• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 141- توجيهات ثلاث لعدم ادراج الروايات المعارضه في الكافي .

141- توجيهات ثلاث لعدم ادراج الروايات المعارضه في الكافي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(141)

 

لماذا لم يذكر الكليني الروايات المعارضة؟

وبعبارة أخرى أشمل وأجمع: ان عدم ذكر الشيخ الكليني للروايات المعارضة للعنوان الذي اختاره للباب والكاشف عن فتواه على طبقه (إلا في موارد قليلة) يرجع، على سبيل البدل، لأحدى العلل التالية:

 

1- اما لأنه لم يرها معارضة

1- اما لأنه لم يرَ الطائفتين متعارضة ولم يرَ ما لم ينقله معارضاً لِما نقله فليست داخلة في مقسم كلامه إذ قال: (فاعلم يا أخي أرشدك الله أنّه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلّا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام: ((اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عز وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردُّوه)) )([1]) فلم يذكرها لأنه لم يرها مما اختلفت فيه الرواية عن العلماء بل وجدها غير متعارضة، ويمكن تصوير ذلك بوجوه:

 

أ- ككونها قضايا خارجية لا حقيقية

منها: انه قد يكون ارتأى ان هذه الطائفة (كطائفة نجاسة أهل الكتاب أو طائفة حِلّية أكل الحمر الأهلية) من القضايا الحقيقية، وتلك الطائفة (كطائفة طهارتهم – أو العكس، لا فرق، أو طائفة نهي النبي صلى الله عليه واله وسلم عن أكل الحمر الأهلية) من القضايا الخارجية([2])، فلم يذكر ما استظهر انه من القضايا الخارجية لأنها خاصة بزمنها أو بمكانها أو بالأفراد المخاطبين بها زمن المعصومين (لأن القضية الخارجية([3]) هي كذلك) فلم ير داعياً لذكره وتسجيله في الكتاب الذي ألّف بعد غياب المعصوم عليه السلام.

 

ب- أو ولائية لا أولية

ومنها: انه قد يكون ارتأى ان هذه الطائفة وردت لبيان الحكم الواقعي الأولي وتلك الطائفة وردت لبيان الحكم الولائي (وهو نوع من الحكم الثانوني) فلم يرَ داعياً لنقل روايات الحكم الولائي لاختصاصها بزمنها، فمثلاً([4]): روايات إباحة الإمامين الصادقين للخمس للشيعة، فان من ارتأى ان الإباحة كانت ولائية([5]).

ووجه إعمالهما (عليهما السلام) الولاية في إباحتها قد يكون انهما (عليهما السلام) أرادا النهوض بالشيعة اقتصادياً في ذلك الزمن – على ما فصلناه في موضع آخر) فلا يرى داعياً لنقل هذه الطائفة التي ارتأى انها ولائية لاختصاصها بزمنها أيضاً.

 

أو لظهور وجه جمعها مع مقابلها، لديه

ومنها: انه قد يكون ارتأى طائفة الروايات التي قد يستظهر منها غيره انها دالة على الاستحباب، دالةً على الوجوب ولو بالقرائن، فلا تنافي الطائفة الأخرى التي هي نص في الوجوب، لذا لم ير داعياً لنقل الطائفة الأولى إذ اكتفى بنقل الطائفة الثانية.

والحاصل: ان ذلك، على أقل تقدير، محتمل فلا يرد على الكليني انه مع كون الطائفتين متعارضتين وان مسلكه التخيير عموماً (إلا النادر) فلماذا لم ينقل الطائفة الأخرى؟

لا يقال: لا بد من نقل روايات الحكم الولائي، كي يستند إليها الفقهاء لاحقاً؟

إذ يقال: كلا لا حاجة إليها من هذه الجهة؛ إذ إذا تمت أدلة ولاية الفقيه([6]) في الشؤون العامة فهي المستند له لإعمال ولايته من غير حاجة إلى الاستناد إلى إعمال المعصوم ولايته في هذا المورد أو ذاك، وإذا لم تتمّ فانه لا يحق له إعمال ولايته ولا يكفي إعمال المعصوم ولايته فيه؛ إذ للمعصوم إعمال الولاية فيها ولا يكفي إعمال المعصوم ولايته في مورد ليكون للفقيه مثله إلا بتمامية أدلة ولاية الفقيه العامة، فالمدار كل المدار على تمامية أدلة ولاية الفقيه وعدمها، وليس فعل المعصوم بما هو فعل ولائي صالحاً للتسرية إلى الفقيه لولا أدلة ولاية الفقيه العامة معها لا حاجة إلى الاستناد فعله عليه السلام بل لا يصلح دليلاً للفقيه بما هو فعل له عليه السلام.

 

2- أو لأنه رآها مرجوحة ساقطة

2- واما لأنه رأى الطائفة التي لم يذكرها، من مصاديق الروايات المرجوحة التي خالفت الكتاب أو الشهرة أو وافقت العامة، أي وجدها من الأقل الذي يجب طرحه، وهذا الوجه هو ما فصلناه في الدرس السابق بقولنا: (أقول: كلا، لا تأييد فيه فان ترك المصنف إيراد المعارضات كما يحتمل ان يكون...)([7]) فراجعه مرة أخرى.

 

3- أو لأنه تمسك بأحد طرفي تخيير الأئمة عليهم السلام

3- واما لانه رغم انه رأى ان الطائفة الثانية هي أحد طرفي التخيير أي رأى انها من (الأكثر) لأنه لم يتضح وجود إحدى المرجّحات الثلاث في أحدى الطائفتين أو كان متعذراً تحصيل ذلك المرجّح أو عسراً، لذلك انتقل إلى التخيير، فقد يتوهم انه عليه كان عليه ان يذكر الطائفتين المتعارضتين كلتيهما، لكن الجواب انه مادام مخيراً فهو في سعة فله نقل إحدى الطائفتين فقط، بل هذا هو صريح روايات التخيير وصريح فتواه إذ قال: (ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلّا أقله ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالم عليه السلام وقبول ما وسّع من الأمر فيه بقوله عليه السلام: ((بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم)) )([8]) فعلى مستوى العقل النظري التزم بـ(نردّ علم ذلك كله إلى العالم) وعلى مستوى العقل العملي التزم بـ(نقبل ما وسّع..) وحيث ان صريح الإمام انه (بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم) فله الأخذ بأحد الطرفين كما له الأخذ بكليهما وله رواية احدى الطائفتين كما له روايتهما معاً.

 

ولا أرجحية لنقل الطائفة المعارضة، لجهة طارئة

لا يقال: سلّمنا ان له ذلك، لكن ألم يكن من الأرجح ان ينقل الطائفة الثانية أيضاً؟

إذ يقال: لعله لم يذكرها لجهة أخرى راجحة، والجهات المتصورة عديدة: منها: لدفع التشنيع على الشيعة إذا انه أراد ان يصل كتابه للجميع كمصدرٍ، فإذا وصل حاملاً طوائف الروايات المتعارضة فقد يشنّع أهل الخلاف وبعض العوام علينا بالتناقض، والجواب عن ذلك أصولياً وإن كان ثابتاً واضحاً لكن الكثير قد لا يفهمه أو قد يأبى قبوله عناداً فيهرّج بالتناقض، وهذه جهة عقلائية وتكفي للأخذ بأحد طرفي التخيير وترك الآخر.

 

فرق الطوسي عن الكليني، ووجه عمل كل منها

واما الشيخ الطوسي فلعمله جهة أخرى حيث انه ذكر الطوائف المتعارضة وذكر وجوه الجمع بينها مما عليه شاهد من الروايات وهو كثير ومما لا شاهد عليه ولعله كثير أيضاً ولذا اتهم بالجمع التبرعي ولكننا أجبنا عنه بوجوه في كتاب المعاريض والتورية ومنها ان الجمع التبرعي إنما الغاية منه إبداء احتمال عقلائي لانفكاك إرادة المتكلم الجدية عن الاستعمالية فلا يمكن للمخالف ان يتهمنا بالتناقض في الأحاديث غاية الأمر ان يقول يحتمل ان تكون متناقضة ولا يصح التهجم على الخصم بدعوى انه يحتمل ان كلامك متناقض، وذلك هو ما صنعه الإمام العسكري عليه السلام مع الكندي الفيلسوف الذي ألّف كتاباً جمع فيه بزعمه تناقضات القرآن فأجابه الإمام عبر تلميذه بنفس ما صنعه الشيخ الطوسي لاحقاً ومضمونه هو انه ألا تحتمل ان يكون مراد المتكلم غير ظاهره([9])؟ والاحتمال إذا كان قائماً فلا تصح دعوى التناقض غاية الأمر ان يقول احتمل التناقض أو ظاهر العبارة متناقض ولا يضرنا ذلك إذ يكفي ان نجيب انه لعله لِحِكمةٍ فَعَل ذلك كـ(لَنَبْلُوَنَّكُمْ) وكـ(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) إضافة غلى انه صرح بـ(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)([10]) مثلاً اما التناقض المسلّم فهو المخل..

والشاهد ان الشيخ الطوسي حيث انتشرت أخبارنا بطوائفها التي قد يتوهم تناقضها وحيث شاع تقريعنا بذلك، لذا ذكر الطرفين وأجاب بأنواع الجمع، والمستظهر انه في زمن الكليني لم يكن ذلك مشتهراً أو لم يكن التقريع به مشهوراً فلم تكن حاجة إلى زيادته اشتهاراً لذا اكتفى بما جوّزه الأئمة عليهم السلام من احدى الطائفتين، بل قد يرى مؤلف حكيم ان التهمة منتشرة ومع ذلك لا يرى داعياً لذكرها في كتابه إذ قد يزيدها ذلك انتشاراً، ولذا يكتفي بنقل الكلام الصحيح دون ذكر الطرف الآخر وإن كان صحيحاً في حد ذاته صح لوجه آخر (ككونه ولائياً أو قضية خارجية أو شبه ذلك مما سبق)([11]).

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسين عليه السلام: ((وَاعْلَمْ أَيْ بُنَيَّ أَنَّهُ مَنْ أَبْصَرَ عَيْبَ نَفْسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ إِلَى أَنْ قَالَ أَيْ بُنَيَّ مَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ وَرَضِيَ (نَفْسُهُ بِهَذَا) فَذَاكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ))(تحف العقول: ص88).

 

 

--------------------------------------------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص8.

([2]) وأمثلة القضايا الخارجية متعددة: ومنها: روايات ذم أهالي بلدان خاصة كمصر أو الكوفة أو اصفهان، فان الذم ورد على أولئك القوم بخصوصياتهم فلما تغيروا أو إذا تغيروا تغير الذم، ولذا ورد ذم أهل أصفهان لأنهم حينها كانوا نواصب فلما تشيعوا وحسن إيمانهم استحقوا المدح، وكذا أهل الكوفة.

ومن القضايا الخارجية: الروايات الطبية، إذ الإمام عليه السلام يجيب الطرف بالدواء على حسب خصوصيات حاله، ككل طبيب، فلا يصح تعميم تلك الوصفة، إلا ما خرج بالدليل، ولذا لم يذكر الفقهاء في رسائلهم العملية الأحكام الطبية إلا النادر مما ثبت انه قضية حقيقية أو إلا ما شملته قاعدة التسامح في أدلة السنن إن كان منها.

([3]) بالمعنى الأخص الذي اصطلحنا عليه، وهو أخص من الخارجية باصطلاحهم.

([4]) والمثال فرضي للتقريب للذهن.

([5]) كما هي خاصة بالمناكح والمساكن أو المتاجر المنتقلة إليه من الغير والحال ان عليه فيها الخمس، كما فصلنا ذلك في كتاب رسالتان في الخمس.

([6]) كـ((وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَ أَنَا حُجَّةُ اللَّه‏)) الاحتجاج: ج2 ص469 و((الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْإِسْلَامِ)) الكافي: ج1 ص38 و((فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً)) الكافي: ج1 ص67.

([7]) الدرس (140).

([8]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص9.

([9]) هذا مع قطع النظر عن وجود قرائن قطعية على ان دأب القرآن الكريم تفكيك الإرادة الجدية عن الاستعمالية وفصل القرائن عن ذيها وإرادة المعاني المجازية.

([10]) سورة آل عمران: آية 7.

([11]) ومن ذلك نعتبر ان الظروف حيث تختلف لذا يجب ان يختلف نوع الخطاب ومحتواه، ففي العصر الحاضر مثلاً حيث انتشرت كافة كتبنا ومصادرنا وحيث سهل اقتناص كل كلمة فيها بالبحث المتطور، لا يصح لمن يدعو للتقريب ان ينكر أحاديث اللعن وشبهها أو ينكر ان كثيراً من علمائنا أفتوا على طبقها، إذ سيقول الطرف الآخر انه كاذب أو منافق، بل الأفضل الإقرار والقول بان ذلك ليس ما أراه أنا (إن كان ممن لا يراه) أو القول بان للبحوث العقائدية موضعها، والذي ندعوا إليه التعايش العملي أو الاتحاد السياسي لا الوحدة أو الاتحاد العقدي.. أو شبه ذلك.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3329
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 9 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29