• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 76- الجواب عن اشكال الطولية ، بإن موضوع الاحتياط باقٍ حتى مع وجود الامارات وبانه لا ورود .

76- الجواب عن اشكال الطولية ، بإن موضوع الاحتياط باقٍ حتى مع وجود الامارات وبانه لا ورود

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 
البحث يدورحول ان الاحتياط هل هو في طول الاجتهاد والتقليد ام العكس هو الصحيح؟ وقد ذكر ان من ذهب الى ان الاحتياط في طولهما أي هو متأخر عنهما رتبة , استدل على الطولية و ان رتبة الاحتياط متأخرة , بانه من الاصول العملية وهي متأخرة عن الادلة الاجتهادية. 
وللجواب عن ذلك نسأل : ما المقصود من التقدم الرتبي ؟ والاحتمالات هي ان التقدم اما بالتخصص او بالورود او بالحكومة فهذه احتمالات ثلاث ثبوتية في معنى التقدم . 
الاحتمال الاول :ان المراد من التقدم : التخصّص , اي انه مع امكان الاجتهاد او التقليد لا موضوع حقيقة للاحتياط كما لاموضوع حقيقة ل(رفع ما لا يعلمون) مع وجود العلم اوالعلمي , فايضا مع انفتاح باب العلم والعلمي لا موضوع حقيقة للاحتياط . 
و يرد هذا الكلام امران : الاول تعريف الاحتياط والثاني تحديد موضوع الاحتياط . 
اما تعريف الاحتياط : فهو يعني طلب الحائطة او الحيطة على اغراض المولى الملزمة أو على اوامره الملزمة بالجمع بين المحتملات او بالاتيان بمحتمل الوجوب (وهذا التعريف لم نذكره سابقا ولعله اكمل) لأن كلا من اغراض المولى واوامره تام الاقتضاء لوجوب انبعاث العبد عنه , بالجمع بين المحتملات أو باتيان ما احتمل تعلق الامر به , وهذا التعريف الذي جمعنا فيه المعنى اللغوي والاصطلاحي لا ينخدش حتى مع وجود الادلة الاجتهادية , مثلا من حصل له انعراض (ترك اجباري لوطنه) عن وطنه وشك هل هو بمنزلة الاعراض في انتفاء الوطن , فلو قام لديه الدليل اجتهادا او تقليدا على ان الانعراض بحكم الاعراض ولكن مع ذلك احتاط بالجمع بين القصر والاتمام فلا محذور فان تعريف الاحتياط منطبق عليه , وكذلك لو شك في اصل الوجوب كما لو شك في وجوب جلسة الاستراحة في الصلاة فيطلب الحائطة باتيانها رغم ان الدليل دل –فرضا- على عدم وجوبها فيحتاط ؛ لاحتمال ان يكون الدليل الاجتهادي غير مطابق للواقع 
اما موضوع الاحتياط ومن هنا نشأت الشبهة لأن موضوع الاحتياط لم يحلل ولم ينقح عادة اما موضوع البراءة فمعلوم وهو عدم البيان في البرائة العقلية وعدم العلم في النقلية (رفع ما لايعلمون) وموضوع التخيير هو الدليلان المتعارضان المتكافئان فعلى رأي انت مخير بالأخذ باحدهما , وموضوع الاستصحاب هو المتيقن الملحوظ حالته السابقة المشكوك لاحقا فهذه موضوعاتها واضحة , لكن ما هو موضوع الاحتياط؟ واذا شخصنا موضوع الاحتياط فسوف نرى هل هو موجود حقيقة مع وجود دليل اجتهادي ام لا؟ 
والجواب , ان موضوع الاحتياط : هو (احتمال الامر او احتمال الغرض)( ) فكلما احتملت امرا او غرضا ملزما للمولى فعليك ان تحتاط وكلما احتملت امرا ندبيا فيحسن بك ان تحتاط , اذن موضوع الاحتياط هو احتمال كون الاتيان بهذا الفعل امتثالا لامر المولى سواء اكان الاحتمال بدويا فالاحتياط مستحبا أم مقرونا بالعلم الاجمالي فالاحتياط واجب . 
والخلاصة ان موضوع الاحتياط هو( احتمال الامر) واحتمال الامر وجدانا موجود رغم وجود الدليل الاجتهادي فلو دل الدليل الاجتهادي على وجوب الجمعة في زمن الغيبة لكن احتمل المكلف ان صلاة الظهر واجبة فيجمع بينهما فهذا ممكن اذا لم يقم الدليل على حرمة الجمع بينهما , فاحتمال الامر الواقعي واحتمال الغرض الملزم موجود رغم وجود الدليل الاجتهادي . 
وتحقيق الكلام في ذلك يتم ببيان الفرق بين الاحتياط والبراءة وهناك فرقان اساسيان: 
الفرق الاول : ان موضوع البراءة النقلية هو (ما لا يعلم حكمه) او (عدم العلم) اي الشك في التكليف , والبراءة العقلية هو اللا بيان (قبح العقاب بلا بيان) اما موضوع الاحتياط فليس (الشك) و (ما لايعلمون ) بل ظرفه (ما لا يعلمون) , نظير الفرق بين الامارات والاصول فكلاهما فيه شك لكن الفرق ان الشك في الاصول موضوع لكنه في الامارات ظرف ففي ظرف الشك نلجأ الى خبر الواحد والى الظواهر , لكن الاصول موضوعها الشك أي ان (ما لا يعلمون) هو الموضوع الذي يرتب عليه الحكم الظاهري اما بالنسبة للامارات فليس موضوعها الشك وانما في ظرف الشك نلجا الى الدليل وهذا الفرق بعينه يجري في المقام , فالبراءة موضوعها الشك اما الاحتياط فظرفه الشك. 
وبتعبير اخر : موضوع الاحتياط هو الاعم من الشك ومن قيام العلمي على المؤدى , وانما ينتفي موضوع الاحتياط بالعلم فقط , اذن موضوع الاحتياط ينتفي في صورة العلم بالحكم الشرعي فقط , اما في صورة قيام علمي على الحكم الشرعي او في صورة الشك فأن موضوع الاحتياط موجود وجدانا لانه (احتمال الامر) كما سبق , على عكس البراءة فهي خاصة بصورة الشك موضوعا لا ظرفا لكنه في صورة قيام علمي لا مجال للبراءة لعدم صدق (رفع ما لا يعلمون) لأن العلمي ينزل منزلة العلم 
الفرق الثاني : ان مقتضى الاحتياط هو الجمع بين المحتملات او الاتيان بالمحتمل وبتعبير اخر ان لسان الاحتياط هو لسان العمل (افعل هذا وافعل ذاك) ولا تعلق له بالحكم نفيا او اثباتا لا في مرتبة الباطن ولا في مرتبة الظاهر , اما البراءة فلسانها لسان الحكم أي انها تنفي الحكم الظاهري فان الحكم له مرتبتان الواقع والظاهر فاصالة البراءة تنفي الحكم في مرتبة الظاهر فتقول رفع ما لا يعلمون أي لا حكم في مرتبة الظاهر لكن الاحتياط لا ينفي شيئا , (لا في مرتبة الظاهر ولا في مرتبة الواقع) وانما شأنه العمل , اذن لسان احدهما العمل ولسان الاخر الحكم وانه لا حكم لكنه خاص بمرتبة الظاهر, اذن الفرق من هذه الجهة كبير فاحدهما ينفي الحكم والثاني يثبت العمل( ). 
هذا هو الجواب الثاني عن الاحتمال الثبوتي الاول وهو انتفاء موضوع الاحتياط بوجود الادلة الاجتهادية واجبنا عنه بتعريف الاحتياط تارة وتارة ببيان موضوع الاحتياط . 
الاحتمال الثاني هو (الورود) بأن يقال: ان ادلة الاجتهاد والتقليد وان لم تكن نافية تكوينا مطلقا( ) لموضوع الاحتياط لكنها نافية تكوينا تعبدا لموضوع الاحتياط , فان الورود هو ما يكون فيه الدليل نافيا لموضوع المورود عليه حقيقة لكنه بعناية التعبد ومثاله عندما يقول الامام عليه السلام (لا تنقض اليقين بالشك ) ثم اخبر زرارة او الثقة بالحكم الشرعي فهنا لا شك حقيقة الا ان عدم وجود الشك بعناية التعبد , فتأمل . والمثال الاوضح في البراءة (رفع ما لا يعلمون) فأنه لو قام دليل اجتهادي فان (لا يعلمون)( ) قد انتفت اذن الدليل الوارد هو ذلك الدليل النافي لموضوع الدليل المورود حقيقة لكن بعناية التعبد , وفي المقام قد يقال ان الادلة الاجتهادية ترفع موضوع الاحتياط حقيقة لكن بعناية التعبد فحيث ان الشارع تعبدنا بخبر الثقة فهذا يلغى احتمال الخلاف وهو موضوع الاحتياط , اذن هو دليل وارد على الاحتياط ونافٍ لموضوعه لأن خبر الواحد يورث الظن النوعي والباقي يتمم بفعل الشارع بان يقول جعلت خبر الثقة حجة فيلغي احتمال الخلاف تعبدا فاحتمال الامر الذي هو موضوع الاحتياط قد انتفى حقيقة بعناية التعبد واذا تم هذا فينتفي الاحتياط مطلقا كلما قام دليل اجتهادي والحال ان بناء العقلاء و سيرة الفقهاء ليست على ذلك بل بناؤهم على حسن الاحتياط في الجملة حتى لو قام دليل اجتهادي , ونحن نقول في الجواب انه لا ورود في المقام لنقطة دقيقة وسيأتي توضيحها ان شاء الله وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين . 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=336
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 26 ربيع الاول 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23