في تصوره , باطلة لأنه لا قصد جدي له وفي الانشاء يعتبر القصد الجدي هذا اجمال الكلام هذا المقام . 

خلاصة البحث مع اضافة : وهو ان الأقوال في حقيقة الانشاء ثلاثة: 

القول الاول:الانشاء ايجاد لمعنى اعتباري في عالم الاعيان وهو ما نذهب اليه باعتبار ان الاعتبار من مراتب العين. 

القول الثاني : الانشاء ايجاد لمعنى اعتباري في عالم الذهن. 

القول الثالث:الانشاء ليس ايجادا وانما هو ابراز اعتبار نفساني -غير قصد الحكاية -بمبرز(3) . 

وعلى هذه الأقوال الثلاثة اتضح الحال في المقام لكن على الرأي الثاني والثالث الامر سهل جدا لأن الرأي الثاني يرى الانشاء ايجادا لمعنى اعتباري في عالم الذهن ولا شك ان الغاصب يملك ذهنه فيوجد هذا المعنى الاعتباري في عالم ذهنه وهو نقل الملكية هذا على الرأي الثاني وكذلك على الرأي الثالث (ابراز اعتبار نفساني) اذ بلا شك ان الغاصب في نفسه يريد نقل الملكية فيبرز ذلك بهذا اللفظ المعين ,لكن تصوير ذلك على المعنى الاول (ايجاد اعتباري في عالم الواقع) قد يكون فيه صعوبة , لكن قلنا ان الغاصب كما يستطيع ان يوجد الكسر والقتل في عالم الواقع يستطيع ان يوجد نقل الملكية في عالم الاعتبار ( اي عالم اعتباره الذي له واقعية ما ) اذن الامر على الأقوال الثلاثة لا اشكال فيه فليتدبر . 

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ... 

 

الهوامش ...................................... 

1- شاءت حكمته ان تجري المسببات باسبابها الطبيعية والا لو شاء المنع لمنع كما جعل النار بردا وسلاما على ابراهيم عليه السلام 

2- بأن يكون مملكا وغير مملك في وقت واحد وذلك لعدم توفر شروط التناقض بأجمعها (اذ لا وحدة للموضوع اي المتعلق والمصب) 

3- القول للمحقق الايرواني في نهاية النهاية وتبعه السيد الخوئي في كتبه 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=328
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 14 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23