• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 125- وجوه أقوائية الإجماع من التواتر أو ماساوته له .

125- وجوه أقوائية الإجماع من التواتر أو ماساوته له

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(125)

 

احتمال الإجماع على الخطأ؛ لوجوه متعددة خاطئة

سبق: (وقال: (أمّا توافق جمع كثير على لزوم قراءة السورة في الصلاة ـ مثلاً ـ إن كان خطأ، فمن المحتمل أن يرجع إلى أخطاء متفرّقة في دوائر عديدة؛ لكثرة المقدّمات الدخيلة في استنباط الرأي، فقد يخطأ هذا في مقدّمة، ويخطأ ذاك في مقدّمة اُخرى، فهذا يتخيّل – مثلاً - حديثاً مّا صحيحاً سنداً بينما كان ذاك الحديث ضعيف السند، وذاك يتخيّل الحديث الآخر تامّ الدلالة على المطلوب بينما ليس كذلك، وآخر يتخيّل كون المرجع في باب الأقلّ والأكثر الارتباطيّين هو لزوم الاحتياط بينما ليس الأمر كذلك، وهكذا)([1]) وسنورد عليه بإشكالات ثلاث فانتظر)([2]).

وقد يورد عليه:

 

الأجوبة:

 

1- ما لم يقطع منه بالصحة فليس بإجماع

أولاً: انه ظهر مما مضى ان الضابط في الإجماع هو الضابط في المتواتر، وانه ضابط مآلي وليس كمّياً ولا كيفياً وان مرجع كليهما إلى انه إن امتنع عادةً فرضُ التواطؤ على الكذب أو الاجتماع على الخطأ (في النقل أو الفتوى) فهو متواتر أو إجماع، وإلا فلا.

والحاصل: ان الإجماع الحدسي كالمتواتر الحسي لا يكون إجماعاً إلا إذا أفاد القطع، حدساً، كما لا يكون التواتر تواتراً إلا إذا أفاد القطع، حساً، فكل ما احتمل فيه مثل ما ذكره فليس بإجماع([3]).

ويدل عليه: انه لو احتمل في الخبر المتواتر (أي ما توهم انه متواتر) ان يكون المخبِرون قد اخطأوا جميعاً في دعواهم رؤيتهم لزيد يدخل المنزل، نظراً لانه احتمل عقلائياً ان يكون الداخل متشبهاً بزيد، لما كان حجة بل ما كان تواتراً، فكذلك حال الإجماع فانه لو احتمل خطأهم جميعاً وانه عائد للخطأ في عدة دوائر، لما كان إجماعاً (أي وكما سبق لما كان إجماعاً حدسياً).

 

الإجماع قطعي من جهة تقرير المعصوم عليه السلام

ثانياً: سلّمنا أضعفية الإجماع من المتواتر من هذه الجهة، ولكنه يقابله اقوائية الإجماع منه من جهة أخرى وهي ان الإجماع، (والمراد الآن إجماع أصحاب المعصومين عليهم السلام ) مما يحدس منه بالقطع رأي المعصوم عليه السلام  لا لمجرد دعوى انه لا يعقل عادة اجتماعهم على خطأ وإن كان لتعدد دوائره، لفرض([4]) انهم من مسالك فقهية وكلامية شتى وان أذواقهم متباينة أشد التباين وانهم يضمون المتشدد والمتسامح والأصولي والاخباري والغالي والمقصر واللازم لهم عليه السلام  وغير ذلك فكيف يعقل – عادةً – اجتماعهم على الخطأ ولو لتعدد مناشئه؟ واحتماله عقلاً غير احتماله عقلائياً، بل لأمر آخر لا يشك معه في موافقة المجمعين لرأي الإمام عليه السلام  وهي انه يعلم قطعاً من إجماعهم تقرير المعصوم عليه السلام  ورضاه؛ إذ إذا كان تقرير المعصوم بسكوته عن شخص واحد حجة فكيف لا يكون سكوته عن آراء كل الفقهاء المحيطين به تقريراً حجة؟ بل لا شك انه يقطع من سكوته عليه السلام  برأيه إذا كان ظاهراً لكونه مأموراً بإبلاغ الأحكام فكيف يسكت عن حكم باطل أجمع عليه أصحابه وهم يسندونه إليه أو إلى أحد أجداده أو إلى شريعته؟

 

الجواب عن احتمال تقية الإمام عليه السلام ، بوجوه:

لا يقال: لعله كان تقية؟

إذ يقال: التقية إنما تحتمل في حق الواحد (تقيةً منه أو عليه) والاثنين والثلاثة.. ولا تحتمل في حق كل الفقهاء مع اختلاف أوضاعهم وأمكنتهم وظروفهم بل وأزمنتهم إذ الفرض ان الإمام عليه السلام  سكت عن الحكم الباطل (على فرضه) طول حياته ثم سكت عنه الإمام اللاحق طول حياته وهكذا وهل يعقل استمرار التقية في كل الأزمنة وعلى كل الفقهاء في مسألة شرعية عادية أو مهمة؟ خاصة مع علمنا بان الإمامين الباقرين (عليهما السلام) كانا فترةً في حالة تقية، وفي فترةِ ضعفِ الحكومة الأموية ثم العباسية لم يكونا في حالة تقية.

إضافة إلى ان التقية تحصل بإلقاء الخلاف ولذا قال عليه السلام  (انا خالفت بينهم) فلا حاجة أبداً لأن يوقعوا أصحابهم في الإجماع على الخلاف أو يسكتوا عنهم ان أجمعوا([5]) بل من البديهي انه رغم التقية كان يمكن للإمام ان يلقي الحكم الواقعي ولو لواحد من الفقهاء بما يصلنا عبر أصل من الأصول الأربعمائة أو غيرها فكيف تركهم الإمام على باطل ولم يوصِل الحق ولو بصوتٍ معارض ضعيف؟

بل انه لم تكن تقية أقوى من شؤون العقائد والإمامة ومثل فتنة خلق القرآن ومع ذلك أوصل الأئمة عليهم السلام  الحق ولو عبر بعض الفقهاء (بل عبر مشهورهم) فكيف يتركون الأمة كلها على باطل في مسألة فقهية بدعوى التقية؟

ثم ان هذا كله في إجماع معاصري المعصوم عليه السلام  واما الإجماعات اللاحقة فلا شك انها مرائي للإجماعات السابقة وصولاً إلى معاصري المعصوم عليه السلام  كلما لم نجد من السابقين فتوى على الخلاف.

 

لا يمكن الإجماع على خطأ إلا بالعودة لعامل واحد خارجي

ثالثاً: ان اجتماع كافة المجتهدين على الخطأ، ولو لعودته إلى أسباب شتى، مما لا يمكن عادة إلا إذا رجع إجماعهم مآلاً إلى عامل واحد خارجي جمعهم على الخطأ ولو لمداخل شتى، وذلك كما لو وجد سلطان قاهر جبرهم جميعاً على الفتوى الباطلة ثم لم يمكنهم في لاحق الأزمان بيان خلافها، أو أعراف وتقاليد شملت العلماء بأجمعهم فافتوا على طبقها وهي باطل، وإن استدل كل من العلماء على ذلك بدليل، فكان إجماعهم على الخطأ مستنداً إلى عامل واحد ضاغط على لا وعيهم ولا شعورهم فانطلقوا لتبرير الفتوى على طبق ذلك الحكم الخاطئ، كل بوجهٍ مع كون كل وجه عليلاً بوجه من الوجوه.

لكن هذا الاحتمال واهٍ جداً، بل غير ممكن في حق علمائنا الأبرار، ولا يتوهم أحد وجود أي عامل موحد لهم على الخطأ:

أما الأعراف فلوضوح اختلاف أعراف علمائنا على مر التاريخ وتوزعهم على شتى البيئات والمجتمعات والعشائر بل ولبداهة انهم اتقياء يتحرون الدليل الشرعي ولا يلتمسون المغالطات لتبرير الحكم بغير ما أنزل الله، ولئن احتمل ذلك في حق واحد منهم أو اثنين أو ثلاثة فانه غير محتمل أبداً في مشهورهم فكيف بهم بأجمعهم؟.

وأما السلطان الجائر فلم يكن إلا بنو أمية وبنو العباس وبنو عثمان وأشباههم ومن الواضح مخالفة أغلب إن لم يكن كل علمائنا لهم فكيف يجمعون على طبق رأي الحاكم أو إن قال به بعضهم كيف لا يلفت ولو لاحقاً انه كان تقية؟

وقد فصلنا جوانب من الكلام حول ذلك عند مناقشتنا للميرزا النائيني في رأيه الذي ذهب إليه من ان منشأ السير العقلائية هو اما سلطان قاهر أو نبي واحد أو الفطرة فراجع كلامه ومع ما أوضحناه وعلقنا به عليه ثم أشكلنا به([6]).

 

وليس ذلك إلا الإمام عليه السلام

إذا اتضح ذلك يتضح انه لم يبق لإجماع فقهائنا كافة على حكم وجهٌ إلا ان يعود إلى عامل خارجي واحد وهو الإمام عليه السلام  الذي يرجع الكل إليه وهو المأمور بإبلاغ الأحكام إلى الأنام فكيف لا يُبلغها إلى كافة العلماء الأعلام بحيث يترك على الضلال الخواص والعوام؟

رابعاً: سلّمنا صحة هذا الفرق بين التواتر والإجماع، لكنه غير تام بين المشهور وخبر الثقة كما سبق بيانه([7]).

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال أمير المؤمنين عليه السلام : ((مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ وَمَنْ كَابَدَ الْأُمُورَ عَطِبَ وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ...‏)) (نهج البلاغة: ص536).

 

 

------------------------------------------------------------

([1]) السيد كاظم الحسيني الحائري، مباحث الأصول، انتشارات دار البشير – قم، 1433هـ، ج2 ص301-302.

([2]) الدرس (123).

([3]) أي ليس بالإجماع الحدسي والمآلي وإن كان إجماعاً كمّياً عددياً.

([4]) تعليل لـ: لا يعقل.

([5]) إذ كان اللازم حينئذٍ الصدح بالحق، ليعلمه البعض، فيقع الخلاف مع من بقي على الباطل (إذ لم يبلغه الإمام الحكم الواقعي كي لا يلحق ضرر بالشيعة إذا اجمعوا على أمر فيعرفوا أو فيخاف منهم إذا اجمعوا دون ما إذا تفرقوا) كما فصلناه في المعاريض والتورية فراجع.

([6]) راجع الدرس (190) و(199) من البيع و(455) و(456) من الاجتهاد والتقليد و(276) من التفسير وغيرها.

([7]) في الدرس (123) تحت عنوان (مقارنة الشهرة بخبر الثقة).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3286
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 10 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28