• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 140- مناقشات أخرى مع المجلسي ودفاع عن الكليني .

140- مناقشات أخرى مع المجلسي ودفاع عن الكليني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(140)

 

إشكال المجلسي على الكليني وجوابنا عنه

وقال العلامة المجلسي: (فظهر ان ما ذكره قدس سره من قلّة ما يعرف من ذلك حقّ، لكن كلامه يحتمل وجهين:

الأول: انه لـمّا كان الاطلاع عليها عسراً، والانتفاع بها نزراً فينبغي تركها والأخذ بالتخيير، وهذا هو الظاهر من كلامه، فيرد عليه انّ ذلك لا يصير سبباً لتركها فيما يمكن الرجوع إليها مع ورودها في الاخبار المعتبرة.

والثاني: أن يكون المراد أنّ الانتفاع بقاعدة التخيير أكثر، والانتفاع بغيرها أقل، ولا بدّ من العمل بها جميعاً في مواردها، وهذا صحيح لكنّه بعيد من العبارة)([1])

أقول: بل ظاهر المحدث الكليني هو إرادة المعنى الثاني؛ وذلك لأن الظاهر ان قوله (ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع...) تفريع على المستثنى منه لا على مجموع المستثنى منه والمستثنى فان الظاهر انه يقول: حيث لا نعرف تلك المرجّحات بل نحتملها فقط أي نحتمل انطباقها على الصغريات فلا يصح العمل بها حينئذٍ لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلذا وحيث عجزنا عن إحراز تحقق المرجّح، تصل النوبة إلى التخيير، وقد صرح بانه أوسع ووجهه واضح، كما صرح بانه أحوط ووجهه: ان التمسك بالترجيح فيما لم يحرز تحقق المرجح صغرىً، طرحٌ للرواية الأخرى وهو خلاف الاحتياط إذ لا يصح طرح كلامهم عليهم السلام (الواصل بحجة معتبرة) بدون حجة والفرض ان الحجية هي المرجّح للطرف الآخر ولم يحرز.

بعبارة أخرى: كأنه يقول: اننا لا نعرف من جميع ذلك (أي من المرجّحات الثلاث) تسعة وتسعين بالمائة مثلاً ونعرف واحداً بالمائة فقط، فيتفرع عليه انه في التسعة والتسعين بالمائة لا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير إذ نوبة التخيير تأتي بعد فقد المرجح، لا انه يقصد انه حتى في الواحد بالمائة الذي أحرزنا فيه المرجح، نهمله ونقول بالتخيير.

بل يدل عليه انه لا يعقل ان يقول عاقل، فكيف بمثل الكليني، المعنى الأول الذي هو انه حيث تعسر الإطلاع على المرجّحات في 99% من الموارد لذا نرفع اليد عنها حتى في الـ1% من الموارد المتيسرة ونلجأ للتخيير فيها جميعاً!

 

وجوه ترك الكليني ذكر الأخبار المتعارضة

ثم أيّد العلامة المجلسي استظهاره ان الكليني أراد المعنى الأول بقوله: (ويؤيد الأول تركُ المصنف قدس سره إيراد الاخبار المتعارضة، واختيار ما هو أقوى عنده، وفيه ما فيه، ولذا وجّه بعض المعاصرين ذلك بأنّه إنما فعل ذلك برخصة الإمام عليه السلام، وقد عرفت ما فيه)([2]).

أقول: كلا، لا تأييد فيه فان ترك المصنف إيراد المعارضات كما يحتمل ان يكون لما قاله (وهو البناء على المعنى الأول) يحتمل ان يكون مبنياً على المعنى الثاني، وعدم ذكره قدس سره المتعارضات في الكافي أصلاً قد يكون لعدم تحقق الصغرى لديه، أي انه لم يكن في الروايات من ذلك (الأكثر) شيء كي يلتزم بذكر الطائفتين مخيراً بينهما أي ان كافة ما ذكره في الكافي مما لم يذكر الطائفة المعارضة له فلأنه وجد ان المعارض مخالف للكتاب فوجب عليه طرحه للروايات الدالة على ((وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَدَعُوهُ))([3]) وقد ترك ذكر هذه الروايات التزاماً بأمر الإمام هذا ونظائره كقوله عليه السلام ((فاضربوا به عرض الحائط))([4]) وبقوله (لم أقله)، ولماذا يذكر في كتابه الرواية التي ينطبق عليها قوله عليه السلام (لم أقله) و(زخرف) وشبه ذلك؟.

والحاصل: ان كل طوائف الروايات المتعارضة كانت لديه من (الأقل) لذا ذكر الراجح منها فقط، ويؤيده انه أحياناً ذكر المتعارضات، كما في مسألة منجزات المريض، وذلك لأنه رأى كونه من (الأكثر) وانطباق ضابط التخيير عليه. فتأمل

تنبيه: ان الشيخ الطوسي ذكر المتعارضات وذكر وجوه جمع بينها وقد اعتبرها البعض تبرعية، وقد ذكرنا وجهاً وجيهاً لها في فقه المعاريض فراجع.

ثم ان دعوى ان الكليني فَعَل ذلك برخصةٍ من الإمام عليه السلام وإن لم يكن عليها دليل، لكننا لا نستطيع نفيها أيضاً فلا يصح الإشكال عليه، بل مجرد احتمال ورود إشكال عليه، حتى لو بنى على الوجه الأول؛ لأنه يكون قد أخذ الصغريات من الإمام وانه عليه السلام يحتمل ان يكون هو الذي أمره بطرح هذه الطائفة (رغم كون مقتضى القاعدة التخيير؛ للجهل بالمرجح).

واما الاستدلال على ذلك بقاعدة اللطف بمعنى ان سكوت الإمام عن الكافي تقرير له كاشف عن رضاه بكل ما فيه، فليس بتام؛ إذ نحن في زمن الحرمان والسبب نحن إذ (وعدمه عجل الله تعالى فرجه الشريف منا) ولا دليل على وجوب ان يردع الإمام عن كل منكر وان يبين الحق في كل طوائف الروايات المتعارضة، نعم لو تعرض اصل الدين للخطر والانمحاء وجب التدخل الغيبي من باب اللطف دون مثل المسائل الشرعية المختلف فيها. فتدبر والله العالم

وسيأتي منّا وجهان جديدان لحل المعضلة (في إهمال المرجّحات الثلاث واللجوء إلى التخيير) فانتظر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((لَا يَجِدُ أَحَدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ)) (مستدرك الوسائل: ج11 ص197).

 

 

----------------------------------------------------

([1]) العلامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص24.

([2]) العلامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص24.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص69.

([4]) الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت، ج1 ص39.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3326
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 4 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28