• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 145- التزاحم الملاكي والتزاحم الامتثالي - تزاحم قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر أو تعارضها؟ .

145- التزاحم الملاكي والتزاحم الامتثالي - تزاحم قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر أو تعارضها؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(145)

 

التزاحم الملاكي والامتثالي

المطلب الثامن: ان التزاحم على قسمين: التزاحم الملاكي والتزاحم الامتثالي([1])، والأول شأن المشرِّع، والثاني شأن المكلف، والتزاحم الملاكي هو التزاحم الذي يلاحظه المشرِّع حين موازنته بين شتى الملاكات المختلفة المتحققة في موضوع حكمه ثم بعد الكسر والانكسار يجعل حكمه، من وجوب أو حرمة أو غيرهما على طبق الأقوى منها، وتكفي ملاحظة الآية التالية موضحاً لذلك (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فيهِما إِثْمٌ كَبيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما...)([2]) وليس شأن المكلف هذا التزاحم إذ لم يحطنا الشارع بتمام ملاكاته بل أشار إلى بعضها بنحو المقتضي فقط.

واما التزاحم الامتثالي فهو التزاحم بين التكليفين أو التكاليف، الذي يقع للمكلف نظراً لقصور قدرته عن امتثالها (امتثالهما) جميعاً وهذا يعني ان كلا الملاكين تام وان الحكم مجعول على طبق كليهما لكن المكلف كان غير قادر على امتثالهما معاً كالتزاحم بين الصلاة وبين إزالة النجاسة عن المسجد حسب المثال المعروف والتزاحم بين أداء الصلاة وإنقاذ الطفل من ضرب الظالم له فلو تزاحمت صلاة العصر آخر الوقت مع إنقاذ الطفل فما العمل؟ وحيث ان ملاكات الأحكام ليست بأيدينا لذلك فان الدخول إلى عالم الملاكات لترجيح ما صنعه الشارع، كما يبدو من صاحب الجواهر في أكثر من موضع([3])، ليس على ما ينبغي، وسيأتي الكلام تفصيلاً عن الفوارق بين التزاحمين: الملاكي والامتثالي بإذن الله تعالى، كما انه قد سبقت الإشارة إليه أيضاً.

والمقصود: انه يجب الالتفات كي لا يحدث خلط بين نوعي التزاحم فان الأول ليس لاجتهادنا واستنباطنا فيه مسرح أبداً، اما الثاني فتجري فيه مرجّحات باب التزاحم على التفصيل الماضي والآتي بإذن الله تعالى.

 

التزاحم بين الأحكام الوضعية والعناوين الثانوية

المطلب التاسع: انه سبق (4- التزاحم بين أدلة الحجج والعناوين الثانوية، وهذا ما لم نجد من بحثه حسب استقراء ناقص – وهو مورد البحث ههنا – وسيأتي تصويره وحكمه، بل التزاحم بين الأحكام الوضعية عموماً ولا ضرر، وستأتي إشارة إليه)([4]) وتفصيله: ان الأعلام لم يبحثوا – فيما فحصنا – التزاحم بين الأحكام الوضعية الأصولية، كالحجية والترجيح بالمرجّحات، وبين العناوين الثانوية كـ: لا ضرر ولا حرج، لذلك لا بد من ان نرجع إلى ما بحثوه في التزاحم بين الأحكام الوضعية الفرعية وبين العناوين الثانوية، فانها تلقي الضوء، إلى حد ما، وتُعين على الاستنباط في مسألتنا هذه إضافة إلى موضوعيتها في حد ذاتها، على ان القوم لم يفصلوا في البحث كما ينبغي عنها إذ لم يفردوا لها باباً في الأصول ولا في القواعد الفقهية، إلا موجزاً، ولا في الفقه إلا استطراداً، ولعل لذلك اضطربت أقوال الفقهاء، بل حتى الفقيه الواحد، في مختلف مسائل التزاحم بين لا ضرر مثلاً وبين العديد من الأحكام الوضعية.

ولنمثل ههنا بمثال كثير الابتلاء جداً، مما ينقح به حال مقامنا أيضاً: وهو:

 

التزاحم بين دليل السلطنة وقاعدة لا ضرر

التزاحم بين دليل السلطنة وقاعدة لا ضرر، وذلك بعد وضوح ان ذلك ليس من باب التعارض إذ ليسا متكاذبين ليكونا متعارضين بل لكل منهما ملاك ففي مادة الاجتماع يتزاحمان، ودليل السلطنة هو ((إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ))([5]) ويضاف للقاعدة (وأنفسهم) حسب المستفاد من آية (النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ...)([6]) إذ لولا ان لهم ولاية على أنفسهم لما صح القول بان النبي أولى أي ان أفعل التفضيل يدل بالدلالة التضمنية على ذلك، كما يضاف للقاعدة (وحقوقهم) وهي مصطيدة من شتى الروايات وشتى أبواب الفقه..

ولا شك ان السلطنة لها ملاك سواء أكانت ملكية أم حق اختصاص (والملكية هي الدرجة العليا من السلطنة حسب المنصور ولعله المشهور وليس حقيقة أخرى مباينة) ومن ملاكاتها ابتناء نظام معايش العباد عليها إذ لو جُرِّد الناس عن الملكية كما فعلته الشيوعية لما بقي حافز ودافع للتاجر ليتاجر وللزارع ان يزرع وللصانع ان يصنع إلا بمقدار لقمة عيشه فقط إذ انه يعلم بان الزائد ليس ملكاً له وانه لا يكون إرثاً من بعده لأولاده، والحاصل: ان حكم العقلاء بحصول الملكية بالبيع أو الهبة أو الإحياء فطري عقلي وعقلائي لهذه الجهة وغيرها مما يستدعي تفصيله مقاماً آخر، والضرر أيضاً ملاك مزاحم فانه من المفسدة بلا شك، والنسبة بينهما من وجه، فما هو الحكم في مادة اجتماعهما؟

 

تزاحم أو تعارض؟

الاحتمالات بل الأقوال ستة أو أكثر: تتوزع بين إدراج الأمر – حسب ظاهر ما التزم به القائل – في باب التعارض وإدراجه في باب التزاحم، وبين إطلاق تقدم دليل السلطنة لحكومته على دليل على لا ضرر، رغم كون دليل السلطنة عنواناً أولياً فكيف يكون حاكماً على العنوان الثانوي مما قد يعلل بقوة المادة أو غير ذلك مما ينقح في محله، وبين إطلاق تقدم دليل لا ضرر على دليل السلطنة، وبين التفصيل بأنحاء شتى.

قال السيد العم في بيان الأصول في قاعدة لا ضرر (الأولى: تعارض لا ضرر مع قاعدة السلطنة: الناس مسلطون.

قال في الجواهر: (ترجيح القاعدة على "لا ضرر" لاعتضادها بعمل الأصحاب على وجه ترجّح على قاعدة نفي الضرر والضرار)([7]) وظاهره: تعارضهما، وترجيح السلطنة، لعمل الأصحاب بها عند التعارض.

والبحث في هذا التعارض في مقامين: الحكم التكليفي، والحكم الوضعي. أما الحكم التكليفي: ففيه أقوال، والتي منها: ترجيح قاعدة السلطنة، وقد نقلناه عن الجواهر.

وقد اضطربت كلمات العديد من الفقهاء في الحكمين: التكليفي والوضعي جميعاً، فمن مقدِّم قاعدة السلطنة فيهما على لا ضرر، ومن عاكس فيهما، ومن مفصّل بين الأسباب التوليدية وغيرها: كصاحب الجواهر قدس سره([8])، ومن مفصّل في أصل الحكمين.

وعن العلامة، والشهيدين، والمحقق الكركي قدست أسرارهم: جواز التصرف في ملكه وإن تضرر جاره، وعلّلوه بقاعدة السلطنة وظاهرهم: حكومة القاعدة على لا ضرر، لا تعارضهما وترجيح السلطنة بمرجح خارجي، كما فعله الجواهر، فيما نقلناه عنه)([9]).

وسيأتي بعض الكلام عن ذلك، ولعل بعض السر في الاضطراب يعود إلى ان: من الموارد ما لا يشك في تقدم لا ضرر على الحكم الوضعي الذي هو السلطنة ومن الموارد العكس، وانه لا شك في عدم زحزحة الحكم الوضعي بسبب لا ضرر.

فمن الثاني: ان الزوجية لا تزول بكونها ضررية أبداً بل لا بد من الطلاق ولو الولائي، وكذلك الملكية بقاءً بل حدوثاً فيها فانه مسلط على ان يشتريه أو يتزوج وإن كان ذلك ضررياً عليه كما لو كان في زواجه منها ضرر على دنياه أو دينه فهل يحكم ببطلان الزواج للاضرر؟ أو كان في شراء هذه الدار ضرر قطعي عليه فهل يحكم ببطلان الاشتراء؟ وللبحث صلة بإذن الله تعالى فانتظر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((تَفَكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ قُلْتُ كَيْفَ يَتَفَكَّرُ؟ قَالَ يَمُرُّ بِالدَّارِ وَالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ: أَيْنَ بَانُوكِ؟ أَيْنَ سَاكِنُوكِ؟ مَا لَكِ لَا تَتَكَلَّمِينَ!)) (المحاسن، ص26).

 

 

------------------------------------------------

([1]) إضافة للتزاحم الحفظي.

([2]) سورة البقرة: آية 219.

([3]) ولعله يأتي الكلام عنه.

([4]) الدرس (144).

([5]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج1 ص222.

([6]) سورة الأحزاب: آية 6.

([7]) جواهر الكلام: ج38، ص130.

([8]) جواهر الكلام: ج38، ص52.

([9]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، مركز التوزيع دار الأنصار – قم، 1435هـ، ج5 ص280-281.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3342
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 15 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28