• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 329- مناقشة مع المشهور في احالتهم العقود على مرتكزات الشارع .

329- مناقشة مع المشهور في احالتهم العقود على مرتكزات الشارع

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(329)

 

 

بناء الفقهاء ليس على تخريج عقود الناس على مرتكزات الشارع

ومزيد توضيحه: يظهر بذكر ببعض المسائل الشرعية التي بنى عليها الفقهاء مما يندرج تحت كبرى المدعى في المقام، فقد صرح الفقهاء في المضاربة انه يشترط فيها ان يكون الربح بينهما (صاحب المال والعامل) بالنسبة فلو قرّرا الربح لثالث أيضاً من غير ان يكون له دور في المعاملة كما لو قالا مثلاً: الربح بيننا ووالدينا أرباعاً، كان باطلاً وكذا لو قالا: الربح يقسم أثلاثاً بيننا وبين صديقنا أو شبه ذلك، وذلك رغم ان لتصحيح ذلك تخريجاً شرعياً وهو الشرط وذلك بان يجريا عقد المضاربة على ان يكون الربح بينهما نصفين أو ثلثاً وثلثين أو ما أشبه من النسب، لكن بشرط ان يدفع أحدهما من ربحه لثالثٍ كذا، فلو شرطا كذلك صح، والشاهد ان المتعاملين لو أجريا المعاملة على الصيغة الأولى (الربح بينهم والثالث بالنسبة) فانه يحكم بالبطلان ولا يقال لهما: حيث انكما متشرِّعان فلا بد أنكما قصدتما في ارتكازكما خلاف ظاهر كلامكما وانكما أردتما الصيغة الشرعية وهي الاشتراط! وكذا لو ذكرا عبارة مبهمة ولم يعرفا صيغة الاشتراط الصحيحة شرعاً ولم يلتفتا لها فان صلاحية العبارة للانطباق على ذلك لا تكفي لتصحيح المعاملة إذ العقود تتبع القصود بالفعل، لا ما يصح قصده وإن لم يقصداه!

بعبارة أخرى: المراد من العقود تتبع القصود القصود الشخصية لا القصود الشرعية، فما قصداه إن كان صحيحاً صح أو باطلاً فسد أما ما يراه الشارع صحيحاً فان بنيا عليه ولو إجمالاً كما لو كان قصد الشارع قصدهما فهو، وإلا فلا.

مثال آخر: ان المضاربة قوامها بان يكون الربح لهما والخسارة على المالك محضاً لأن الرأسمال منه فأية خسارة ترد فقد وردت على ماله فكيف ترد على شريكه أيضاً، نعم لو قصّر أو فرّط ضمن، وحينئذٍ لو شرط المالك على العامل ان تكون الخسارة عليهما أيضاً كان باطلاً، حسب الكثير من الفقهاء ولعله شبه المجمع عليه وان ناقش فيه البعض كالسيد الوالد، فهكذا يجيب الفقيه السائل ولا يجيبه بان لذلك تخريجاً شرعياً وان قصدك نرجعه له (اللهم لو قصده بالفعل ولو إجمالاً) والتخريج الشرعي هو ان يقصد ان جَبْر الخسارة عليه لا الخسارة بمعنى ان تكون الخسارة على المالك ولكن بشرط انه إن خسر فان على العامل جبره أي دفع نصف الخسارة له فالخسارة لا ترد عليهما أولاً وبالذات بل على المالك ثم على العامل بشرط.

العقود تتبع القصود الفعلية([1]) لا الشأنية

والحاصل: ان العقود تتبع القصود أي القصود الشخصية الفعلية، لا القصود الشأنية أو التعليقية التي لو التفت إليها لقصدها لكنه حيث لم يلتفت إليها قصد غيرها، أو لم يقصدها بالمرة، وليست الشروط الشرعية غالباً مرتكزة في ذهن الناس ليقال بانه شرط ارتكازي. فتدبر

فإذا ثبتت هذه الكبرى الكلية فنقول: ان المقام وهو قوله (اعتق عبدك عني بكذا) هو صغرى ذلك فان وجود تخريج شرعي لها وهو (كما صرّح في التذكرة: بأنّ قول الرجل لمالك العبد: «أعتق عبدك عنّي بكذا» استدعاءٌ لتمليكه، وإعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء، فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب، ويقدّر وقوعه قبل العتق آناً ما، فيكون هذا بيعاً ضمنياً لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة لعقد البيع)([2]) أعم من قصد العامي له، نعم لو كان العاقد فقيهاً ملتفتاً لمثل هذا التخريج فيصح ان يقال بانه قَصَده، اما العوامّ فلا يصح سوقهم بعصا واحدة بدعوى انه حيث كان التخريج الشرعي كذا فلا بد ان العوام كلهم قد قصدوه، إذ فيه ان القصد فرع الالتفات وكيف يقصدون ما لم يلتفتوا إليه! نعم لو قال أحدهم انني أقصد من هذا اللفظ التخريج الفقهائي له الذي لا أعلمه لكن أحيل معاملتي على تخريجهم، صحّ.

بل سبق ان العوام يقصدون من مثل هذه اللفظة ظاهرها الساذج وهو اعتق عبدك – أي وهو عبدك – عني أي ليكون ثوابه لي وأعطيك كذا.

بل ان العوام غير ملتفتين عادة إلى القاعدة الشرعية ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ))([3]) فكيف يحمّلون انهم لو قالوا (اعتق عبدك عني بكذا) قد بنوا في ارتكازهم على هذه القاعدة وانه لا بد انهم قصدوا من هذه الجملة انه ملّكني عبدك ثم إذا ملكتُه فانت وكيل عني في عتقه عني!

تجربة ميدانية مع العرف تخالف تخريج الفقهاء

وحيث ان مدّعانا ان عامة الناس لا يقصدون تخريج علماء السنة والشيعة لمثل هذه الجملة بانها تمليك وتوكيل.. الخ، فلا بد من الرجوع إلى عامة الناس والاحتكام إليهم لنرى ما هي حقيقة قصودهم في مثل المقام، ولذلك أجرينا التجربة التالية مع أربعة من عامة الناس فسألتهم انه لو قال لكم شخص قِف أرضك عني بكذا أو هب دارك عني لزيد بكذا أو اعتق عبدك عني بكذا، فما هو المقصود من هذه الجملة وما هو معناها؟

فأجاب أحدهم: ان هذا الطلب غلط! (ولم يكن ارتكازه كما قاله الفقهاء من انه صحيح محمول على التمليك والتوكيل) وقال الآخر: انه صِرف استدعاء وطلب، وقال الثالث: انه تمليك (أي فهم ما فهمه المشهور دون ان يفهم وجود توكيل هنا) وقال الرابع: لا افهم معنى هذه الجملة!

وعليه: فالمدار تشخيص حال كل فرد فرد وإجراء الحكم عليه، وليس الحكم على عامة المكلفين بانهم كلها قالوا مثل ذلك فقد قصدوا التخريج الفقهائي له بدعوى انه من دلالة الاقتضاء شرعاً! نعم لو قال الشارع هذه الجملة تمت دلالة الاقتضاء شرعاً لأنه قطعاً ملتفت لأحكامه وتخريجاته ولا يقول لغواً ولا باطلاً، دون ما إذا قالها العامي الجاهل بحكم الشارع وتخريجه.

وبذلك ظهر وجه التأمل في كلام العامة والخاصة حسب نقل الشيخ وهو: (ولذا عدّ العامّة والخاصّة من الأُصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها: بأنّها دلالة مقصودة للمتكلّم يتوقّف صحّة الكلام عقلًا أو شرعاً عليه، فمثّلوا للعقليّ بقوله تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، وللشرعي بهذا المثال)([4]) إذ مادام يذعن بانه من دلالة الاقتضاء شرعاً فانها تلزم الشارع لا غيره من العوام الجاهلين بأحكامه إذ الفرض ان دلالة الاقتضاء هي دلالة مقصوده للمتكلم. فتدبر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

من وصايا لقمان لابنه ((يَا بُنَيَّ إِنَّ الدُّنْيَا بَحْرٌ عَمِيقٌ وَقَدْ هَلَكَ فِيهَا عَالَمٌ كَثِيرٌ فَاجْعَلْ سَفِينَتَكَ فِيهَا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاجْعَلْ شِرَاعَهَا التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ وَاجْعَلْ زَادَكَ فِيهَا تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ نَجَوْتَ فَبِرَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ هَلَكْتَ فَبِذُنُوبِكَ))

(من لا يحضره الفقيه، ج2 ص282).

 

 

--------------------------------------------

([1]) الأعم من الإجمالية.

([2]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط / تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص83-84.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج6 ص179.

([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط / تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص84.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3310
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 25 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28