• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 328- الاستدلال بدلالة الاقتضاء على تحديد نوع العقد .

328- الاستدلال بدلالة الاقتضاء على تحديد نوع العقد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(328)

 

مرجعية الشارع، بدلالة الاقتضاء

وقد يدّعى بان المرجع في المعاملات، إذا جهل قصد أحد المتعاملين أو غفل هو عن قصدِ نوع معيّن منها أو قَصَد نوعاً معيّناً دون ان يلتفت إلى الصحيح منه شرعاً كي يبني العقد عليه، هو الشارع أي ما صححه الشارع، بمعنى ان ارتكاز المكلف عند إجراء العقد على إجرائه العقد الذي يقبله الشارع، بل انه إذا قال جملة لا تفسير لها شرعاً إلا كذا كان ذلك هو مقصوده.

وقد يستدل على ذلك بدلالة الاقتضاء وهي (ما يتوقف صدق الكلام أو صحته عقلاً أو شرعاً عليه مع كون ذلك مقصوداً للمتكلم).

ويمثل لتوقف صدق الكلام عليه بمثل قوله ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَام))([1]) فان صدقه موقوف على تقدير أمر كـ(لا حكم ضررياً في الإسلام) أو (لا ضرر غير متدارك في الإسلام) أو شبه ذلك؛ إذ إبقاؤه على ظاهره يستلزم كذبه لبداهة وجود الأَضرار والإضرار في الإسلام إذ ما أكثر إضرار شخص بآخر وما أكثر تضرر مسلم بشيء أو بشخص، والحاصل: ان لا ضرر الظاهر في نفي ذات الضرر أي نفي وجوده، يحمل على إرادة نفي الضرر التشريعي دون التكويني؛ بدلالة الاقتضاء، وكذا القول بـ(لا شك لكثير الشك)([2]) لبداهة انه شاك تكويناً بل هو كثير الشك فيتوقف صدق الكلام على تقدير الحكم أي ليس حكمه حكم الشاك.

ويمثّل لتوقف صحة الكلام عليه عقلاً بـ(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)([3]) إذ يستحيل سؤالها فيقدّر أهل القرية.

ويمثّل لتوقف صحة الكلام شرعاً عليه بـ(اعتق عبدك عني بكذا) حيث يدل على طلب تمليكه له ثم عتقه عنه وكالةً حسبما استند إليه في التذكرة وعلّله الشيخ في المكاسب بانه لدلالة الاقتضاء.

 

(اعتق عبدك عني بكذا) طلبٌ لتمليكه له

قال الشيخ: (فيكون إنشاء تمليك له، ويكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله، كما صرّح في التذكرة: بأنّ قول الرجل لمالك العبد: «أعتق عبدك عنّي بكذا» استدعاءٌ لتمليكه، وإعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء، فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب، ويقدّر وقوعه قبل العتق آناً ما، فيكون هذا بيعاً ضمنياً لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة لعقد البيع)([4]).

ثم علّله الشيخ بقوله: (كما كان([5]) مقصوداً ولو إجمالًا في مسألة «أعتق عبدك عنّي»؛ ولذا عدّ العامّة والخاصّة من الأُصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها: بأنّها دلالة مقصودة للمتكلّم يتوقّف صحّة الكلام عقلًا أو شرعاً عليه، فمثّلوا للعقليّ بقوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، وللشرعي بهذا المثال)([6])

 

المناقشة: لا إطلاق لإحالة المكلف معاملاته على مرتكزات الشارع

أقول: تارة يبحث في ان العتق في غير ملكه محال عقلاً، وتارة يبحث عن انه غير صحيح شرعاً لورود ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ))([7]) وليس مبنى كلام التذكرة والشيخ الآن على الاستحالة عقلاً، على انه لا يستحيل ان يعتق الإنسان عبده عن غيره لقاء ثمن يستلمه وإن توهم استحالته، ولو فرض محالاً عقلاً لصحت دعوى ان قوله (اعتق عبدك عني بكذا) يقصد بها استدعاء تمليكه([8]) إذ لا يمكن ان يطلب ما هو محال ولو ارتكازاً لديه، إنما الكلام في عدم الصحة شرعاً ولذا صرح الشيخ بـ(ولذا عدّ العامّة والخاصّة من الأُصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها: بأنّها دلالة مقصودة للمتكلّم يتوقّف صحّة الكلام عقلًا أو شرعاً عليه، فمثّلوا للعقليّ بقوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، وللشرعي بهذا المثال) إذاً فمفروض كلامهم ان قوله (اعتق عبدك عني بكذا) لا يصح شرعاً إلا بان يقصد استدعاء تمليكه أي ان معنى الجملة هو ملِّكني عبدك (هبةً أو صلحاً بكذا) ثم اعتقه عني أي أنت وكيل عني في ذلك.

 

وذلك خاص في الملتفت للحكم الشرعي القاصد له

ولكن هذا التفسير لهذا الكلام والاستدلال عليه بدلالة الاقتضاء شرعاً، غير صحيح فيما نرى أي ان إطلاقه غير تام أصلاً وإنما يصح في خصوص الملتفت للحكم الشرعي القاصد لذلك من ذلك، وهم الفقهاء فقط ومن تعلّم منهم وهم قليل دون عامة الناس.

وتوضيحه: ان العامي لو أجرى معاملةً وقصد ان تقع على حسب شروط الشارع ومرتكزاته، صح ذلك ويكون ذلك مقصوداً إجمالياً له، ولكنه لو أجرى عقداً أو طلب إجراء عقد وهو غافل عن اشتراط الشارع في صحته أمراً، فانه لا تمكن دعوى ان ارتكازه على إحالته للشارع ليخرّج على قصده واجد الشرط الشرعي بل يكون عقده باطلاً لو لم يطابق شروط الشارع من دون ليّ عنقه ليطابق الشرع.

والمقام من هذا القبيل فان القائل (اعتق عبدك عني بكذا) لو كان فقيهاً ملتفتاً للقاعدة الشرعية والرواية المصرحة بـ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ)) حمل كلامه على إرادته استدعاء تمليكه ثم توكيله في عتقه عنه، لكن أغلب الناس جاهلين بهذا الشرط الشرعي بل انهم يتوهمون صحة ان تطلب من غيرك ان يعتق عبده عنك وهو باقٍ في ملكك بكذا، فهذا هو طَلِبه وعليه قصدُه، فكيف يُستند إلى دلالة الاقتضاء ويُدَّعى بان قصده إجمالاً هو إرادة الصحيح شرعاً فقد قصد استدعاء تمليكه له!

هذا مع قطع النظر عن إشكال آخر وهو: ان الظاهر ان العرف يقصدون من مثل هذه الكلمة انه اعتق عبدك عني (بالمعنى الحقيقي الظاهر من الكلمة أي اعتق عبدك وهو عبدك وباق على ملكك عني، بل قد لا يخطر غير هذا في ذهنهم) ومراده ليكون ثوابه لي بكذا، فاعتق عبدك عني بكذا أي اعتقه وأجعل ثوابه عني مقابل كذا. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي غَداً وَأَوْجَبَكُمْ عَلَيَّ شَفَاعَةً، أَصْدَقُكُمْ لِلْحَدِيثِ وَآدَاكُمْ لِلْأَمَانَةِ وَأَحْسَنُكُمْ خُلُقاً وَأَقْرَبُكُمْ مِنَ النَّاسِ)) (الأمالي للصدوق، ص508).

 

 

 

-----------------------------------------------------

([1]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج1 ص220.

([2]) هذا القول ليس حديثاً عن المعصوم صلوات الله عليه - وإن جاء على لسان كثير من الأعلام على هذا  النحو -  وإنما هو مستخرج من مضمون بعض الروايات؛ فأصبح الآن كقاعدة فقهية مسلمة بينهم.

([3]) سورة يوسف: آية 82.

([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط / تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص83-84.

([5]) أي التمليك.

([6]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط / تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص84.

([7]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج6 ص179.

([8]) أو شبه ذلك، كما سيأتي.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3308
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 24 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28